إلامَ تفضي الانتخابات الفلسطينية ؟!

11 مارس 2021آخر تحديث :
إلامَ تفضي الانتخابات الفلسطينية ؟!
إلامَ تفضي الانتخابات الفلسطينية ؟!

سردية بمعطيات بعيداعن الشعارات…

إلامَ تفضي الانتخابات الفلسطينية ؟!

بقلم: د.احمد قطامش

البشر يصنعون تاريخهم، بات هذا في عداد اليقين في القرنين الاخيرين ارتباطاً بالثورة الصناعية، ومرحلتها الثانيه الصناعة الثقيلة والثالثة الثورة التقنية والذكاء الاصطناعي ،وما ارتبط بها من قفزات علميه وتوالد عنها من طبقات اجتماعية ومدن عصرية وثقافة ونظم سياسية ودول قومية واحتكارات معولمة ….الخ وولادة متأخرة للعملاق الصيني المكون من مليار ونصف المليار نسمة بما يقترب من خمس البشرية واقل من ذلك بقليل في الانتاج العالمي الذي يتجاوز 80 تريليون دولار سنويا .

والقارب الفلسطيني لا يسبح في الهواء بل في بحر متلاطم الامواج تتنازعه سياسات دولية واقليمية وعربية، ومثلما خضع اربعة قرون للزمن الاقطاعي العثماني نهشه مشروع استعماري رأسمالي غربي في القرن العشرين رأس حربته مقولة اللورد البريطاني ميتفورد عام 1840 بعد هزيمة مشروع محمد علي وابنه ابراهيم لتوحيد الناطقين بلغة الضاد ( بأن العناية الالهية اهدتنا لارض بلا شعب لشعب بلا ارض) فتقاطرت الهجرات اليهودية التي ادلجها هرتزيل مؤسس الحركة الصهيونية في اواخر القرن19. وفي رسائله للرأسمال اليهودي الفرنسي روتشيلد كتب (اننا بحاجة لنصف قرن لاقامة الدولة اليهودية ) فتولت شركات روتشيلد ادارة التعاونيات الفاشلة التي تعيش على المساعدات، مروراً باتفاق سايكس بيكو عام 1916 لاقتسام المشرق العربي ووعد بلفور1917 “باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ” فتعاظمت الهجرة اليهودية الى ان اصبحت ثلث سكان فلسطين في ثلاثينيات القرن العشرين وحتى عام النكبة والتطهير العرقي 1948، فتمأسست الهجرات وقاعدتها الاقتصادية ومجموعاتها العسكرية في “دولة” ابتلعت ثلاثة ارباع فلسطين واقتلعت ثلثي الشعب الفلسطيني من ديارهم واملاكهم فيما تشير الوثائق البريطانية انه لم يكن لليهود سوى 5.6% من عموم فلسطين وهذا اعتبره بيرس ( الانتصار التاريخي الاول).

اما مقولة الخارجية الاسرائيلية وقتذاك ( ان الفلسطيني سيتحول لغبار الارض) و( الكبار يموتون والصغار ينسون) فاخفقت على نحو تراجيدي ، اذ تكاثر الفلسطيني من 1.15 مليون واصبحوا اليوم 17.7 مليون (جهاز الاحصاء الفلسطيني )

واقد اعتبر الصحافي جدعون ليفي مقولة ” ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ” في عداد السخافة ، وهذا ينسحب على صرخة غولدا مائير ( اين هو الشعب الفلسطيني ) فكل مكونات الشعب الفلسطيني متوافرة ولا يعوزها سوى الاستقلال الوطني في دولة سيّدة الشيء الذي حال دونه الاستعمار العنصري المزود بانياب ذرية ودعم العواصم الغربية واستكانة وطعنات العديد من العواصم العربية

وآخر المشروعات كانت صفقة القرن الترامبية التي رفضها الكل الفلسطيني والعالم اجمع ، فتبخرت كمشروع سياسي وان لم تتوقف بعض دواليبها ( الحزب قلعة لا تقتحم الا من الداخل ) لينين ، وهذا حال الشعب والارادة التحررية الفلسطينية . واجزم بالقول انه لا توجد هيئة او كتلة او حركة او فصيلة او تشكيلة وازنة او غير وازنة تصطف بجانب مخططات تبديد الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه الوطنية . اما التباين فيذهب الى تعريف الشعب وتعريف الوطن وتعريف الحقوق وتعريف الاهداف وسبل الكفاح والتاكتيكات.

وعليه سراب في سراب تمنيات تبديد الشعب وتصفية حقوقه مهما تكالبت مؤامرات الذبح السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي ومهما اشتدت الاخلالات الداخلية وتعاظمت التقاطبات بين الذين انخرطوا في نهج اوسلو والذين ناهضوه، وبين النزعات الفئوية والنخبوية وبين التطلعات الوطنية والوحدوية وبين الذين ريشوا والذين افقروا وتهمشوا ، وبين من يرتدي ربطة العنق وبين من يدس قدمه في حذاء معفر بعنق، وبين المحسوبين على اليمين الوطني اواليمين الديني وبين المحسوبين على “اليسار” و”الوسط” وصاحب المنطلقات الليبرالية والذين لم يرق تفكيرهم الى مستوى الايديولوجيات وبين الشرائح العليا المترفة والمجاميع الشعبية المتعبة وما بينهما من فئات .

تشير التقديرات ان البرجوازية بالوانها 6%وحضورها في السجون اقل من 1% حسب استبانة اعدت عام 1995 والعمال باصنافهم 35% وفي السجون 30% والطبقة الوسطى بتلاوينها 25% وفي السجون 20% حسب استبانة اعدت عام 2012 والبرجوازية الصغيرة من اصحاب الانتاج البضاعي الصغير والمشروعات الخدمية والفلاحين الذين يملكون استثماره ويعيشون منها نحو 30% وفي السجون اقل من 20% اضافه للذين يصعب تصنيفهم طبقيا . اما الفئة الانتقالية من الطلبة فهم في الحركة الاسيرة اكثر من 25%.

ثمة “كتلة تاريخية ” بلغة غرامشي فاعلة وحية هي غالبية الشعب الفلسطيني بما تنطوي عليه من ميول واتجاهات وفاعليات واجيال لا يمكن تنحيتها او شطب تطلعاتها . فلم يتحقق هذا السيناريو الاسود فيما كان الشعب مجرد 1.15 مليون عام 1948 والضفة وغزة مجرد ¾ مليون بعد هزيمة حزيران والمقاومة تذبح في الاردن ولبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي واجتياح الضفة الفلسطينية عام2003 وثلاثة حروب او عدوانات على غزة في غضون عقد واحد، وتضييق الخناق على وكالة الغوث ومحاصرة السلطتين في الضفة وغزة والقبضة الحديدية مع الحركة الاسيرة في السنوات الاخيرة… فهذا السيناريو محض وهم .

عجلة الزمن لا تدور استراتيجيا ضد الشعب الفلسطيني مهما تعرض وطنه للسرقة وارضه للنهب ومهما بلغ التنكيل والبطش فالفرنجة احتلوافلسطين قبل تسعة قرون ونيف واستولوا على التلال والاطيان والمدن ولكن الارض لفظتهم بعد نحو تسعة عقود وماوتسي تونغ في الصين قال “دعوا اليابانيين يتوسعون في الشمال الشرقي ففي انتشارهم موتهم ” وقبله بمئات السنين قال حكماء الصين (سيغرق المغول بعد اجتياحهم بكين في حضارة الصين ) واين هي البلاد التي لا تغيب عنها الشمس (بريطانيا) التي احتلت شرق الكرة الارضية وغربها ؟ ذلك ان التاريخ يصحح اخطاءه ولو بعد حين .

صرح كارلوس منعم (ارجنتيني من اصل سوري) عندما كان رئيسا (انا لست عربيا لأتخلى عن وطني ) واشتبكت قواته مع البوارج البريطانية التي احتلت جزر الفوكلاند. وطالما ان الفلسطيني يصمد في وطنه ويتشبث بحقوقه ويتمسك بثقافته الوطنية فهو عقبة كؤود لا يمكن دحرها. تذهب اجيال وتاتي اجيال وتتبدل قيادات وسياسات اما الشعب فهو باقٍ.

