الخطابات وحدها لن تنتزع الحرية والاستقلال

25 يوليو 2020آخر تحديث :
الخطابات وحدها لن تنتزع الحرية والاستقلال
الخطابات وحدها لن تنتزع الحرية والاستقلال

بقلم: فيصل أبو خضرا

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

بعد ثلاثة أسابيع على إعلان أمين سر حركة “فتح”، اللواء جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاوروي، في مؤتمر صحفي مشترك عن نية الحركتين فتح صفحة جديدة وتوحيد الجهود في مواجهة المخططات التي تستهدف شعبنا وحقوقه المشروعة، وفي مقدمتها مخطط الضم وصفقة القرن، والتقدم نحو استعادة وحدتنا الوطنية وإنهاء الانقسام، حيث استبشر شعبنا خيرا بهذا الإعلان وطالب كثيرون بالبدء بترجمة هذا الإعلان على الأرض، تم الإعلان قبل أيام عن قرب إقامة مهرجان وطني خطابي كبير في غزة قبيل عيد الأضحى المبارك، ربما كخطوة من خطوات التقارب.

وخلال هذه الأسابيع الثلاثة فقط واصلت إسرائيل عدوانها السافر على شعبنا سواء عبر مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي المحتلة وإقامة المزيد من المستعمرات وتوسيع المستعمرات القائمة بآلاف الوحدات السكنية وهدم المنازل الفلسطينية سواء في القدس أو باقي أنحاء الضفة الغربية أو عبر تنفيذها مزيدا من حملات الدهم والاعتقال حيث اعتقل المئات من أبناء شعبنا خلال هذه الفترة البسيطة، بما في ذلك رجال دين ومحافظ القدس وحراس من المسجد الأقصى وإبعاد الكثيرين عن الأقصى أو مواصلة تنفيذ مخططات تهويد القدس بالإعلان عن أكثر من مخطط تهويدي تحت وقرب الأقصى وفي مختلف أنحاء المدينة واغلاق العديد من المؤسسات المقدسية وحرمان الكثيرين من الوصول للمدينة المقدسة – وبالأمس فقط أعلنت إسرائيل عن مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس العربية المحتلة- عدا عن مواصلة الحصار الجائر على قطاع غزة واستمرار فرض شروط جائرة على أسرانا مما أدى لاستشهاد بعضهم وإصابة آخرين بالأمراض، وخوض آخرين إضرابات عن الطعام في مواجهة تعسّف السجان الإسرائيلي، وغيره الكثير من الانتهاكات المتواصلة حتى اللحظة، عدا عن اعتداءات المستعمرين اليومية على المدنيين ومزروعاتهم وممتلكاتهم.

كل ذلك جرى خلال ثلاثة أسابيع ولا يزال يجري حتى اليوم، وكل ما صدر عن قوانا الوطنية على اختلافها مجرد بيانات شجب واستنكار لم تقدم ولم تؤخر ولم تردع هذا الاحتلال الغاصب أو تدفعه للتراجع قيد أنملة.

جرى كل ذلك ولا يزال يجري ونحن لا زلنا ننتظر من زعمائنا الأفاضل من “فتح” و”حماس” وكافة الفصائل ترجمة إعلانهم الى خطوات على الأرض، توصل رسالة واضحة لهذا الاحتلال وللمجتمع الدولي بأن شعبنا لن يقف مكتوف الأيدي إزاء كل هذه الجرائم وسيهب هبة رجل واحد دفاعا عن وجوده وحقوقه وأرضه ومستقبل أجياله.

إلا أنه وللأسف وحتى اللحظة لم نر أية بشائر حقيقية بهذا الاتجاه سوى تصريحات وبيانات ووعود تتحدث عن نوايا أو شعارات تطلق في الهواء دون رصيد.

