أهم جملة جاءت على لسان الشيخ خالد الجندي، خلال حواره الأخير على قناة العربية، وضمن برنامج ‘الحدث المصري’ كانت تلك العبارة التي رد بها على أحد المواطنين حين استهزأ من دروس الدين، وشمت بالأمة الاسلامية التي لم تفلح أن تجاري أمريكا ‘اللي طلعت القمر’. جيث قال الشيخ بما معناه أنهم وأمريكا معا أفضل منه، لأنه لا استفاد من دروس الدين ولا طلع القمر! بالضبط هذا هو مربط الفرس الذي سأتكئ عليه اليوم في عرض ‘فوضى الفتاوى’، وهو عنوان اقتبسته من حلقة الحدث المصري الأخيرة، والتي يقدمها الاعلامي المصري محمود الورواري.
الأمة بقت ساكالانس!
ولأن الموضوع موضوع فتاوى مثير جدا للجدل، فسأضطر غير باغية ولا عادية، على مجرد عرض آخر الفتاوى التي أتحفتنا بها شاشات الفضائيات الدينية، التي يتجاوز عددها المئات من شتى أقطاب العالم الإسلامي. خذوا عندكم مثلا يا كرام آخر الاختراعات الفقهية، والتي جاءت على لسان أحد المشايخ الذين استضافتهم مؤخرا قناة الحافظ المصرية، في برنامج ‘في الميزان’. ففي معرض تفسيره وتبريره للمساعدات التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة، أفتى الشيخ بوجوب تلقي الأموال الأمريكية، باعتبارها جزية تدفعها أميركا مقابل ‘أن نتركها بحالها’ ! تمر من قناة السويس، وتعثو بالأرض فسادا وتمارس هوايتها بتدمير البلد وتدمير الأمة !!!!!!!
وقبلها فتوى إهدار دم جماعة جبهة الإنقاذ المصرية، والتي جاءت على لسان بل بحنجرة الداعية محمود شعبان، لأنهم يخالفونه ويخالفون جماعته … سياسيا! ما اضطر الشيح محمود الجندي إلى اللجوء لتعبير محلي وسنيمائي مصري بحت، حين قال : الأمة بقت ساكالانس! هذا مع حفلات فتاوى جهاد النكاح السياسية بالكامل، والتي من الواضح ‘أتمنى أن يكون واضحا’ أنها سلاح فتاك يضرب عمق الثورة، ويسيئ إلى شكلها وشخوصها ومؤيديها. إلى جانب فتوى عدم جواز جلوس المرأة على الكرسي، حتى لا يجالسها الجن . وفتوى منع اختلاء الأب مع ابنته في مكان مغلق، حتى لا يغويهما الشيطان .. يا الله ماذا يفعل هؤلاء بعقولنا ؟ يا الله ماذا يصنعون بنظافة سريرتنا؟ يا الله ماذا يدمرون في بنية أخلاقنا؟ هكذا رد أحد المعلقين على موضوع فوضى الفتاوى، عبر راديو BBC .
كيف تحول الغائط إلى طبق مامونية؟
طبعا عشرات بل مئات الفتاوى التي يمكن عرضها، بالاستناد إلى مصادرها التلفزيونية والإذاعية. ولكن الأمر تعدى فكرة الفتوى وسيرك الصراعات الطائفية والسياسية. تعدى إلى حلقات السرد والتفسير والتحكيم والتمثيل. حلقات مثل تلك التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لأحد المشايخ وهو محاط بمريديه المغيبين تماما عن الواقع، يشرح لهم كيف بنيت الاهرامات، بطريقة سرد لا تحترم العقل ولا الذكاء ولا المنطق ولا العلم ولا التاريخ، ناهيك طبعا عن الدين . وآخر كنت أنوي الترفع حتى عن ذكره، ولكن وقعة السقوط لا تخلو من الاهتزاز الارتدادي. انه ‘أحدهم’ الذي تحول غائط المشايخ إلى طبق ‘مامونية’ تأكلها إحدى المؤمنات الحوامل المتوحمات على حلوى غالية الثمن، وذلك حسب روايته التي أقل ما يقال عنها إنها مضللة وممعنة في الاساءة والسخرية والخبث الممنهج، إلى درجة استغباء خلق الله، بقصة لا تقدم في السيرة الاسلامية والعقيدة، بل تقصد أن تؤخرها وتسود صورتها وتدمر بنيتها التحتية، فتحول المشاهدين إما إلى مجموعة من ‘المهابيل’ المنساقين بكامل غيبوبتهم، خلف راع سيوديهم إلى هاوية الضلال . أو إلى مجموعة من المندهشين ‘القرفانين’ المتدحرجين بكامل شكهم، إلى هاوية الخيبة !
does baclofen get you high. شفت الساسبنس يا مولانا؟!
