بقلم:د. اسعد عبد الرحمن
مع خروج بريطانيا من “الاتحاد الأوروبي” (بريكست) تم وصف الاتفاق، في الصحافة الأوروبية، بالتاريخي والأصعب منذ الحرب العالمية الثانية، حيث عزا كل طرف لنفسه الإنتصار في المفاوضات الماراثونية التي استمرت أربع سنوات.
رئيس الوزراء البريطاني (بوريس جونسون) الذي ترجم حلمه القائم على ما أسماه “تحقيق إقلاع اقتصادي بمجرد مغادرة الاتحاد الأوروبي”، بات يواجه مشكلة وحدة “المملكة المتحدة” (إنجلترا، وإيرلندا الشمالية، واسكتلندا، وويلز) والتي هي “دولة اتحادية” بموجب قرار في العام 1800، يحكمها نظام برلماني، وتتمركز الحكومة في العاصمة لندن، مع حكومات محلية ذات حكم ذاتي في كل من بلفاست، وكارديف، وأدنبرة، وهي تباعا عواصم إيرلندا الشمالية وويلز واسكتلندا.
مع “بريكست”، تجدد في اسكتلندا الحديث عن الانفصال، وهو ما يقلق (جونسون) الذي لا يريد أن ينفرط عقد “المملكة” في عهده. فالاسكتلنديون طالبوا بالإستقلال التام، وتم طرح استفتاء في عام 2014 للشعب الاسكتلندي الذي رفض بفارق ضئيل. واليوم، تشهد اسكتلندا حالة من التعبئة للضغط على الحكومة البريطانية للقبول باستفتاء جديد. فرئيسة وزراء اسكتلندا (نيكولا ستورجن) متحمسة لإجراء استفتاء ثان للانفصال، وتؤكد ثقتها بأن “هذه المرة سيكون خيار الاسكتلنديين هو الانفصال، بعد أن صوتوا للبقاء تحت تاج الملكة عام 2014”. و(ستورجن) ما زالت تخوض حملة تعبئة غير مسبوقة في اسكتلندا لحشد الرأي العام للالتفاف حول فكرة الانفصال، مستغلة النزعة القومية الاسكتلندية المنتعشة مع انفصال بريطانيا عن “الاتحاد الأوروبي”. وفي تصريح آخر، قالت: “قضية الاستفتاء على الاستقلال تتعلق بما هو أفضل للبلاد الآن وعلى المدى الطويل. إنها تتعلق بكيفية حماية مصالحنا وبناء الرخاء والعدالة في اسكتلندا”، علما بأن مساحة اسكتلندا تبلغ ثلث مساحة المملكة المتحدة، وتساهم بنحو 10% في اقتصاد البلاد بحكم ثروتها النفطية، وتضم أكبر قاعدة عسكرية نووية في الجزيرة البريطانية، وكلها مقومات تضاعف من أهميتها الإستراتيجية لدى “المملكة”.
وإن كانت لندن تتعامل مع الأمر ببرود، باعتبار أن الاستفتاء عادة يقام لمرة واحد كل جيل ونتائجه تحترم، إلا أن المخاوف تتزايد في “المملكة” باعتبار أن اسكتلندا اليوم بعد “بريكست” أقرب من أي وقت مضى من تحقيق هدف الانفصال، خاصة وأن (دوغلاس روس) زعيم حزب المحافظين الاسكتلندي اعترف بأنه هو وحزبه “ليس لديهم فرصة لتحدي ستورجن عندما تنتخب اسكتلندا برلمانا جديدا في أيار/ مايو القادم”. فضلا عن ذلك، أظهر 17 استطلاعا متتاليا في الأشهر الأخيرة وجود أغلبية واضحة لصالح الانفصال، مبينة أن (ستورجن) تحظى بشعبية كبيرة لدرجة أنها تتفوق في التصنيف بإسكتلندا على (جونسون) بحوالي 100 نقطة.
صحيفة “التايمز” البريطانية، في افتتاحية كاشفة، وصفت تصريح (روس) بأنه: “قبل 4 أشهر من الانتخابات استثنائي وغير معتاد. وهيمنة (ستورجن) ليست مشكلة انتخابية فقط للمحافظين، بل تهديد للاتحاد البريطاني نفسه”. وأوضحت: “على جونسون ومجلس وزرائه، وبمجرد أن تسمح الظروف، قضاء المزيد من الوقت في اسكتلندا. وقبل ذلك، يجب عليه ضمان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل سلس ومنظم، وإذا فشل، فقد يتم تذكر عام 2021، مثل عام 1921، باعتباره عام التقسيم بانفصال إيرلندا”. وختمت “التايمز” افتتاحيتها بالقول: “خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وفيروس كورونا، وبوريس جونسون، وانهيار حزب العمال في اسكتلندا، جميعها قد فاقمت العلاقات المتوترة بين لندن وأدنبره، الأمر الذي يبدو معه أن اسكتلندا تسير على طريق سريع إلى الانفصال دون مخارج”، والحال كذلك، الأمر كله الآن في بطن المستقبل، فما يحدث فعلا؟!!!