بقلم: العميد أحمد عيسى*
انتهت يوم الأربعاء الماضي الموافق 10/ 3/ 2021 الجولة الرابعة من انتخابات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة بالإعلان رسمياً عن فوز يحيى السنوار على منافسه نزار عوض الله، لتنتهي بذلك انتخابات حماس العامة في إحدى المناطق الانتخابية التي يحددها النظام الانتخابي بثلاث مناطق (غزة، الضفة الغربية، الخارج)، إذ من المنتظر أن تُنهي قريباً باقي المناطق انتخاباتها الداخلية لتنتخب المناطق الثلاث سويةً رئيس المكتب السياسي العام للحركة.
ويسمح النظام الانتخابي المطبق في الحركة لكل منطقة من المناطق الثلاث بتطوير نظامها الداخلي ولائحتها الانتخابية الخاصة، شريطة عدم التعارض مع النظام الأساسي للحركة، وعند الاختلاف تنظر في هذا الاختلاف لجنة قانونية عامة ولجنة تفسير للنظام، وإذا لم يُسَوَّ الخلاف يحال الأمر برمته إلى هيئة قضائية مستقلة للبث فيه وإصدار حكم قضائي بات.
وكانت مصادر إعلامية وأُخرى مقربة من حركة حماس قد أعلنت عقب الجولة الثالثة من الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء الموافق 9/ 3/ 2021 فوز المهندس نزار عوض الله برئاسة المكتب السياسي للحركة في غزة، الأمر الذي أثار كثيراً من اللغط في أوساط أعضاء حركة حماس، وكذلك في أوساط كثير من المراقبين الفلسطينين، لا سيما بعد قرار اللجنة القانونية التي يرأسها القائد في الحركة فرج الغول التوجه إلى جولة رابعة من الإعادة، إذ بينما اعتبر البعض أن جولة الإعادة الرابعة هي شكل من أشكال التزوير، اعتبر آخرون أن التوجه إلى جولة رابعة جاء نتيجة لضغوط إقليمية تُفضل بقاء السنوار على رأس المكتب السياسي لضمان عدم تراجع حماس عن التفاهمات التي توصلت إليها مع أطراف محلية وإقليمية بخصوص الترتيبات السياسية للمنطقة.
وبينما ترى هذه المقالة عدم وجود أي شكل من أشكال التزوير في أيٍّ من مراحل الانتخابات، فإنها تُسلط الضوء على واحدة من المناطق الشورية السبع، وتحديداً منطقة شمال غزة، لا سيما أن تصويت هذه المنطقة في الجولة الرابعة قد تحول بشكل دراماتيكي وجاء مخالفاً لاتجاهات تصويتها في جولات الإعادة التي سبقت الجولة الرابعة، حيث كانت اتجاهات تصويت هذه المنطقة ما قبل الجولة الرابعة لصالح منافس السنوار، الأمر الذي يستدعي قراءة ما جرى ويجري داخل حركة حماس لما لذلك من تداعيات على الواقع الفلسطيني برمته.
وفي محاولتها تفسير ما جرى هذه المرة في انتخابات حماس في غزة تؤكد هذه المقالة أن أيّاً من المتنافسين لم يحصل على نسبة (50%+1) في جولات الانتخابات الثلاث، ما يعني وفقاً لأحكام النظام الانتخابي أن من يحصل على أعلى الأصوات لا يعتبر فائزاً برئاسة المكتب السياسي، إذا لم يحصل بالحد الأدنى على 161 صوتاً من مجموع أصوات الناخبين، الأمر الذي لم يتحقق في جولة الانتخابات الأولى وجولتي الإعادة الأولى والثانية، وفي جولة الإعادة الثالثة حصل السنوار على 167 صوتاً متجاوزاً بذلك نسبة (50%+1) مقابل 153 صوتاً لعوض الله.
ويُعرف السنوار بصلابته وحماسته للعمل العسكري المقاوم، حيث يسجل له ولفريقه أنه كان من أول المؤسسين لجهاز حماس العسكري الذي أصبح يعرف لاحقاً بكتائب عز الدين القسام حين أسس في بداية ثمانينيات القرن الماضي الجهاز الأمني المعروف بـ(مجد)، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي والحكم عليه بالمؤبد، وأمضى منه أكثر من عشرين عاماً، حيث أُفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى المعروفة بصفقة وفاء الأحرار أو (صفقة شاليط) العام 2011.
وقد وفرت سنوات الاعتقال الطويلة للسنوار وفريقه الذي اعتقل معه فرصة الاحتكاك بغيره من المناضلين الفلسطينيين والعرب، خاصة من فتح والجبهة الشعبية وحزب الله، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في جعل السنوار قائداً غير تقليدي في نظرته للآخر الفلسطيني، حيث كانت أول الإشارات الدالة على ذلك وثيقة الوفاق الوطني العام 2005 التي أصبحت مرجعاً لكل جولات الحوار بين فصائل العمل الوطني والإسلامي بعد انقلاب العام 2007.
