مناعة الاقتصاد الفلسطيني وضبابية المستقبل

7 سبتمبر 2020آخر تحديث :
مناعة الاقتصاد الفلسطيني وضبابية المستقبل
مناعة الاقتصاد الفلسطيني وضبابية المستقبل

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

بينما نعيش مرحلة الترقب والمشاهدة والمتابعة الخجولة لما هو قادم ، من اثار لجائحة كورونا التي لم تنته بعد ، وقد تتجدد قريبا بوقائع جديدة ، وفي ظل الازمات المتكررة التى تعصف بالاقتصاد الفلسطيني ، من نقص بالسيولة، الى دفع 50% من قيمة الرواتب للموظفين بالقطاع العام، الى عدم استلام المقاصة، الى اغلاق للحدود مع الاردن، وتتزامن مع لا حلول لعملية ألأنعاش الاقتصادي، الى عجز واضح من قبل الجهات الحكومية في توفير الدعم للمواطن ، وضعف في رسم رؤية واقعية لحلول عمليه، يبقى المشهد الفلسطيني الاقتصادي يمثل ضبابيه.

في حين تشير دراسة صادرة من البنك الدولي ان الاقتصاد الفلسطيني سيواجه انكماشا اقتصاديا لم يشهد له مثيل سابقا قد يصل الى 7.6% اذا عاد الاقتصاد الفلسطيني بالتعافي التدريجي، وقد يصل الى 11% اذا بقي عمليةالانتعاش للاقتصاد بطيئه كما نشهدها الان، وكما توقع التقرير أن يزداد وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية صعوبة، وذلك بسبب تراجع الإيرادات والزيادة الملموسة في الإنفاق العام على احتياجات المواطنين الطبية والاجتماعية والاقتصادية. وحتى مع إعادة تخصيص بعض المصروفات، يمكن أن ترتفع الفجوة التمويلية بشكل مثير للقلق من 800 مليون دولار – وهو مستوى مرتفع بالفعل – عام 2019 إلى أكثر من 1.5 مليار دولار عام 2020، وذلك لتلبية هذه الاحتياجات بالشكل الملائم.

كما توقع تقرير البنك الدولي ان يزداد نسبه العائلات الفقيره في الضفه الغربيه الى 30% ، بينما ستزيد نسبتها في قطاع غزه لتصل الى 64%، اما نسبة الشباب العاطل عن العمل فقد يصل الى نسبه 38% وهو ما يتجاوز كثيرا المتوسط السائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبالرغم مما قد قطعناه من اشواط طويلة خلال المرحلة الاولى من الجائحة والتي استمرت من شهر اذار العام الحالي ولغايه مايو/ ايار ، ونحن نعتقد ان الحكومة قد استفادت من التجربةالاولى بوضع حلول مبتكره لرفد الاقتصاد الفلسطيني ببرامج ووسائل ، كلما طال تأخرنا في معالجة المشكلات الحالية كلما زادت تكلفة الفاتورة التي تتحملها الشركات والحكومة، الا اننا ولغاية الان لم نشهد على ارض الواقع اي مبادرة فعلية انعشت الاقتصاد، ومع ان كل المؤشرات الاحصائية تشير الى تزايد بعدد المصابين بالمرض (كورونا)، وقد يصل اوجه خلال الشهر القادم محملين ومثقلين بعبيء اقتصادي واجتماعي كبير خلفته الجائحة الاولى من غير حلول استراتيجيه خلاقه التى كنا نطمح ان نستفيد منها اخذين بعين الاعتبار التجربه التى قد مررنا بها سايقا.

تتوجّس جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، من السياسيين، وتقول “إنّ الخوف الحقيقي هو استغلال السياسيين لمخاوفنا”، وتؤكّد على هشاشة الحدود المفتوحة التي انكشفت في غضون أسابيع قليلة فقط، معدّدة سلسلة المآسي التي وقعت، حيث أصيب العالم بخسائر مأساوية في الأرواح، وشُلّت سلاسل التوريد العالمية، وانقطعت شحنات الإمدادات الطبية بين الحلفاء، وحدث أعمق انكماش اقتصادي عالمي منذ ثلاثينيات القرن الماضي

يرى الخبير الاقتصادي الأستاذ في جامعة “لندن سكول أوف إيكونوميكس”، فيليب ليغرين، أن “أزمة كورونا ستحدّ من العولمة، وستضعف المنطق الذي يستند إليه دعاة الانفتاح الاقتصادي وإزالة الحدود التجارية بين الدول والانسياب الحر للسلع والخدمات الذي كان قائما بينهما”

