إنتخابات تحمل آثارا كبيرة إن جرت!!

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

أعلنت لجنة الإنتخابات المركزية عن إغلاق باب الترشيح للإنتخابات الفلسطينية المقررة في يوم 22/5/2021 . وقد بلغ عدد القوائم ستا وثلاثين قائمة من شتى الإتجاهات والألوان والشعارات الفضفاضة، بدءا بحماس وفتح بأجنحتها، مرورا بدحلان وفياض، واليسار بكل اتجاهاته، وانتهاء بأكاديميين ومهنيين ومستقلين. علما بأن فلسطين وفق قانون الإنتخاب تشكل دائرة واحدة من أقصى نقطة في الجنوب إلى أبعد تجمع في الشمال. وهي تتبنى نظام التمثيل النسبي بعد أن تجتاز القائمة نسبة الحسم المعقولة، وهي واحد ونصف بالمائة من أصوات المقترعين الصحيحة.

بهذه الإطلالة الإنتخابية غير المتوقعة ضمن هذا العدد الكبير من القوائم المغلقة ، والتي لم يتوقعها اكبر حالم في الإنتخابات الفلسطينية، فإن الصراع يبدو على أشده ولن يخلو الأمرمن قسوة وشدة وانزلاق هنا وهناك، والتي نرجو أن لا تحدث، وأن يقتصر الأمر على الكلام ضمن الرأي والراي الآخر. ومهما كان الجدل محتدما إلا أنه يجب أن لا يصل مرحلة التخوين.

ومما يزيد الأمر تعقيدا وسخونة نزول قائمة باسم مروان البرغوثي وناصر القدوة إلى الساحة الإنتخابية. بل نزول عشرات القوائم الأخرى التي ستسحب أصواتا من القائمة الرئيسة لفتح. ولن تسحب صوتا واحدا من قائمة حماس الإنتخابية. فمنتخبو حماس واضحون وليس لهم منافس حقيقي، حتى الجهاد الإسلامي التي تشكل منافسا محتملا، نأت بنفسها عن الولوج للمعركة الإنتخابية في ظل أوسلو وتداعياته . ومن هنا سيكون التركيز كبيرا على نسبة الإقتراع العامة ورفعها إلى أكبر درجة.

ونسجا وتقليدا لقرار فصل ناصر القدوة من حركة فتح، هل سيتم فصل مروان البرغوثي من الحركة، ام أن هناك ازدواجية في المعايير. وهل سينسحب ذلك على كل المرشحين الآخرين أم ستتوقف الأمور عند فصل ناصر القدوة وكفى الله المؤمنين شر القتال؟

ساعدت نسبة الحسم المنخفضة في قانون الإنتخاب، على فرقة اليسار الفلسطيني وتمزقه بدل توحده في قائمة واحدة. فرغم انخفاض نسبة التأييد الحاصل لليسار الفلسطيني في الجولات السابقة، إلا أن أمل كل فصيل وحلمه في تجاوز نسبة الحسم عزز هذا الإنتماء الفئوي وتقويته. إلا أن هذا الفوز لو حصل فسيبقى في المرتبة الأولى وحواليها.

ويجب أن نسجل أن هذا الرقم العالي من عدد القوائم الداخلة لسوق الإنتخابات الفلسطينية، لا بد وبالضرورة أن يحرك الدورة الدموية الفلسطينية وينشطها ويدفع بها لأقصى درجة، وبخاصة أن المجتمع الفلسطيني لم يشهد انتخابات قريبة فضلا عن ركوده بشكل عام. وبالتالي نتوقع أن نشهد نسبة عالية من التصويت رغم الكورونا ومشتقاتها. وقد يستتبع هذا العدد الكبير من القوائم الإنتخابية الفلسطينية انسحاب بعضها أو حدوث صفقات جانبية هنا وهناك.

ولعل هذا الرقم العالي للقوائم الإنتخابية الفلسطينية هو دليل حي على مدى شوق وتوق المجتمع الفلسطيني للإنتخاب والتغيير، وأنه مجتمع حي رغم الويلات التي ألمت به. فبمجرد ان حانت الفرصة له حتى تقدم الكثيرون لملئها رغم صعوبة شروطها وقسوتها. لقد مر الشعب الفلسطيني بمرحلة انقسام شديدة الوطأة، فكانت الإنتخابات المرجوة مرحلة لعود المقطوع ووصل الممنوع.

ويجب أن لا يكون مدعاة للإستغراب والدهشة، هذا العدد الكبير للقوائم الإنتخابية الفلسطينية، فنظام التمثيل النسبي عادة يتسبب بوجود أحزاب صغيرة. من باب العلم بالشيء فقد ترشحت في إسرائيل في انتخاباتها الأخيرة تسعة وثلاثين قائمة فازت ثلاثة عشر قائمة فقط حيث اجتازت نسبة الحسم العالية.

