بقلم: راسم عبيدات
نعم غزة نجحت في ابتلاع نتنياهو ،وجيش نتنياهو، الذي حشده على قطاع غزة وطائراته ومدفعيته التي قصفت على مدار 11 يوماً المباني المدنية ودفنت الأطفال تحتها أحياء، مدمرة الأبراج السكنية ومقرات وسائل الإعلام ومقرات الأمم المتحدة والبنى التحتية والطرق وشبكات المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء.
لم ينجح في تحقيق أي هدف من أهداف هذه الحرب التدميرية، نتنياهو الباحث عن وهم نصر في قطاع غزة ينقذ مستقبلية السياسي والشخصي إستنفذ بنك اهدافه، في حرب عدوانية تصعيدية تدميرية أرادها،ان تسهم في زيادة حظوظه في ان يتبجح بالقول لمجتمعه أنا ملك اسرائيل الذي يجلب لكم كل شيء، الأمن والرفاه الاقتصادي ولقاح جائحة ” كورونا” وتدمير قوى المقاومة وإحضار رؤوس قادتها الكبار لكم على طبق من ذهب، وإنهاء اسطورة محمد الضيف، وتدمير الأنفاق الهجومية والدفاعية، وقطع خطوط انتاج المقاومة من الصواريخ ، ووقف اطلاقها نحو مغتصبات محيط غزة وعلى عمق دولة الكيان.
نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق نار بدون شروط متزامن ومتبادل وبدون اتفاق مكتوب وتفاهمات،كثف من قصفه وغاراته على القطاع لعله ينجح في اصطياد عدد من قادة المقاومة تمنحه ما يمكن ان يسوقه لمجتمعه الصهيوني واحزاب دولته على أنه نصر، نتنياهو المثخن بالجراح والمترنح كالثور الهائج لم يبلغ مبتغاه،بل ان ا لمقاومة حققت نصر مستحق على جيشه ودولته وعلى لسان القائد ابو عبيدة،قال زيادة وإمعاناً في التهشيم السياسي والعسكري لنتنياهو ولجيشه بأنها كانت تعد لضربة صاروخية تطال كل مساحة جغرافيا فلسطين التاريخية،معيدة توحيد هذا الشعب ومؤكدة على نظرية دفاعية طورتها بأن الكل الفلسطيني يدافع عن الكل ، والجزء يدافع عن الكل ، والكل يدافع عن الجزء.
نعم دولة الاحتلال خرجت مهشمة على الصعيدين العسكري والسياسي، غزة المحاصرة والتي لا تزيد مساحتها عن 150ميلاً مربعاً، ليست روسيا الممتدة من أقصى اسيا الى اقصى غرب اوروبا، وليست قارة كالصين، ولكنها رغم كل الحصار والتجويع من قبل الأعداء قبل من يسمون انفسهم بأبناء الجلدة، هزمت ما ظل “بعبعا” يخيف عرب النظام الرسمي العربي، المعانين من ” الارتعاش” السياسي والدونية في التعامل مع العدو والشيطان الأمريكي، هزمت غزة ما يسمى بالجيش الذي لا يقهر، وغاص زعيمه المتغطرس والمتبجح نتنياهو في رمال غزة ووحولها ، وأظنه قد انتحر سياسياً وشخصياً على بوابات قطاع غزة وصمود اهلها ونصر مقاومتها ويتجه نحو الإدانة بالتهم المنظورة ضده امام القضاء الصهيوني الرشوة والخداع وخيانة الأمانة ليدخل السجن لسنوات كما هو سلفه اولمرت.
نعم انتصر ” سيف القدس” على “حارس الأسوار” بالنقاط، فهذه المرة الأولى التي تبادر فيها المقاومة للحرب نصرة للقدس والأقصى والشيخ جراح عنوان المعركة، معلنة عن ربط وحدة المصير والمسار ما بين القدس وغزة، ومكتسبة لشرعيتها كعنوان للنضال الفلسطيني، حيث عملت الفصائل عبر غرفة عمليات مشتركة، وفق خطة واحدة وكلمة واحدة ، وحدها الدم والمصير والهدف،فهي مقاومة عملت من اجل فلسطين، وليس من اجل خدمة اجندات لهذا الفصيل أو ذاك، مقاومة جاءت لكي تترجم نظرياتها وشعاراتها الى فعل في أرض الواقع بأن كلفة المقاومة أقل من كلفة الهزيمة، ولتحدث حالة ردع وتوازن رعب مع المحتل، ولتقول بأن زمن النكبات والهزائم قد ولى، وها هي صواريخ المقاومة التي كان اصحاب الإرتعاشية الإنهزامية يتهكمون عليها ويسمونها بالعبثية او بالمواسير، تحدث تعديلاً في ميزان القوى مع المحتل، تراكم المزيد من الإنجازات والانتصارات على طريق التحرير والحرية ، فنحن نعرف جيداً بأننا لن ننتصر على عدو يمتلك أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة في جولة واحدة او هبة او انتفاضة، ولكن هذا تركيم وتزخيم على درجة كبيرة من الأهمية، فلأول مرة نشهد ان هناك تحول مفصلي في الصراع التاريخي مع المحتل، وهذه المعركة في القدس وغزة والداخل الفلسطيني -48 – والضفة الغربية مفاعيلها وتداعياتها ونتائحها، ستكون اهم من أي معركة خاضها الفلسطينيون والعرب مع الاحتلال لسنوات طويلة، هذه المعركة تحمل أبعاداً استراتيجية وتحولات أساسية في مجرى الصراع التاريخي مع المحتل.