وجاءت أقوى الإشارات الدالة على هذا التحول بعد انتخابه رئيساً للمكتب السياسي في غزة للمرة الأولى العام 2017 في تصريحاته في أكثر من مكان، وفي أكثر من مناسبة، أمام أعضاء حماس، بأن حماس قد أخطأت بالتورط في أحداث صيف العام 2007، علاوةً على أنه شن حملة تطهير واسعة في صفوف حماس للتخلص من الفاسدين، ما خلق حالةً من النفور منه في صفوف حماس، الأمر الذي خلق تيارين داخل الحركة، يُعرف الأول بتيار المشايخ أو تيار الإخوان التقليديين، وتيار الشباب الذي يبرز فلسطين والمقاومة وعلاقته مع الآخر في خطابه.
ولا أكشف سراً بالقول هنا إن التيار الإخواني التقليدي في الحركة قد سعى للتخلص من قيادة السنوار للحركة في غزة في هذه المرة من انتخابات الحركة، في مرحلة التحضير للانتخابات، أو خلال التصويت وجولات إعادة التصويت، وكان الفيديو الذي حمل تحريضاً ضد السنوار وقيادة القسام الذي سربه أحد عناصر القسام في كانون الثاني الماضي من أوضح الإشارات على هذا المسعى.
أما الدلالات الدالة على هذا المسعى التي برزت في مرحلة التحضير للانتخابات، فتجلت في تعديل تركيب مجلس الشورى العام الذي تكوّن في انتخابات العام 2017 من 87 عضواً ممن يحملون مرتبة نقيب بأقدمية خمس سنوات، ومنتخبين من مجالس شورى المناطق الشورية السبع، حيث ضم مجلس الشورى العام هذه المرة كل مجالس شورى المناطق الشورية الكبرى، علاوةً على أنه ضم كل أخ أمضى على بيعته للجماعة عشر سنوات فما فوق، ولم يحصل على مرتبة نقيب لأسباب تتعلق بمؤهلاته وقدراته على ترأس أسرة إخوانية.
وعلى ذلك، زاد عدد أعضاء مجلس الشورى العام في قطاع غزة هذه المرة إلى 320 عضواً، موزعين على سبع مناطق شورية كبرى (شمال قطاع غزة، مدينة غزة وتتكون من ثلاث مناطق كبرى، المنطقة الوسطى، خانيونس، رفح)، بشرط أن يبلغ عدد النساء (الأخوات) 50 عضوة، أي ما نسبته 15,6% من المجموع العام، وقد انتهت مراحل انتخابه يوم الأربعاء الموافق 3/ 3/ 2021، وفاز برئاسته الشيخ أسامة المزيني.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تخفيف درجة السرية التي أحاطت هذه المرة من الانتخابات، التي عادة تحاط بالسرية، قد سمح للمراقبين بتفسير السلوك الانتخابي لهيئة الناخبين الذي يعتبر أحد فروع علم الاجتماع في دراسة ميول الناخبين ورغباتهم وأنماطهم ونواياهم، وقد تعددت تفاسير السلوك الانتخابي بين التفسير الجغرافي، والتاريخي، والاجتماعي الاقتصادي، والنفسي، وتفسير المرشح المثالي، وأخيراً تفسير نموذج الإلغاء والاختيار المثالي.
وتظهر قراءة نتائج التصويت أن العامل الجغرافي كان عاملاً إضافياً حاسماً لعامل التنافس بين تياري الحركة المختلفين (التقليدي وغير التقليدي) في توجيه الناخبين، حيث لم يحصل عوض الله على أي من أصوات الناخبين في منطقة خانيونس، مسقط رأس السنوار، فيما لم يحصل السنوار على أكثر من عشرين صوتاً من مدينة غزة التي يسكنها عوض الله، حيث بدا كأن التنافس يدور بين شمال القطاع الذي يضم مدينة غزة وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وجنوب القطاع الذي يضم مناطق الوسطى وخانيونس ورفح، وقد ظل الأمر كذلك إلى أن حدث الانقلاب في جولة الإعادة الرابعة، وصب شمال القطاع أصواته لصالح السنوار.
وفي الختام، ترى هذه المقالة أن التزام حركة حماس بإجراء الانتخابات الداخلية مرة كل أربع سنوات يدل على أنها المكون السياسي الفلسطيني الأكثر التزاماً وتطبيقاً لقواعد وشروط الديمقراطية (الشورى) في رسم السياسات واتخاذ القرارات واختيار القيادات داخل الحركة، الأمر الذي يحرج إلى حد ما ويدحض خطاب باقي المكونات السياسية الفلسطينية التي تؤمن بالقيم والمبادئ الديمقراطية وتنادي بإقامة نظام حكم ديمقراطي نيابي وفقاً لنص المادة رقم (5) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، ويقدم حركة حماس كحركة ظلامية لن تسمح بالعودة مرة أُخرى لصناديق الاقتراع حال فوزها بالانتخابات العامة، كما ترى هذه المقالة أن حركة حماس تنظيم غير قابل للتشظي والانقسام، ويجيد إدارة خلافاته الداخلية بروح القانون والنظام الأساسي.
* المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي