بقلم: سامية علي
في هذه الأيام ونحن نواجه جائحة كورونا التي أصبحت أكبر بكثير من مجرد مشكلة عالمية لقطاع الرعاية الصحية، فالحقيقة البائسة التي كشفتها جائحة كوفيد-19 في العالم هي ذلك الخلل في أخلاق مجتمعاتنا، حيث أصحبت بمثابة اختبار للإنسانية. فقد أثار هذا الوباء ما هو أكبر بكثير من مشاكل تَخصُ قطاع الرعاية الصحية، حيث طال ضررها قطاعات اخرى مثل القطاع الاقتصادي والاجتماعي بسبب جشع البعض الذي أعمى بصيرتهم وجعلهم في حالة طمع فقط لزيادة أرباحهم أيا كانت الخسائر.
في أحد المتاجر الكبرى في مصر، مات أحد الباعة، وأصيب أكثر من عشرة من العاملين فيه، ومع هذا فإن مالكه رفض منح العاملين إجازة في أيام العيد، على أن يتم التصرف نحو تعقيم المكان خلال هذه الفترة.
لقد استغلوا تفشي الوباء لتحقيق مكاسب اقتصادية عن طريق الاحتكار وجمع السلع من السوق وبيعها بأسعار مرتفعة، ما أدى إلى نُدرة أدوات الوقاية الشخصية، مثل أقنعة الحماية والقفازات ومُعقم اليدين، وارتفاع الأسعار للغاية والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 5 أضعاف السعر العادي، غير عابئين بأهمية تلك الأدوات في القطاع الصحي وأنهم بطريقة أو بأخرى يساعدون على تفشٍ وانتشار أسرع للمرض، فتلك الممارسات لم تقتصر فقط على الجانب الصحي بل طالت سوق السلع الغذائية والأساسية، ولقد فعلت تلك الأزمة نظرية النجاة لمن يمتلك الكثير من المال أو من لديه القدرة على شراء السلع بكميات كبيرة من دون التفكير في غيره.
إن وجود هؤلاء الأشخاص الذين يفتقرون إلى الإنسانية وعدم الشعور بالمسؤولية كان له أثر سلبي على الاهتمام بشراء تلك المستلزمات “الضرورية” وتسببت أفعالهم الجشعة في تعرض حياة العديد من المواطنين للخطر، نظرا لعزوفهم عن شراء تلك الأدوات الضرورية للحماية الشخصية لغلو سعرها.
في النظام الاقتصادي الرأسمالي يتحدد السعر وفق آلية السوق أي العرض والطلب، ومع ذلك يجب على البائعين مراعاة الوضع الاستثنائي الذي نواجهه اليوم، ولا يجب أن يكونوا رأسماليين وانتهازيين وسط هذه الحالة الصعبة لمحاولة كسب أكبر قدر من الربح بينما يخاطر الآخرون بحياتهم يوميا في مواجهة العدوى والموت.
وفي ظل الحظر الجزئي ما زالت تداعيات ذلك الجشع تظهر جلية لكل من له عين تبصر وقلب يشعر، ومع اتجاه بعض الحكومات إلى تقليل ساعات الحظر، وربما رفعه تماما، فلابد من إجراءات صارمة من الحكومات للتقليل من احتكار السلع الاساسية وتحديد الأسعار على كافة المحال والأسواق وفرض عقوبات على كل من تسول له نفسه استغلال ذلك الوباء بأي شكل من الاشكال. فالعدوى مستمرة في الانتشار ومع توصيات منظمة الصحة العالمية الالتزام بقواعد السلامة من ارتداء قناع الحماية على الوجه وغسل الأيدي بالماء والصابون أو تعقيمها بالمعقمات الكحولية باستمرار، فإن التهديد ما زال قائما، أي إن شراء أدوات السلامة الشخصية ممتد معنا حتى يصل العلماء إلى مصل لذلك الفيروس. فيجب علينا أن نعزز الوعي الجماعي ونقويه فهو طوق النجاة الوحيد الموجود أمامنا.
بينما تستمر العدوى في الانتشار، ويصبح عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطراب الاجتماعي أكثر انتشارًا، فإن رغبة البشرية في البقاء هي أملنا الوحيد في مكافحة هذا الفيروس التاجي اللعين. إن الوباء مدمر بالفعل بما فيه الكفاية. لكن ما الذي يمكن أن يكون أسوأ عندما تغيب الإنسانية وتسود الأنانية وتموت الضمائر؟.
فكما عرف العالم أثرياء الحروب، ها هو يعرف أثرياء من نوع آخر يستفيدون من المصائب ويثرون في زمن الوباء، إنهم أثرياء كورونا.
عن “الشرق” القطرية