بقلم: نبيل عمرو
بعد زوال كابوس ترامب عن صدر الفلسطينيين والامريكيين والعالم، ذهبت الرسمية الفلسطينية بعيدا في التفاؤل بأن عهداً جديدا في العلاقة مع أمريكا لا بد وأن يبدأ، ولقد شجع على ذلك أن حملة بايدن تحدثت مع فلسطينيي وعرب أمريكا الناخبين بشيء كهذا.
ولقد أصيبت الرسمية الفلسطينية بخيبة أمل كادت تطيح بالتوقعات المتفائلة، خاصة حين تحدث بايدن مع كل زعماء العالم تقريبا دون ان يتحدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحيث ظل الهاتف المأمول صامتا على نحو ملفت.
ولقد حدثت تطورات لا دخل للرسمية بها او على الأقل ليست هي محركها الأساس ما أشعل النار في القدس أولا ثم في غزة ثم في إسرائيل ثم في العالم كله، فكان ان وصل مبعوث أمريكي مهما قيل انه يجسد مستوى لا يرقى الى المستويات التي كانت تأتي أيام شهر العسل الفلسطيني الأمريكي، وكذلك رنّ الهاتف المنتظر وتحدث الرئيس بايدن مع الرئيس عباس، ما أعاد التفاؤل الذي كاد ان يتبخر الى النفوس والحسابات، ولو لمجرد الرغبة في ذلك، وها نحن ننتظر وزير الخارجية الأمريكي الجديد بلينكن، الذي سيدشن علاقة على اعلى مستوى مع الفلسطينيين، بعد مقاطعة ترامبية طويلة الأمد.
لماذا جاء بلينكن وماذا سيُسمع ويسمع؟ واولا في محطته الإسرائيلية، سيتحدث عن بديهية يعرفها مستقبلوه وهي أهمية الحفاظ على وقف اطلاق النار مع غزة، وقبل ذلك سيتلو المسلمات الامريكية تجاه امن إسرائيل وتفوقها وحقها في الدفاع عن نفسها، مع تطمينات بعدم الضغط على إسرائيل فيما لا تحب وترضى وخصوصا في مجال التسوية مع الفلسطينيين، وسيتوجه بنصائح صديق لصديق بتوخي الحذر في مستوى القسوة والافراط في استخدام القوة تجاه غزة، والحذر من رفع وتيرة الاستفزاز في الضفة والقدس تحديداً، مترجما بذلك تحذير الرئيس بايدن لنتنياهو بأن الحرب الأخيرة على غزة وحصيلتها الأولية أطفال ونساء وابرياء قتلوا على مرأى ومسمع العالم أضرّت كثيراً بتلقائية الدعم والتبني الأمريكي لكل ما كانت تفعل إسرائيل في السابق.
هذا ما سيُسمعُ اما ما سيسمع فهو … ان اسرئيل لم تحارب الفلسطينيين في غزة والقدس، بل حاربت ايران وسيقدم نتنياهو قطع الطائرة الإيرانية المسيرة التي قال ان القبة الحديدة اسقطتها، والتي عرضت من قبل على وزير خارجية المانيا وسيقول كذلك اننا في إسرائيل وبين يدي زيارتك قدمنا مبادرات هامة لغزة وحتى للضفة، سهلنا المرور عبر معبر الجلمة في الضفة لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وفتحنا معبر كرم أبو سالم لنقل البضائع الإسرائيلية الى غزة مع تأجيل نقل صادرات غزة الى إسرائيل ووسعنا مساحة الصيد البحري بستة اميال، وسنستقبل مرضى غزيين مشرفين على الموت لمعالجتهم في مستشفياتنا، فماذا تريدون منا اكثر من ذلك؟
بعد ان يسمع هذا الكلام الذي سيعتبره طيبا ويستحق الثناء عليه، سيقطع المسافة القصيرة بين القدس ورام الله، والتي هي في امر السلام أطول مسافة بين نقطتين في العالم، وحين يصل الى المقاطعة ويلتقي بالرئيس ومساعديه سوف يسمع حرفيا ما سمعه اسلافه من زوار المقاطعة على المستوى الرئاسي والوزاري والمبعوثين، وسوف يقال له اننا ملتزمون بالسلام واننا ما زلنا عند موقفنا بأن بديل المفاوضات هو المزيد منها، مع التقيد بمرجعياتها الدولية ورغم الضغوطات الهائلة التي تعرضنا لها اثناء احداث القدس وحرب غزة الا اننا لم نستجب للدعوات الضاغطة بإلغاء التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل وإلغاء أوسلو، هكذا كانت المطالب على وهج الحرب وحتى من اقرب حلفائنا في منظمة التحرير، الا نستحق يا سيد بلينكن بعد ذلك كله ان يُستمع الينا وان نكافأ بإحياء عملية سلام حقيقية سواء عن طريقكم او عن طريق الرباعية الدولية او عن طريق مؤتمر دولي أوسع مثلما حدث في انابوليس؟ اننا يا معالي الوزير لا نطلب مستحيلا ولكننا بكل اسف نرى حكومة إسرائيلية جعلت من ابسط الممكن اصعب المستحيل.
بعد هذه المرافعة الحارة والمفترض ان تكون مؤثرة سيقول.. انتم وما تلتزمون به ” على العين والراس” فأنا هنا لدعم شرعيتكم وتجديد العمل معكم، تفهموا بطء وتيرة إعادة العلاقات كما كان الامر عليه قبل ترامب ذلك ليس لاسباب سياسية وانما بفعل تعقيدات قانونية واجرائية، وسوف يعد دون التزام بمواصلة الحديث عن حل الدولتين مع تأجيل العمل المباشر لتحقيقه، وسيزف بشرى جديدة طالما طالب الفلسطينيون بها وهي موافقة أمريكا مبدئيا على توسيع دائرة واطراف المشاركة الإقليمية والدولية في أي جهد نحو التسوية، بما في ذلك تنشيط الرباعية الدولية وقد يقال شيئا عن المبادرة العربية للسلام.
الامريكيون دائما وفي كل زياراتهم لنا كانوا يحبون تناول الطعام عندنا والمبيت في إسرائيل، لا اعرف هل سيحظى الزائر المهم بغداء عمل على المائدة الفلسطينية المتقنة، ام ان وقته لن يسمح بذلك فهنالك في عمان والقاهرة من ينتظرونه.
في العاصمتين الأقرب كحبل الوريد للحالة الفلسطينية، لن يجد جديدا يقوله كما لن يكتشف جديدا فيما سيستمع اليه، فالخطوط مفتوحة على مصاريعها بين الملك المثابر والنشط في عمان، والرئيس الذي يحظى بدعم غير مسبوق من جانب أمريكا فيما يتعلق بغزة والرهان على ان يمتد لغيرها.
وحين يصر المضيفون هناك على فتح مسار سياسي جديد او متجدد لحل القضية الفلسطينية باجمالها وليس غزة وحدها فسوف يهز رأسه موافقا على ما يسمع الا انه سيقول أخيرا ان رقصة التانغو تحتاج الى اثنين، الجزء الإسرائيلي منها لم يحسم بعد وانتم ترون الصراع المحتدم على تشكيل الحكومة هناك..
دعونا اذا ننتظر من سنحصل عليه كرئيس للوزراء وراقص في التانغو الذي ما يزال في غير وقته.