بقلم: سهيل كيوان
في خطاب هزيمته المتوتِّر، بعد تشكيل حكومة بينت- لبيد، صَبّ بيبي نتنياهو الكثير من غضبه على الرئيس الأميركي، جو بايدن، بصورة غير مباشرة، وذلك عندما هاجم فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة بين عامَي 1932-1945، واتّهمه بالتردُّد في إنقاذ ملايين اليهود من المحرقة، وزعم نتنياهو بأن هناك من كان يرجو الرئيس الأميركي بأن يتدخل ويقصف قطارات الموت التي نقلت اليهود إلى معسكرات التركيز في بولندا وألمانيا، وأن يقصف غرف الغاز، ولكنه بقي لا مباليا، “وهذا سبّب مصرع ملايين من أبناء شعبنا”، كما قال بيبي نتنياهو!
لن ندخل في تحليلات عسكرية، ولا في صحة هذه المزاعم او عدمها، حتى لو دُمِّرت القطارات والسجون؛ فهل هذا كان سيمنع المحرقة؟
نتنياهو لمَّح بهذا إلى أن عدم موافقة الرئيس الأميركيّ الحالي، جو بايدن على شنِّ حرب لتدمير مفاعلات إيران النووية، سوف يؤدي إلى كارثة للشعب اليهودي، وأنه لن يقبل بأن يبقى متفرِّجًا إزاء ذلك، وقال إن نفتالي بينت عاجزٌ عن هذه المهمة، لعدم قدرته على مواجهة ضغوط الرئيس الأميركي، فهذا يحتاج إلى قائد قادر على المواجهة، حتى مع صديقة مثل الولايات المتحدّة، وعمليا فهو يتوعد إيران بحرب في حال تمكُّنه من العودة ليكون صاحب القرار.
أراد نتنياهو أن يقول لجو بايدن إنه مسؤول عن كارثة مستقبلية محدقة بإسرائيل، في حال أنتجت إيران قنبلتها النووية، وهي محاولة للتنصل من مسؤوليته الشخصية عن التَّسبب في تحرير إيران من الاتفاق النووي مع الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وهو الاتفاق الذي حققته إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما عام 2015، وكان الاتفاق قد وضع برنامج إيران النووي تحت المراقبة، وحدَّ من تخصيب اليورانيوم مقابل تسهيلات ورفع عقوبات اقتصادية، وهي اتفاقية كان المفروض أن تسري حتى عام 2025 حيث تُستأنف المفاوضات مرة أخرى.
إلا أن انسحاب ترامب من الاتفاق عام 2018، بهدف تشديد الخناق على إيران، فعَل العكس، فقد أطلق يد إيران، وحرَّرها تمامًا من أي رقابة.
وهذا ليس ما أراده نتنياهو الذي كان يفخر بأن انسحاب ترامب واحد من إنجازاته الكبيرة، فما أراده هو الحرب على إيران بقيادة أميركا، ولكن إيران نجحت في تجنّب المواجهة الواسعة مع أميركا خلال مرحلة حكم ترامب، وفي الوقت ذاته، سارعت واقتربت أكثر من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المُخْصَّب لصناعة قنبلة نووية.
حديث نتنياهو عن موقف أميركا المتخاذل في الحرب العالمية الثانية، محاولة للتنصل من المسؤولية في فشل سياسة ترامب تجاه إيران التي دفعه بيبي نتنياهو إليها.
استغل نتنياهو صعود نجم ترامب إلى السلطة لتحقيق التطبيع مع عدة دول عربية، وإقامة تحالفات إقليمية بحجة الخطر النووي الإيراني المشترك ومحاربة الإرهاب، الذي يُقصد منه محاربة كل نوع من المقاومة للاحتلال بكل أشكالها، وفي عهده نُقلت السفارة الأميركية إلى القدس، وطمح نتنياهو إلى تدمير مفاعلات إيران النووية، إلا أن فشل دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الثانية حال دون تحقيق هذا الهدف، أما فشله هو في تشكيل حكومة، فيعني أنه لن يستطيع اتخاذ قرار بالحرب على إيران.
الضغط باتجاه مهاجمة إيران عسكريًا تفاقم في الأشهر الأخيرة من حكم نتنياهو، فقد أرادها ورقة انتخابية رابحة، ولكن لجو بايدن رأيٌ مختلف، ويعتقد أن مصلحة إسرائيل والمنطقة والعالم هي بعدم التسرّع في شن حرب على إيران قد تكون نتائجها كارثية، فقد تستوعب إيران الضربات الأولى، وتُنتج القنبلة النووية الإيرانية، وحينئذ ستكون المنطقة ومصالح أميركا فيها على “كف عفريت”، ولهذا يُفضّلُ الدبلوماسية والعودة إلى اتفاق 2015 مع بعض التعديلات.
فشِل نتنياهو فهاجم روزفلت وحمَّل جون بايدن المسؤولية إذا ما تمكنت إيران من إنتاج القنبلة، متهرِّبا من مسؤوليَّته.
أقوال بيبي نتنياهو صفعة ونكران للجميل بعد كل ما قدَّمته وتقدِّمه أميركا لإسرائيل من دعم عسكري ومادي ودبلوماسي معروف على حساب العرب والفلسطينيين.
نتنياهو سجل هدفًا ذاتيًا في شباكه لصالح إيران، وهذا ليس سوء تقدير فقط لما قد تفعله العربدة والاستقواء، بل هو أيضا نتيجة لرغبته في البقاء المؤبّد في السُّلطة، الذي كان سيمنحه مساحة أكبر للتملص من محاكمته التي بدأت بتهم الفساد وخيانة الأمانة.
عن “عرب ٤٨”