بقلم: الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي دولي- وشريك اقليمي لصندوق دعم المبادرات الناشئة – فاستر كابتل –دبي
أقرت الحكومة الفلسطينية، الإثنين الماضي، موازنة للعام 2021، بعجز يقدر بنحو 1.7 مليار دولار قبل المساعدات الخارجية، كما قدرت الحكومة إجمالي النفقات بـ 5.6 مليارات دولار للعام 2021 بزيادة سنوية 9.9 بالمئة مبررة باستحداث حوالي 6 آلاف وظيفة جديدة خلال العام، ومواجهة تداعيات جائحة كورونا ، مع العلم ان صافي الإيرادات المتوقعة 3.9 مليار دولار بزيادة متوقعة قدرها 12.5% عن عام 2020. تاركةً الحكومة مجال للمواطن للإبداع عن مصدر الزيادة في الإيرادات . مع العلم ان الحكومة الفلسطينية تتوقع ، مساعدات من الدول والجهات المانحة هذا العام بمقدار 683 مليون دولار، مما يقلص العجز المتوقع (بعد المساعدات) إلى مليار و57 مليون دولار. ويذكر ان الحكومة قد أقرت الموازنة السنوية بعد عامين من الإنقطاع في قرار الموازنة للسلطة واعتماد الموازنات الطارئة ، وقد جاء مناقشة وإقرار الحكومة بعد المقالة التى كنت قد كتبتها سابقاً تحت عنوان ” ماذا ينتظرنا بموازنة عام 2021″ على صفحات جريدة القدس بتاريخ 13-01-2021.
وحسب التصريحات الرسمية الفلسطينية ، فقد وصلت نسبة البطالة بالضفة الغربية الى 19% بزيادة قدرها 1% عن العام الماضي بنفس الفترة ، بينما وصلت البطالة في قطاع غزة الى 49% ،وبمعدل بطالة بفلسطين تصل الى 34% ، ولا تشمل البطالة العالية في صفوف المقدسين التى لم تشملهم الاحصاءات الرسمية الفلسطينية. وتشير توقعات البنك الدولي إلى أن معدل الفقر ارتفع إلى نحو 30%، حيث يعاني نحو 1.4 مليون شخص من الفقر، كما بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 40% مقابل 23% من الرجال في حين كان المعدل 54% بين الشباب من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 69% للإناث مقابل 39% للذكور.
تمر فلسطين بمرحلة من الركود الإقتصادي والسياسي، يعاني فيه الإقتصاد الفلسطيني من ركود مقلق، ويمكن القول إن السياسات والإجراءات التي انتهجتها السلطة الفلسطينية قد أدت إلى عدم تحفز النمو الاقتصادي بالقدر الممكن. فإذا تطلعنا إلى المستقبل، فإن الوضع الحالي لا يبشر بالخير. فمعدلات البطالة لا تزال مرتفعة على نحو استثنائي ومزمن، وفي الوقت نفسه، أصبح من الصعب التعويل على المساعدات الخارجية، والتي هي أصلاً في انخفاض، لدعم النفقات المتزايدة من قبل الحكومة الفلسطينية. لذا فإن الحاجة إلى ‘رؤية جديدة” اصبح اكثر إلحاحاً ، ستأتي فقط بالإنتخابات القادمة.
المجلس التشريعي “الرؤية الجديدة” رسائل واهداف ورؤية للأعضاء المجلس التشريعي القادم وتتمثل فيما يلي:
العمل على إستقطاب حزمة إجراءات مالية محفزة للإقتصاد، تتضمن ضخ أموال وإنفاقا، وتسهيلات وإعفاءات، قد يصل المبلغ حسب التقديرات المالية الأولوية الى 500 مليون دولار امريكي ، ستؤثر بشكل مباشر على انخفاض معدلات البطالة المتزايدة ويؤثر على النمو الإقتصادي الذي سيؤثر على معدلات الفقر المتزايد بالمجتمع الفلسطيني. كما ستؤثر بشكل محوري على عائدات خزينة السلطة الفلسطينية و ستؤدي الى زيادة بالإيرادات المباشرة وغير المباشرة عليها من الضرائب وتوسيع القاعدة الإنتاجية .
من اين ستأتي الحزمة الإقتصادية في ظل الضعف بالأداء الإقتصادي الفلسطيني؟ وإلإجابة كالتالي : إن مصادر الموازنة التي تم اقرارها حديثا تحتوي على بنود نستطيع تجنيدها لصالح إعادة الإنتعاش للإقتصاد الفلسطيني ، ويتم إعادة تقيم الكثير من البنود والإستفادة منها ، وذلك بتقليل المصاريف العامة الغير اساسية والعلاوات ، كما ستأتي من مناقلات بين بنود داخل الموازنة بما يضمن عدم زيادة في الدين العام، بالإضافة الى تجنيد شراكة مع مؤسسات القطاع الخاص والدول المانحة، كبنك الإسلامي للتنمية .