‘إن أردت أن تكون شيخا يا مولانا عليك أن تكون شيخهم’!
هكذا لخصت رواية مولانا للكاتب والاعلامي المصري ابراهيم عيسى، حال مشايخ الفضائيات الذين انتشروا كما النار في الهشيم، في العشر سنوات الفائتة. والرواية التي كنت قد أشرت إليها في معرض مقالي السابق، كانت مرشحة لنيل جائزة البوكر، وحظيت باهتمام اعلامي واسع، خاصة بعد تداول الأنباء حول الاعداد لانتاجها دراميا، في مسلسل يعرض على قناة الحياة والنهار حصريا في شهر رمضان القادم. ولكن يبدو أن عثرات في الانتاج والرخصة الأزهرية ستؤخر انتاج هذا العمل الضخم، والذي كان قد اعتذر عنه الفنان أحمد عز بسبب تخوفه من ردود أفعال محسوبة لبعض الجماعات الاسلامية في مصر، والعالم العربي.
وفي الرواية يقتطع ابراهيم عيسى هذا المشهد، ليضعه على الغلاف الخلفي:
‘أدرك أنور أن هذه لحظة ذروة، خصوصًا مع إلحاح المخرج من غرفة التحكم في همس يملأ السماعة المدسوسة في طبلة أذنه يطالبه: اصل يا أنور، الإعلانات تنزل هنا. والكل سخن يريد سماع الإجابة. حين خرج أنور بالحلقة إلى فاصل صاح الشيخ حاتم: – يا ولاد العفريتة تعملوها في الناس، فيه دلوقتِ ثلاثة أربعة مليون بيتفرجوا حيموتوا عايزين يعرفوا إيه حكاية زوجة جاره دي..
سمع صوت المخرج صارخًا بالفخر: شفت ‘الساسبنس′ يا مولانا؟’
المسلسل الذي لا يعرف مصيره حتى اللحظة، وأعتقد أن الوقت بات متأخرا على انتاجه، يكشف العالم الخفي لشيوخ الفضائيات، والعلاقات التي تربطهم برجال السياسة والمخابرات، وتداخل مصالحهم مع رجال الأعمال وأصحاب الفضائيات.
وفي اللقاء الأخير للكاتب مع الاعلامية منى الشاذلي، عبر برنامج ‘جملة مفيدة’ الذي تعرضه MBC مصر، واجهته الشاذلي بمجموعة من الأسئلة التي تظهر جدلية روايته الجريئة جدا. فرد عليها عيسى واثقا بأن ‘حاتم الشناوي’ وهو بطل الرواية، يشبه العشرات من شيوخ الفضائيات، والذي يعتقد أنه من أجل أن ينجح في عمله كشيخ فضائيات عليه أولا أن يرضي المنتج ثم ال’السبونسر’ ثم المخرج ثم الجمهور . وإن استطاع أن ‘يرضي ربنا بعد ده كله يبقى كويس′!
الحلقة كشفت عن خطورة الاعلام الديني المقدم من قبل تلك الفضائيات، على شكل ما يطلبه المشاهدون، وأن الخطورة الأكبر تكمن في كسل الشباب هذه الأيام واستسهالهم في التلقي غير القائم على القراءة والبحث، بل التزود من هؤالاء المشايخ، على اعتبار أنهم مصدقون أولا، ومسؤولون عما يفتون به ثانيا، والأهم أنهم يتحملون وحدهم ذنوب أخطائهم إن أهم تاجروا بالفتوى . وهذه الطامة الكبرى، ليس لأنها تؤكد على تغييب العقل والتفاف الحجة، بل لأنها تشير إلى مؤامرة ضمنية ما بين المسؤول والسائل، المبيح والمباح له، المانع والممنوع لأجله، ترضي جميع الأطراف، ماعدا طرف الضمير.
كاتبة من الأردن