مع توقف الحرب العدوانية ودخول الهدنة حيز التنفيذ، رأينا سهام النقد تنصب على رأس نتنياهو من قبل قادة الأحزاب الإسرائيلية المناوئة له من اليمين واليمين المتطرف وحتى من داخل حزبه “الليكود” بأنه قاد دولة الاحتلال الى كارثة في هذه الحرب التصعيدية على قطاع غزة خدمة لأهدافه السياسية والحزبية والشخصية، وبأن وقف إطلاق النار بدون شروط حسب تصريحات وردت على لسان العديد من أعضاء وقادة الأحزاب الإسرائيلية – اييليت شاكيد، ” يمينا”، جدعون ساغر ،” الأمل الجديد”، بن غفير، ” الصهيونية الدينية” وافي معوز،” نوعم”،- بأن هذا الوقف خطأ جسيم ومس خطير بقوة الردع الصهيونية وبصقة في وجه سكان مستوطنات محيط غزة، ويضع مصيرها تحت رحمة صواريخ حماس وعار على دولة الإحتلال.
نعم هذه الحرب العدوانية التدميرية هشمت كيان الاحتلال عسكريا وسياسياً، فصواريخ المقاومة استمرت بالتساقط على مغتصبات غلاف غزة وعمق دولة الإحتلال حتى آخر لحظة قبيل وقف إطلاق النار بنفس الوتيرة وحتى بوتائر اعلى والقبة الحديدية فخر الصناعات العسكرية الإسرائيلية وذات التكنولوجيا المعقدة والثمن الباهظ فشلت في اعتراض الكثير من صواريخ المقاومة، هذه القبة الحديدية التي بعد سقوط الصاروخ المنطلق من سوريا في محيط منشاة “ديمونه” النووية في النقب دون أن تنجح في اعتراضه، ثبت بأنها تعاني من خلل استراتيجي متكرر وليس تقنيا، ولذلك الشريك المباشر للعدو في العدوان على شعبنا بايدن قال بان أمريكا ستواصل العمل مع دولة الاحتلال على تطوير القبة الحديدية لصد صواريخ المقاومة.
في حين الخيار البري الذي لوح به قادة دولة الاحتلال، نتنياهو وغانتس وكوخافي، لم يجرؤوا على وضعه موضع التنفيذ، فهم يدركون جيداً بان اقتحاماً برياً للقطاع يعني بأن غزة ستكون مقبرة لجنودهم ومعداتهم من ناقلات جند ومدرعات ودبابات،وستكون غزة ” ستالينغراد” صغرى.
أما على صعيد التهشيم السياسي، فالإحتلال فقد جزءا كبيرا من صورته الخارجية، فالجماهير المليونية العربية التي خرجت لنصرة فلسطين وشعبها ومقاومتها أظهرت اتفاقيات ” ابراهام” التطبيعية التي تباهى بها نتنياهو بأنها هشة ومعزولة وهامشية كهامشية حلفائه.والإستنهاض لم يكن عرباً واسلامياً فقط، بل على الصعيد العالمي شاهدنا التعاطف الدولي الكبير مع شعبنا وقضيتنا حتى في عقر دول الظلم والطغيان والاستكبار العالمي، امريكا والمانيا وبريطانيا وفرنسا، حيث خرجت مئات المظاهرات والمسيرات المنددة بالعدوان على شعبنا والمطالبة بوقف العدوان على أطفال غزة ،وفي ذروة هذا الإستنهاض العالمي والعربي لسالح قضيتنا، كانت المقاومة تحقق وحدة شعبنا على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية من بحرها لنهرها متشابكة ومتوحدة مع مخيمات اللجوء وفلسطيني الشتات.
هذه الوحدة تسقط خيار عودة أصحاب مدرسة أوسلو الكارثية و” التفاوض من أجل التفاوض” الى خيارهم ونهجهم التفاوضي المتجاهل لمصير أراضي الداخل الفلسطيني – 48 – وحق العودة ومصير القدس،وفي قرار وقف إطلاق النار لم تنجح أمريكا مستعينة بشركائها من دول النظام الرسمي العربي بحصر التفاوض على قضايا تخص قطاع غزة،دون ربط ذلك بقضية القدس والأقصى والشيخ جراح عنوان هذه المعركة، تحت ذريعة ان ذلك يشكل انتحاراً سياسياً لنتنياهو الذي التزم للمستوطنين بعدم تقديم أي تنازلات تخص مستقبل القدس.
المقاومة واضح بانها دفنت الخيار التفاوضي وحمت وحدة شعبنا …ومشاهد احتفالات النصر في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48 – وقطاع غزة هي استفتاء نتائجه تقول بأن ” سيف القدس” الذي استله كل أهل فلسطين من غمده حقق نصراً بالنقاط على ” حارس الأسوار” يراكم لإنجازات وانتصارات قادمة على طريق دحر الاحتلال.