وكما اشرت سابقا العمل الفلسطيني يقرره الفلسطينيون اما مصير فلسطين فلا يقرره الفلسطيني وحده. وما علينا سوى رصد التحولات الدولية الاقليمية وعدم انكسار عدد من العواصم والحركات العربية، لنستدل ان قضية فلسطين وجدت لتبقى . فالصراعات في الاقليم وعلى الاقليم يكتنفها احتمالات شتى، فعلينا ان نكف عن العويل كلما هرول امير او وزير تطبيعاً واصطفافا في الخندق المعادي وكانه ثالثة الاثافي ومدعاة لليأسيه التي لا ترى في المجال سوى سواد المستقبل . فالمستقبل يحمل السواد والبياض والرمادي وعشرات الالوان .

ولدت الثورة المعاصرة بعد هزيمة حزيران وكانت اجنتها قبلئذ ، وتزامنا مع احتلال الجنوب اللبناني وبيروت نهضت المقاومة اللبنانية التي حررت الجنوب عام 2000، ولما وقعت قيادة م.ت. ف على اتفاق اوسلو الذي خلق انقساما عموديا اندفع الاسلام السياسي المقاوم وملأ الفراغ ( تشير الاستطلاعات المتكررة ان حجم فتح وحماس بين 32-33% لكل منهما والشعبية والجهاد 4-3% واقل من 1%لكل من الفصائل الاخرى وهناك بين 30-40% يؤيدون حينا ويستنكفون حينا اخر، اما الجيل الشبابي الاكثر تعليما فقطاعات واسعة منه لها انتقاداتها وحضورها وان لم تتأطر بعد ، فالشعب الفلسطيني وان نهشته اخلالات شتى فهو كائن حي ينمو ويتسلح بغريزة الحياة وحلم الحرية والكرامة والاستقلال ، يتراخى في ساحة وينهض في ساحة اخرى ، مرة يكون مركز الثقل في الخارج ومرة في الداخل ومرة في الضفة ومره في غزة ….

لو كنت اقرأ المسيرة الفيتنامية لن يصعب علي الاستخلاص ان وقف العملية القتالية بين 54- 1959 لترتيب الانتصار في الشمال وتهيئة شروط الانطلاق في الجنوب بانه قرار حكيم ومتبصر، وان الشمال سوف يسند الجنوب اما في السياسات العربية والفلسطينيه فتختلط الاوراق ولا اعرف الصدق من الكذب ، وهل تبلغ البراغماتية حد التفريط بالكلية من اجل الجزئية وان الترسالة الحربية العربية التي انفقت عليها مئات مليارات الدولارات لم تستخدم الا للصراعات البينية والبنيوية ؟.

ولكن ثمة ما يخفف من وطأة هذا الالتباس هو انقسام المشهد العربي بين محورين.

يقوم التحليل الماركسي الكلاسيكي على التضاد بين الطبقات ومصالح الطبقات اما التركيب الاقتصادي والاجتماعي العربي والفلسطيني والاستباحة الامبريالية لاحياء العرب وامواتهم فيوجب اشتقاق ادوات نظرية تستقرء الخاص والملوس (تحليل ملموس لواقع ملموس) لينين الذي قاد عملية ثورية عصرية ظافرة في ( بلد نصف اقطاعي ونصف برجوازي) بلغته وهذا لم يبلغه العرب بعد .

وشخصياً اتفاءل حد الاعجاب بشخصية سياسية او ثورية عربية او فلسطينية صادقة حتى ولو كانت نقيض قناعاتي فعلى الاقل انها ترسي قيمة اخلاقية (الصدق) وتستند لمعايير تساعد على الفهم والتحليل.

كل ما اسلفت للقول ان ثمة مسار سياسي تفاوضي يجري الاعداد له في دروج الادارة الامريكية، عنوانه الاعم بات منشورا في وسا ئل الاعلام رغم انشغالات الادارة بقضايا كبرى (الانقسام الداخلي والكورونا ونتائجها الاقتصادية التي افضت لعشرات ملايين العاطلين عن العمل وصعود التنين الصيني الذي يفاخر بنظامه الاقتصادي – الاجتماعي بقيادة الحزب الشيوعي(92 مليون عضو ) وتنامي وشائجه مع الديناميكية السياسية الروسية والمشتركات مع ايران بوزنها في محور المقاومة …

فماذا اعددنا في الساحة الفلسطينية لهذا القادم الجديد (المسار التفاوضي) وما علاقة الانتخابات الفلسطينية به وجهود ترتيب البيت الفلسطيني ؟!