ليغرين في مقال بنشرة “فورين ريبورت” يوم الخميس الماضي: “تداعيات الفيروس ستقوي التيارات الشعبوية التي تعتقد بتعزيز سلطة الدولة والتركيز على الاحتياجات الاجتماعية المحلية على حساب حرية الأفراد والتعاون بين الدول

وبين مطالعتي واطلاعي على نماذج عالمية واقليمية لايجاد حلول تتناسب مع الواقع الفلسطيني، لم اجد افضل من النموذج الفلسطيني الذي بادر به شعبنا خلال الانتفاضة الاولى والذي مثل نموذجا اقتصاديا ناجحا، بدعم “الاقتصاد والتعليم والصحة” من خلال اللجان الشعبية ولجان الاحياء . وبقراءه متمعنه بالنموذج الشعبي المميز ترى انه استند على العنصر الاجتماعي في نشر الوعى والاستفادة من التكاملية في الخبرات والعطاء الغير محدود والذي تم بناءه على اساس العمل الطوعي.

نحن بحاجه الى بناء نموذج فلسطيني مميز يعتمد على مصادرنا وبامكانيتنا الذاتيه معتمدين على مجموعه من المتغيرات التي نشهدها الان من اعتماد العالم على وسائل اكثر تحتوي على صبغة الكترونية عنها بالماضي. وضمن رؤية اكثر تفاؤلية فقد اعتمدنا بالماضي على انشاء التعاونيات الزراعية والانتاجية والخدماتية التي تحولت الى نماذج نوعيه ، ان الموروث الفلسطيني في هذا المضمار موروث غني جدا حيث بادرت التجمعات السكانيه في كل انحاء فلسطين على تشكيل تلك التعاونيات التي عنت بالاستفادة من الارض والمياه وتشغيل اليد العامله الفلسطينية. مع تركيز العالم اليوم على ثلاث قطاعات رئيسه : التعليم، والصحة، والغذاء فقد تتمحور انشطة الاستثمار القادم لانقاذ اقتصادنا وشعبنا بهذه المحاور التي ستوفر للمواطن الفلسطيني دخلا ثابتا ونظاما غذائيا، صحيا، وتعليميا وذلك ضمن الاليات التالية:-

اولا: الرياده الاجتماعيه:- ان من اهم مكونات المجتمع الفسطيني المبادرات الاجتماعيه- الاقتصادية ، التي تهدف ايجاد (حلول اجتماعيه بادوات اقتصاديه) يجب العمل على تأطير المبادرات الاجتماعيه وخلق بيئه اقتصاديه مناسبه ومناخ استثماري وتشريعات تسمح لبناء نظام وطني معتمدين على الارث الوطني في انشاء التعاونيات وتطوير الارث يما يتناسب مع الواقع الجديد، ان رياده الاعمال الاجتماعيه والتشجيع للاقامه مشاريع ومبادرات اقتصاديه اجتماعيه يتطلب دعما حكوميا من حزم للقوانين والتشريعات التي تنظم المبادرات لكي تعمم التجربه ، ومن اهم القطاعات التي يجب التركيز عليها من المبادرات الاجتماعية قطاع الزراعة والصناعة ، والذي سيمكن الاقتصاد الفلسطيني من خلق بدائل اقتصاديه نموذجيه داعمه للاقتصاد الوطني ومستوعبا للعدد الهائل من العاطلين عن العمل. وتتمثل المسؤولية المباشرة في وزارات الشؤون الاجتماعية ، الريادة،الاقتصاد، والماليه.

ثانيا: الريادة الرقمية: ان للاقتصاد الرقمي الاثر الاكبر في حل مشكله البطاله المتفاقمه وكذلك التغلب على العقبات الجغرافية، وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل أفضل للفلسطينيين. ومع سكانها الشباب المبدعين في التكنولوجيا، فلنسعى لتوفير البنية التحتية المناسبة لاستقطاب الشباب الساعي نحو استثمار افكاره المميزه بحاضنه الوطن ـ بدلا من يقوموا الشباب ببيع افكارهم لمستثمرين خارج الوطن واحتضانها من قبل دول اقليميه ، اننا بامكاننا ان نكسر حاجز الحدود بتوفير ادوات للمبادر الفلسطيني ان يوطن فكرته بوطنه وتصبح فلسطينيه الاصل والهويه.

دعنا جميعا نضيء مستقبل الاجيال القادمه، ببناء وطن مستقل ، يأكل مما يزرع، ونبني اقتصادا يعمل فيه العامل الفلسطيني ، ونحتضن شبابنا واولادنا بوطننا .

*مستشار اقتصادي دولي وممثل وشريك بصندوق المبادرات – فاستر كابتل – دبي