بقلم: النائب الدكتور فايز بصبوص
أن تصر قيادة منظمة التحرير على مشروعها وبالتوافق مع معظم الفصائل الفلسطينية لكل أطيافها وخاصة حركة حماس على اجراء الانتخابات الفلسطينية، أعتقد أنه مؤشر على أن هناك قراءة دقيقة لواقع التحولات السياسية الدولية تجاه القضية الفلسطينية والتي اطلقتها نتائج الانتخابات الأميركية.
فالمرحلة القادمة تتطلب بناءً فلسطينيا مؤسساتيا يستمد شرعيته وقوته من العملية الديموقراطية وإفرازاتها كمطلب فلسطيني داخلي أولا، وخارجي من القوة المحبة والداعمة للقضية الفلسطينية والتي ترى بأن استكمال العملية السياسية ضمن إطار شرعي فلسطيني ديموقراطي هي سلاح في يد المفاوض الفلسطيني دون أي تشكيك تحت الشعارات التقليدية.
ما يثير الدهشة هو ارتفاع عدد القوائم المسجلة إلى 36 قائمة منها قوائم متعددة لحركة فتح تتنافس فيما بينها على المحاصصات والمقاعد والمكتسبات. هذا التشتيت والتشظي وعدد القوائم التي تمثل كما تدعي حركة فتح يعني وبكل وضوح أن محاصصات الشخصنة هي الطاغية على المشهد، والسبب يكمن في أنها تتوافق كلها على البرنامج السياسي في خطوطه العريضة والتفصيلية، ويعكس هذا الرقم من عدد القوائم في جانبه الإيجابي التعددية والشغف والتوق إلى المشاركة في العملية الانتخابية ضمن إطار تعدد الميول الفكرية والطبقية وهي شرط لازم في الحياة الديموقراطية، لكن المفارقة أن عديد هذه القوائم يطرح سقوفاً مطلبية معاشية تبتعد بجوهرها عن الصراع السياسي، وتعتبر أولويتها تنمية وتطوير احتياجاتها المعاشية المباشرة كأولوية، وأن مقاومة الاحتلال تأتي في المرتبة الثانية كنتيجة مباشرة لتطور تلك الأوضاع، ولكن كثيرا من تلك القوائم لن تستطيع تجاوز نسبة الحسم وبذلك ستتمحور نتائج الانتخابات حول القوة التقليدية الكبرى، وهذا سيؤدي في سياق التحولات البنيوية في التنظيمات الرئيسية وعد التوافق بين القوة اليسارية والديموقراطية حول القوائم ليس من خلال خلاف على البرامج أو الأهداف، ولكنه خلاف على من يرأس تلك القوائم في إطار فصائلي قد يؤدي إلى خسارة تلك القوة ثقلها التقليدي نتيجة للسخط الشعبي حول عدم القدرة على تشكيل قوائم وطنية مشتركة تضم الكل الفلسطيني حتى لا تعطي مجالا أو ثغرة لتسرب بعض القوة ذات السقوف المطلبية والمعيشية استراتيجيتها القادمة.
رغم أن الظروف أدت إلى غياب استحقاق الانتخابات، إلا أنها ولدت عطشا شديدا لممارسة الاستحقاق الانتخابي كحق لمعظم فئات الشعب الفلسطيني، والدليل على ذلك ارتفاع نسبة المسجلين إلى 93% من أصحاب حق الاقتراع بأكثر من مليونين ونصف المليون مواطن، نسبة كبيرة منهم من الفئات العمرية الشبابية بين 18 و 37 عاما وهم يشاركون للمرة الأولى في العملية الانتخابية هذا الارتفاع في عدد القوائم رغم أنه يعبر على التعددية والديموقراطية إلى أنه يدل على أن هناك فجوة كبيرة بين الطموحات التي يصبو إليها الشعب الفلسطيني في انجاز تحوله نحو المواجهة الشاملة مع العدو الصهيوني وخصيصا في معركة القدس وذلك الجمود البرامجي وعقائدي وإعادة انتاج القيادات التقليدية التاريخية دون الاخذ بعين الاعتبار التحولات في البنية المجتمعية الفلسطينية وبعدها الكامل عن قراءة المشهد الداخلي والخارجي من خلال طرح اليات إبداعية خلاقة تطور النظام الوطني الفلسطيني وتوصله الى أهدافه الاستراتيجية في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، كل ذلك جاء رغم الصعوبات التي انتابت عملية التشكيل والتي بلغت كفالة ترشيح القوائم الى 20 الف دولار.
اذا فحالة انسداد الأفق السياسي ودخول القضية الفلسطينية في مرحلة خطرة جدا على كل الأصعدة وخاصة مشاريع صفقة القرن والضم كل ذلك سيؤدي الى انخفاض الوزن الانتخابي للقوة التقليدية وحجمها التمثيلي للمجلس التشريعي القادم وخاصة حركة فتح وهو ما يجعلها غير قادرة على الحسم في الانتخابات التشريعية المقبلة علاوة عن المعضلة الكبرى والتي تدور حولها معركة شرسة تتمثل في القرار الاستراتيجي لكل القوة المشاركة بان لا انتخابات فلسطينية دون القدس وهو ما يشكل أداة تفجيرية يترصد من خلالها الكيان الصهيوني الى تفجير وتأجيل او الغاء تلك الانتخابات خاصة ما ابرزته الانتخابات الصهيونية الكبيرة من توجهات يمينية وقد تؤدي الى اختلاف يميني موسع تحكمه برامج اكثر الحركات الصهيونية تطرفا وهذا يتطلب للضرورة توافقا بين كل الفصائل الفلسطينية وخطة عمل موحد من اجل خوض معركة انتخابات القدس بالكل الفلسطيني بغض النظر عن الخلافات الداخلية التي سجلتها القوائم الانتخابية في اكبر فصائل منظمة التحرير وخاصة في حركة فتح..
عن ” الرأي” الأردنية