بقلم: د. عبد الله أبو عيد
شهد العالم خلال العقد الأخير تطورات خطيرة تتعلّق بتغيرات كبيرة وشديدة الأثر على البيئة والمناخ في غالبية أرجاء الكرة الأرضية، وقد تمثل ذلك في عدة ظواهر بدءاً من الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة في معظم الدول، مما أدى إلى ذوبان بعض الجبال الجليدية، خاصة في منطقة القطب الشمالي، وما نتج عنه من ارتفاع في منسوب مياه المحيطات والبحار، إلى درجة تهديد بعض المدن الساحلية وبعض الدول بالغرق بعد مدة من الزمن، كما يتوقع بعض علماء المناخ.
كذلك نشأ عن هذا الارتفاع المتصاعد في درجات الحرارة حدوث حرائق كثيرة وواسعة الانتشار في عدة دول ومناطق مثل: أستراليا، وكاليفورنيا، وتركيا، واليونان والجزائر ولبنان وغيرها.
أما بالنسبة للفيضانات وبخاصة تلك التي حدثت خلال الشهور الماضية، فقد كانت شديدة الخطورة وأغرقت أجزاء من مدن وقرى في أكثر من دولة كما حدث في بلجيكا وألمانيا وتركيا واليابان والولايات المتحدة خلال هذا الصيف.
أسباب هذه التغيرات الخطيرة:
ينسب عدد من الخبراء كافة هذه الظواهر الخطيرة إلى تدهور أوضاع الهواء والطقس نتيجة لازدياد الدخان الكثيف المتصاعد من المصانع الكبرى، وبخاصة في بعض الدول الصناعية الرئيسية مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، إذ أنّ بعض هذه الدول، وخاصة الولايات المتحدة والصين تتسبب في حوالي (50%) من الملوثات المنبعثة في السماء من المصانع الضخمة العملاقة مثل مصانع الحديد والصلب والأسلحة المتطورة والإسمنت والسيارات وغيرها. ويذكر هؤلاء الخبراء بأن هذه الكميات الهائلة من الدخان والملوثات المنبعثة عن المصانع الكبيرة تصعد إلى أعلى في السّماء وتنتشر إلى مسافات واسعة وتتسبب في زيادة اتساع ثقب الأوزون، مما يؤدي إلى ارتفاع متصاعد في درجات الحرارة في مناطق عديدة على الأرض وينشأ عنه تغييرات وتقلبات مناخية تؤثر على الرياح والأمطار وتنتقل بسرعة من إقليم إلى آخر.
لهذه الأسباب، بدأ المجتمع الدولي، منذ عدة عقود في عقد المؤتمرات ذات العلاقة وإصدار قرارات وتوصيات تطورت إلى عقد عدة اتفاقيات دولية تتعلق بالمناخ وبمسؤولية غالبية الدول في حفظ المناخ والبيئة لمنع تدهور الحياة على الأرض وأهم هذه الإعلانات والاتفاقيات هي:
1- إعلان هلسنكي الصادر عام (1989) المتعلق بحماية ثقب الأوزون، وما تم عليه من تعديلات وإضافات.
2- بروتوكول مونتريال الصادر عام (1990) والمتعلق بالمواد الضارة بثقب الأوزون.
3- اتفاقية كيوتو (في اليابان) لحماية المناخ الصادرة في عام (1997).
4- اتفاقية باريس لحماية المناخ الصادرة في عام (2012).
المسؤولية عن حماية البيئة:
لا شك في أن حماية البيئة مترابطة ومشتركة لكافة دول العالم، لأنّه لا يوجد حدود لمخاطر وأضرار البيئة التي يصعب على دولة واحدة السيطرة عليها لوحدها. لذلك فإنّ مسؤولية حماية البيئة تعتبر مسؤولية جماعية لكافة دول العالم. إلاّ أنّه من الصواب القول بأنّ مسؤولية الدول تتناسب مع حجمها وقدرتها وما تتسبب به من أضرار للبيئة، فلا يمكننا القول بأنّ مسؤولية دولة قبرص أو مالطة تتساوى مع مسؤولية الولايات المتحدة أو الصين.
وهنا لا بد بأن نؤكد بأن الدول الصناعية الكبرى المشار إليها أعلاه، تتحمل المسؤولية الأكبر في حماية البيئة، إذ أنّها تتسبّب بالضرر الأكبر بسبب ضخامة واتّساع مصانعها المتعلّقة بالصناعات الكبيرة المذكورة أعلاه وما ينتج عنها من انبعاثات هائلة تتراكم وتنتشر لتتسبب بالأضرار الخطيرة للبيئة في أنحاء العالم.
ومن الجدير ذكره بأن الولايات المتّحدة بعد مشاركتها في اتفاقية كيوتو للمناخ عام (1997)، رفضت التصديق عليها من قبل الكونغرس، الأمر الذي جعلها غير ملتزمة بنصوصها وذلك زمن إدارة الرئيس بيل كلينتون.
أما بالنسبة لاتفاقية باريس للمناخ فقد شاركت الولايات المتحدة في إعدادها وصياغتها والتوقيع عليها، إلاّ أنّ الرئيس دونالد ترامب انسحب منها بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
لهذه الأسباب فإنّنا نرى أن مسؤولية غالبية الدول الصناعية الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة والصين، تعتبر رئيسية في حماية البيئة والمناخ.
على الرغم من ذلك فإنّ هاتين الدولتين لا تلتزمان بمسؤوليتها الكبيرة في حماية البيئة، فالولايات المتحدة تنصلت من التزاماتها القانونية في الاتفاقيتين الدوليتين المذكورتين أعلاه، كما وأن الصّين ترفض الالتزام بالمعايير الدولية اللازمة لمنع الانبعاثات الكبيرة ولمحاولة التقليل منها ومن آثارها.
ما الحل:
الكثير من السياسيين والخبراء يعتقدون بأنّ التغييرات السلبية المتعددة على المناخ الدولي تعتبر أخطر من الكثير من الأوبئة التي اجتاحت العالم وخاصة على المدى المستقبلي.
لذلك فإنّني اقترح بأنّه على كافة الدول، وبخاصة الدول الكبرى والصناعية الغنية، أن تتعاون على النّطاق الدولي، ومن خلال منظمة الأمم المتحددة من اجل الصالح العام للمجتمع الدولي، وذلك يمكن تحقيقه بأفضل طريقة باتباع الإجراءات التالية:
1- أن تقوم كافة الدول بتنفيذ التزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي وخاصة تلك الواردة في معاهدات دولية ملزمة لها. ولا شك في أنّ مسؤولية الدول الصناعية الكبرى تعتبر أكبر من مسؤولية الدول الصغيرة.
2- تقوية المنظمات الدولية المتخصصة لكي تصبح لها كافة عناصر القوة الضاغطة على الدول الرئيسية، عن طريق الرأي العام المحلي والدولي، بهدف قيام كل من هذه الدول بتنفيذ التزاماتها القانونية.
3- تأسيس صندوق للإنفاق على الأضرار الناشئة عما تسببه الكوارث البيئية للدول جميعها، صغيرها وكبيرها. وتتشكل ميزانية هذا الصندوق من اشتراكات كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بنفس نسب مشاركتها في ميزانية الأمم المتحدة مع تشكيل لجنة للإشراف على الصندوق يتم انتخابها من الجمعية العامة للمنظمة الدولية، وتتبع هذه اللجنة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.