بقلم: بهاء رحال
ما خلفه الانفجار الضخم الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت ، أدمع القلب والوجدان، وزاد من القهر في نفس كل واحد منا على ما يجري في بلد كان النجمة الأجمل في سماء المنطقة.
لبنان الذي منذ وقت يتجرع سوء الأحوال الاقتصادية وهبوط الليرة المريب أمام الدولار، وهشاشة الدخل للفرد، وحالات الفقر والبطالة والتراجع على كافة المستويات التي تدحرجت إلى حالة شديدة من البؤس، تراه اليوم في صورة أشد بؤساً مما كان عليه، بعد الذي خلفته انفجارات الميناء التي أوقعت الخسائر البشرية والسكنية والاقتصادية، وبكت عيوننا بيروت التي أضحت قطعة من ركام تمتد على ساحل البحر.
وفي شكل غير مألوف كانت الصورة الواردة من بيروت قاتمة وحزينة والركام يملأ الطرقات، وأجساد الضحايا والبنايات التي هوت، وسقط آلاف الجرحى الذين أصابهم هذا الانفجار. انفجار يفسر حجم الفساد الحكومي الذي خرج الشعب اللبناني في الساحات والشوارع مطالباً بوقفه ومحاسبة كل فاسد، خلال الأشهر الماضية رافعين شعار” كُلن.. يعني كلن” لكن لبنان الذي يخضع لأيدي خارجية تحارب لأجل مصالحها وأطماعها، بقي على حاله، ولم تفد نداءات الشعب وعصيانه في الطرقات، بل بقيت الزمرة الفاسدة تتمدد ويتمدد معها الفساد والسرقة والنهب والواسطة والمحسوبية، بينما كان حال المواطن يضيق وتضيق معه فسحة العيش والأمل، وأطبق الفقر وسوء الحال، وتضاءلت سبل الحياة والنجاة، حتى كان الانفجار الأسود، وجاءت الصورة أشبه بمدينة وقعت عليها قنبلة نووية، وامتد الركام لمسافات ومسافات، وامتلأت الأجواء بغاز الأمونيا السام، وتناثرت أجساد الضحايا واحترقت، وكانت صرخات الجرحى تعلو لتلعن الفساد والفاسدين، في مشاهد تقشعر لها الأبدان، غارقة في الحزن والبكاء والعويل على عاصمة كلنا يحبها، ومن منا لا يحب بيروت!
بيروت خيمتنا.. بيروت نجمتنا.. بيروت شمعتنا.
الانفجار الذي قال عنه محافظ بيروت يشبه ما حدث في هيروشيما اليابانية، بفعل القنبلة النووية التي حرقت المدينة وحرقت الناس وجلبت الويلات في العام 1945. فما رأيناه بعين الكاميرا يشبه إلى حد كبير ذلك الدمار المريع، ولكن الأسف أن ما جرى لم يكن بفعل عدوان أجنبي أو خارجي، ولم يكن بفعل عمل ارهابي، ولكنه بفعل تغلغل الفساد في كافة مؤسسات الدولة اللبنانية التي وصل بها الأمر لتحتفظ بمثل هذه المواد المتفجرة على شاطئ البحر، وليس في مستودعات عسكرية، وأن لا تقوم على توفير اجراءات السلامة التي تضمن عدم اشتعالها. وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات عدة؟ حول مستقبل لبنان القادم، وسط تدهور الحال الاقتصادي، وفساد السياسيين وجائحة كورونا، وتداعيات انفجارات الأمس.
إن انفجار الأمس، قد يكون نقطة تحول في حياة اللبنانيين، هذا إذا قرر اللبنانيون ذلك، بعيداً عن أي قسمة طائفية أو سياسية أو حزبية، وفق رؤيا وطنية واضحة المعالم. كما ونتمنى أن يكون نقطة تحول في حياة المنطقة التي تعيش بعض أنظمتها ذات الفساد ولو كان بأشكال مختلفة، لعل الفاسدين في كل الدول تصحو ضمائرهم، فما تقترفه أيديهم سيؤدي إلى ما هو أكثر مما رأينا عبر الشاشات والفضائيات التي نقلت الصورة واضحة من بيروت التي في لحظة كانت مدينة تحت الركام.