أما الرؤية المقترحة تتمثل فيما يلي:-
اولا:- يجب ان تهدف الى تخفيف من الأعباء المادية على الناس، وإحداث أثراً ايجاباً على معيشتهم اليومية.
ثانيا:- الهدف المنشود الإنقتاح الإقتصادي الشامل لكافة القطاعات الإنتاجية وبالسرعة الممكنة.
ثالثاً:- تقليل المصاريف الحكومية المباشرة والغير مباشرة ، والاستغناء عن كثير من البنود.
رابعا:- . لا بد من تركيز على برنامج التطعيم، لأننا سنكون في أزمة محرجة أمام الرأي العام إذا أنهى العالم وفتح الاقتصاد ونحن نراوح مكاننا ، خصوصا ان الدول المحيطة وضعت سياسات عملية لإعادة الحياة الإقتصادية، ونحن ما زلنا نراوح في منهجيات الإغلاق.
الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة :
الإصلاحات المطلوبة من المجلس التشريعي القادم ، سواء المؤسسية أو الاقتصادية، ستكون صعبة وشاقة على المدى القصير، ولكنها ضرورية للغاية، لا وبل ملحة،أن نقطة الإنطلاق بالقادم “المجلس التشريعي” للجهد يهدف لرفع معدلات النمو وتعزيز العدالة الاجتماعية يبدأ بالاعتراف بمدى أهمية الإصلاح الهيكلي والمؤسسي باعتباره شرطا أساسيا لنجاح السياسة الاقتصادية لذلك، وبقدر ما يبدو الأمر صعبا، فإن إحداث التغير في سياسات ومؤسسات السلطة الفلسطينية وكذلك في الظروف الاقتصادية السائدة . إن التنفيذ الفعال للإصلاحات الهيكلية اللازمة ،وتوقيتها المناسب، يتطلب المشاركة الفعالة للقيادة السياسية بالإضافة إلى ضرورة ضخ االموارد البشرية الصحيحة ، والمؤهلة لإحداث التغير المنشود ، وهذا ما نأملة من الأعضاء المرشحون لنيل أصوات المواطن الذي يتعطش التغير.
كما أنة لا بد لأي برنامج إصلاح وانعاش اقتصادي ان يشمل إعادة ترتيب الوضع السياسي والأمني السائد وأن يتطرق لبعض الجوانب المتعلقة والتي تؤثر بشكل مباشر على أداء الاقتصاد الفلسطيني. ومن بين القضايا التي يتوجب تناولها في هذا السياق ما يلي :-
اولا:- وحدة الوطن الجغرافية ( الضفة الغربية وقطاع غزة) والقدس .
ثانيا:- المنطقة المسماة (ج) والتي يجب العمل على الإستفادة من مصادرها المائية والأرضي الخصبة الزراعية لدعم الإقتصاد الفلسطيني. فعلى السلطة الفلسطينية ممثلة في المجلس التشريعي المنتخب القادم والحكومة أن تصر على توسيع حدود الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية لتشمل المنطقة “ج” والتي تشكل حوالي 62 ٪من مساحة الضفة الغربية، وفقا لتقديرات البنك الدولي، يمكن لهذه الخطوة أن ترفع من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنسبة الثلث.
ثالثا:- الأموال المقتطعة من الجانب الإسرائيلي واستعادتها. يجب على السلطة الفلسطينية/ المجلس التشريعي وضع السياسات والضوابط لتكثيف ومواصلة جهودها لاسترداد جميع الأموال المحتجزة بشكل غير قانوني من قبل إسرائيل.
رابعا:- إن زيادة نسبة الإناث المشاركات في القوى العاملة سيزيد من ديناميكية الاقتصاد الفلسطيني كما سيكون لها تأثير محوري في رفع معدلات النمو، وهو هدف أساسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ورفع مستوى أدائه.
خامسا:- التعليم: لقد شهد النظام التعليمي في فلسطين إصلاحات بارزة إلا أن التقدم في هذا المجال كان بطيئا ومتفاوتا التعليم يتوجب تخصيص المزيد من الموارد، وتصميم مناهج متطورة، بالإضافة إلى تأهيل المعلمين. والتركيز على التعليم والتأهيل المهني .
خامسا:- القدس – العاصمة المحتلة:- يجب على اعضاء المجلس القادم تعزيز الدور الفلسطيني بالمدينة المقدسة ، وتشجيع المبادرات الفلسطينية المقدسية بخلق فرص لهم .
نحن نسعى لبناء وطن، يتميز بالإستدامة الإقتصادية للأجيال القادمة، فلنؤسس لوطن ذو رؤية شمولية جديدة، وليكن العطاء للوطن اولاَ والمواطن.