ومن باب التذكير أن الإنتخابات الفلسطينية تقع على مرحلتين متلازمتين متتابعتين. المرحلة الأولى تتمثل بانتخابات المجلس التشريعي والتي ستعقد في شهر أيار/ مايو من عام 2021، والمرحلة الثانية المتمثلة بالإنتخابات الرئاسية والتي ستجري في شهر تموز/ يوليو من ذات العام الميلادي.

لا جدل أن موضوع القدس وإجراء الإنتخابات الفلسطينية فيها وفق اتفاق أوسلو يشكل عقدة العقد، وبخاصة أننا أمام حكومة يمينية صهيونية عنصرية أعلنت مسبقا أنها لن تسمح بإجراء الإنتخابات الفلسطينية في شرقي القدس ولا بأي حال من الأحوال. وهل سيقوم الإتحاد الأوروبي ودول أوروبا وروسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، بدور ضاغط على الحكومة الإسرائيلية لتطبيق اتفاق أوسلو على ضعفه ولكن برمزيته على إجراء انتخابات فلسطينية في شرقي القدس أم أنه سيكتفي بالنصح والإرشاد كعادته. سؤال كبير جدا ومصيري للإنتخابات ذاتها.

ويستتبع هذا السؤال عن وجود مراقبين للقوائم في هذه المراكز الإنتخابية في شرقي القدس على اختلاف توجهاتهم. والحقيقة أن جميع الإجابات حول هذا الموضوع متصلة بنقطة سياسية هامة، ألا وهي هل إسرائيل راغبة في إجراء انتخابات حقيقية في الضفة الغربية وقطاع غزة أم غير راغبة؟ إذا كانت راغبة فستغض الطرف عن قضايا وأمور كانت تصر على رفضها، أما إذا كانت راغبة في العكس فستتشبث بكل تفصيلة لمنع إجرائها. وينطبق بقدر أقل هذا الموضوع على الولايات المتحدة الأمريكية ومدى تأثيرها.

في هذا الصدد يجب أن نقيم تفرقة بين محافظة القدس ككل، وبين الجزء المحتل والمضموم إسرائيليا منها. فبعض أجزاء محافظة القدس يخضع للإحتلال الإسرائيلي ولكنه غير مضموم للكيان الإسرائيلي، ويستطيع أن يمارس فيه الفلسطينيون حريتهم الإنتخابية بشكل نسبي كامل. ويجب طرح سؤال آخر هل من بديل لإجراء الإنتخابات في القدس؟ وما هو الحل إذا تعذر ذلك الأمر؟ هل سيؤدي لإلغاء إجراء الإنتخابات الفلسطينية برمتها؟ هل سيتوافق الفلسطينيون على عدد محدود من الفلسطينيين لتمثيل القدس بالتعيين، أو سيكتفى بمن هم مرشحون في القوائم الإنتخابية المتعددة. وهل هناك من وسائل مبتكرة لكسر القيد الإسرائيلي بمنع إجراء الإنتخابات الفلسطينية في شرقي القدس؟ لقد تكفلت الأحكام الختامية عن الإنتخابات في القدس الإشارة إلى ” اتباع أي وسائل تراها مناسبة لضمان تمكين الناخبين في القدس من ممارسة حقهم في الإقتراع “.

مسالة أخيرة، يجب مراعاتها والتشبث بها، ألا وهي عدم العبث بمراكز الإنتخاب والفرز وبصناديقه وبالأصوات الإنتخابية وبضمان كل ذلك من أي تدخل أو تأثير بل وحمايته. ولا جدل أن لجنة الانتخابات المركزية مثقلة بهم كبير من أجل إنجاح مسيرة الإنتخابات بشكل شفاف وأمين.

صحيح أن الإنتخابات الفلسطينية شأن فلسطيني خالص، وهي فرصة لإثبات الذات الفلسطينية القادرة صاحبة السيادة المجددة كبقية شعوب الأرض الحضارية. هي فرصة حتى نقرر قوانيننا وتشريعاتنا وممارسة جزئيا سيادتنا رغم أنف الآخرين الذين لا يؤمنون بذلك، وغير راغبين بذلك. وسيتحينون الفرص لإفشال هذه الإنتخابات لمقاصد شتى، أولها وأهمها الإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني غير قادر على تحقيق مصيره بنفسه، وغير قادر على حكم نفسه بنفسه بشكل ديموقراطي، بل هو غير أهل لذلك، لذا يجب أن يبقى تحت وصاية الآخرين أو احتلالهم بالأحرى. وإذا هبت رياحك فاغتنمها بل اجمع براعم الورد ما دمت قادرا على ذلك!!!

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …