بقلم: البروفيسور ألون بن مئير
بينما أنا مبتهج لفوز جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية، أشعر بالأسف على حالة الاتحاد التي تركها دونالد ترامب وراءه. للأسف، لم يكن فوز بايدن رفضًا لترامب حيث حصل على أصوات أكثر من أي مرشح جمهوري قبله، الأمر الذي صدم ملايين الأمريكيين. لماذا؟ ترامب مخلوق من صنعنا. قد يُنظر إليه على أنه انحراف، لكنه ليس كذلك. وما لم نول مزيدًا من الاهتمام لعشرات الملايين الذين صوتوا له، من بين العديد من الأمريكيين الآخرين القانطين، ونعالج مظالمهم وإحباطهم، فإن منافق مثل ترامب تمامًا سيصعد ويتغذى على الإستياء العام – متمرد آخر في صورة ترامب قد يناشد الجماهير التي سئمت من تجاهلها، دهماوي آخرى يجسد ترامب ويزدهر على الكراهية والإنقسام والإزدراء.
ديمقراطيتنا محطمة لأن الإيمان بنظامنا الدستوري وثقافتنا التي وجهتنا قد تحطم كله تقريبا. وإذا واصلنا تجاهل هذا الواقع، فإن مستقبلًا مشؤومًا للغاية ينتظر هذه الأمة. نحن نشهد صعود الإستبداد المكشوف، وإذا توقف عدد متزايد من الأمريكيين عن اعتناق معاييرنا الديمقراطية الموقرة، فإن جمهوريتنا كما نعرفها ستتوقف عن الوجود. سيحل محلها نظام استبدادي سيصعد بتصويت شعبي ويقضي تدريجيا على ديمقراطيتنا ويبطل إرادة الشعب.
خيانة الحزب الجمهوري..
يأتي الخطر على ديمقراطيتنا بالدرجة الأولى من الحزب الجمهوري. ترامب هو نتاج خيال الجمهوريين الذين يعتقدون بأنهم هم فقط من ينبغي أن يحكم، وهو ما يليق بحزب فقد بوصلته الأخلاقية منذ فترة طويلة. يخشى الجمهوريون من فقدان قدرتهم على الحكم بسبب التنوع المتزايد باطراد في أمريكا، والتطور المستمر إلى دولة أغلبيتها أقليّات، وتوسع الليبرالية في جميع أنحاء البلاد، وتزايد خيبة أمل النساء من سياساتهم، وتحرر الشباب من وهم عقيدة المحافظة الجمهورية المتطرفة المتزايدة بعناد. لم يتورع الجمهوريون عن اللجوء إلى أي مخطط شرير للتمسك برافعات السلطة. لقد سعوا بقوة لقمع الناخبين، وقاتلوا بقوة للحفاظ على التلاعب في توزيع الدوائر الإنتخابية، وتشبثوا بشراسة بالهيئة الإنتخابية، وتكديس المحاكم بقضاة محافظين، وخدموا “المتفوقين” ذوي العرق الأبيض. ولكن عندما فشل الجميع في تغيير نتيجة أكثر الإنتخابات نزاهة وحرية، فإنهم يتبعون زعيمهم المهووس بنفسه الذي يدّعي أن الإنتخابات كانت مزورة ومسروقة.
الجمهوريون يرفضون المصادقة على نتيجة الإنتخابات، وهم يعلمون جيدًا أنه لا يوجد ما يضر بالديمقراطية أكثر من تحدي إرادة الأغلبية ومنع الإنتقال السلمي للسلطة. لا تزال غالبية كبار المسؤولين الجمهوريين ترفض الإعتراف بفوز بايدن، مما يؤخر إنتقال السلطة (الأمر الذي يمنع بايدن من الوصول إلى المعلومات الحيوية، خاصة فيما يتعلق بالوباء) بينما يستمر موت الآلاف. كل حالة وفاة خلال هذا التأخير هي من صنع أيديهم.
هذا هو الحزب الذي ينعم قادته بنظريات المؤامرة. بالنسبة لهم الحقائق لا تهم. يؤمنون بالسحر والمعجزات بينما يستخفون بالحقائق العلمية ويقللون من شأن المعارضين السياسيين للتغطية على نفاقهم السياسي الفطري. والأسوأ من ذلك، أنهم استسلموا لمن يريد أن يكون دكتاتور لديه مخالب حول أعناقهم ومصمم على تفكيك أساسيات ديمقراطيتنا، وهو من أوصل الأمة إلى حافة الكارثة.
استعادة قيم ديمقراطيتنا..
إذا لم يكن هناك شيء آخر، فقد أثبتت الانتخابات أن أمريكا في حاجة ماسة إلى إعادة تثقيف واسعة في الكياسة والمواطنة المسؤولة لغرس وترسيخ القيم التي حافظت عليها في الماضي. نحن بحاجة لإصلاح الأنظمة الإنتخابية والعمليات التشريعية. يجب أن نمنع الإستقطاب السياسي وسوء إدارة ديمقراطيتنا الدستورية التي يمكن أن يزدهر فيها الدهماويون (الديماغوجيون) أمثال ترامب، واستعادة دورنا القيادي العالمي.
وبصرف النظر عن مدى تضليل إيمان أتباع ترامب به، فإنهم وملايين الأمريكيين الآخرين لديهم مخاوف واحتياجات مشروعة يجب معالجتها. يواجه بايدن مهامًا ضخمة، بدءًا من معالجة فيروس كورونا (حيث يرتبط التعافي الإقتصادي ارتباطًا وثيقًا بالسيطرة على الوباء). ومع ذلك، ستظل ديمقراطيتنا ضعيفة وعرضة لنفس العناصر المهينة أخلاقياً في السياسات الجمهورية التي كادت تمزق ديمقراطيتنا.
إذا أردنا النجاة من هجمة المعلومات المضللة والديماغوجية والزيف وعدم المساواة والخيانة التي يرتكبها ترامب والتي يتم تشجيعها والتصفيق لها من قبل أغنامه الجمهوريين، يجب أن نغلق بإحكام الكهف الذي يختبئ فيه دهماويّون (ديماغوجيون) أمثال ترامب. يجب علينا أن نجتهد في تنفيذ الإصلاحات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية اللازمة لمنع دجال مثل ترامب من العودة في غضون أربع سنوات وتدمير طريقة حياتنا الديمقراطية مرة أخرى، مورطنا من جديد في صراع اجتماعي وسياسي مشؤوم.
يمنحنا فوز بايدن فرصة صغيرة لإصلاح بعض الأضرار التي ألحقها ترامب والحزب الجمهوري بديمقراطيتنا. في الواقع، يمكن أن تكون الديمقراطية أرضًا خصبة تسمح للدهماويين أمثال ترامب بالصعود. ولإنقاذ ديمقراطيتنا ومنع حدوث ذلك وإنكار حكم الأقلية الجمهورية مرة أخرى، يجب علينا تطوير أجندة اجتماعية واقتصادية شاملة لتلبية احتياجات الشعب.
إصلاح التآكل الإجتماعي والإقتصادي لأمريكا..
لا يمكن استدامة الديمقراطية عندما تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكثر من أي وقت مضى، وعندما تنهار آلاف البلدات والقرى الصغيرة، خاصة في المناطق الريفية، وعندما ينام أكثر من 12 مليون طفل وهم جائعون وعندما يصبح نصف مليون شخص بلا مأوى يتسكعون في الشوارع.
تصبح حلقات الديمقراطية جوفاء عندما يعيش عشرات الملايين من المواطنين في فقر مدقع ولا يحصلون على رعاية صحية، وعندما يكون السود واللاتينيون ضحايا للتمييز وعدم المساواة، وعندما تتدهور المدارس ويتقاضى المعلمون رواتب متدنية، وعندما يتضاعف عدد المتسربين من المدارس وتندر الوظائف، وعندما يقبع مليونان ونصف المليون شخص في السجون غالبيتهم بسبب جرائم غير عنيفة.
تفشل الديمقراطية عندما يُسجن مدمنو المخدرات بدلاً من العلاج والشفاء، وعندما يُقتل 40 ألف أمريكي بالأسلحة النارية كل عام، وعندما يصبح القضاء متحيزًا بشكل متزايد، وعندما يتسبب تغيّر المناخ في إحداث خراب ودمار في البلاد من الساحل إلى الساحل ويتسبب في تشريد الناس، وعندما تكون وحشية الشرطة شائعة.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية على وجه الخصوص، كتب الجمهوريون أحد أحلك الفصول في التاريخ الأمريكي. ستتذكر كتب التاريخ كيف أن إفلاسهم الأخلاقي سمح لهم بالتضحية برفاهية الأمة وخيانة التجربة الأكثر مبدئية في الديمقراطية في تاريخ البشرية. قد تكون هزيمتهم في هذه الإنتخابات الرئاسية نذير لأيام أسوأ قادمة.
وبالنسبة لي، لا يزال لدي إيمان قوي بالمشروع الأمريكي. لقد خضنا حروبًا أهلية وعالمية، وواجهنا كسادًا، وإدارات فاسدة، واضطرابات اجتماعية، ومغامرات خارجية باهظة الثمن، ولكن بعد ذلك، برزنا أقوى وأصبحنا إلهامًا للدول الأخرى.
وطالما نبقى ملتزمين بالقيم الديمقراطية التي تعلقنا بها وضحينا من أجلها الكثير، فإن مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً بانتظارنا.