والأغرب من ذلك انه وبعد الإعلان عن هذا المهرجان الخطابي يخرج علينا حازم قاسم، أحد الناطقين باسم حماس، امس الاول بتصريحات لإذاعة صوت الأقصى يقول فيها ان ” تفاصيل المهرجان الوطني في غزة مازالت قيد الدراسة والبحث والاتصالات مستمرة مع فتح وسيعقد لقاء قيادي آخر مع فتح خلال أيام.”! ويضيف “نتمنى أن تكون السلطة جادة هذه المرة بالتوجه نحو الوحدة الوطنية خاصة بعد وصول مسارها نحو التسوية الى طريق مسدود.” و “لن نسمح للسلطة ولا لغيرها بأن يخترق موقف الاجماع الوطني الرافض لمخططات الضم.” و ” لو كان خيار السلطة نحو اللقاء الوطني خيار المضطر سنعمل على تثبيته وتصليبه حتى يصبح التوجه الثابت لدى السلطة.” وهي تصريحات غريبة عجيبة فيها من التشكيك والاتهام التي يقول حازم قاسم نفسه ان ” جهود حماس منطلقة من استراتيجيتها بتوسيع كل القواسم المشتركة بينها وبين حركة فتح لضم كل الجهد الفلسطيني في مسار واحد لمواجهة مخططات الضم الاستعمارية.” فهل يمكن توسيع القواسم المشتركة مع “فتح”؟ وهل تنسجم مثل هذه التصريحات مع الأجواء التي يفترض ان تسبق المهرجان المذكور؟! علما ان السلطة الفلسطينية هي أول من رفض صفقة القرن وقاطع لإدارة الأميركية وأول من رفض مخطط الضم فكيف يسمح قاسم لنفسه بالقول:” لن نسمح للسلطة ولا لغيرها بأن يخترق موقف الاجماع الوطني الرافض لمخططات الضم.” ، وعلما ان السلطة طالما دعت لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام ولا تذهب مضطرة الى ما اسماه حازم قاسم “اللقاء الوطني”.

صحيح ان إسرائيل نسفت اتفاق أوسلو وانتهكتة بكل بنوده ولم تسفر عملية السلام عن تحقيق أهداف شعبنا، ولكن السؤال ايضا هو هل حققت حماس او غيرها أهداف شعبنا؟!

للأسف هذا الكلام أقل ما يقال فيه انه أقوال في غير محلها ولا تنسجم مع نوايا الوحدة او النضال المشترك او تعزيز القواسم المشتركة.

إنها لوحة سريالية ، سواء مثل هذه التصريحات التي تعكر الأجواء ولا تخدم الشعب الفلسطيني او قضيته، او مجرد الاكتفاء بمهرجان خطابي حتى الآن، وهو ما يدرك الجميع انه لن يردع إسرائيل عن مواصلة عدوانها، رغم اننا لسنا ضد اقامة هذا المهرجان لو جاء في سياق برنامج وخطوات اكثر جدية في مواجهة التحدي الحقيقي الذي يواجهه شعبنا والمخاطر الماثلة امامنا، فالخطابات والنوايا وحدها لن تصد هذه المخاطر ولن تنتزع حريتنا واستقلالنا.

شعبنا الفلسطني لم يعد يهتم بالخطابات الرنانة والشعارات البراقة، بل نقولها بصراحة ان شعبنا سئم هذا الوضع حيث باتت مواقفنا وشعاراتنا وبياناتنا اشبه بقرارات وبيانات القمم العربية والإسلامية التي رغم مضمونها الجيد الا انها لم تطبق يوما فيما يمضي الاحتلال بتطبيق كل مخططاته.

شعبنا يريد من قياداته دون استثناء ان تفعل أكثر مما نراه الآن من بيانات ووعود، فمهمتها الأساسية تحرير الأرض وانتزاع الحرية والاستقلال والقيام بتحرك جدي نحو تحقيق هذه الأهداف.

وإذا كانت فتح وحماس لم تتفقا بعد على تفاصيل إقامة المهرجان الخطابي، كما قال حازم قاسم، وان جلسات ستعقد للاتفاق على ذلك، فكيف يمكن لشعبنا ان يقتنع ان هناك نوايا حقيقية للوحدة او ان من لم يستطع الاتفاق على تفاصيل مهرجان قادر على الاتفاق على برنامج نضالي لمواجهة التحديات الجسام الماثلة أمامنا؟!

في الحقيقة انه لأمر محزن ومؤسف ان نصل الى هذه الدرجة من المهاترات والابتعاد عن الجوهر فيما تتواصل معاناة شعبنا الصابر المناضل الذي انتظر ولا يزال من كافة قياداته وحدة حقيقية ونضالا جديا نحو تحقيق اهدافه الوطنية المشروعة، وهو ليس بحاجة الى مزيد من الشعارات والخطابات والبيانات بل هو بحاجة الى ان يمحو خيبات الأمل التي اصابته من سنوات الانقسام المخزي وبحاجة الى صحوة ضمير كل اؤلئك الذين شوهوا نضاله واعادوا قضيته للوراء عقودا طويلة عندما غلبوا مصالحهم الفئوية التي لا صلة لها لا بالوطن ولا بالقضية.

ولكننا نقول ان شعبنا العظيم لن ينطلي عليه كل ذلك وهو قادر على التمييز بين الغث والسمين وقادر على حماية حقوقه ومواصلة النضال من أجل انتزاعها، وكلنا أمل ان يستيقظ الجميع قبل فوات الأوان … والله المستعان