بقلم: المحامي علي أبو هلال
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم خطيرة في قطاع غزة خلال عدوانها الأخير، ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقا لخبراء القانون الدولي ومسؤولين في المنظمات الدولية، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا، ومن بينهم خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وهم: المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب وبالحق في عدم التمييز في هذا السياق بالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بيدرو أروجو أغودو، المقررة الخاصة المعنية بالحق في التعليم كومبو بولي باري. المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمشردين داخلياً سيسيليا خيمينيز داماري، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب فيونوالا ني أولين، المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي موريس تيدبال بينز، ودعا هؤلاء الخبراء إلى إجراء تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في الهجمات على السكان المدنيين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وأشاروا إلى قتل العشرات وجرح الآلاف نصفهم مدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن وابادة أسر كاملة، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 450 مبنى في القطاع بالكامل وغيرها من المباني التي تضررت نتيجة قصفها بالصواريخ، ومن بينها ست مستشفيات وتسعة مراكز رعاية صحية ومحطة لتحلية المياه تزود حوالي 250 ألف فلسطيني بمياه الشرب النظيفة، بالإضافة إلى برج يضم مكاتب إعلامية. وقال الخبراء: “بسبب التفاوت الكبير في القوة، فإن ضحايا هذا الصراع هم فلسطينيون بشكل غير متناسب في غزة، منهم أكثر من 74000 شردوا قسراً، معظمهم من النساء والأطفال”.
وأضافوا: “أدى النزاع إلى موجة جديدة من الدمار الشامل غير المسبوق لمنازل المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك شبكات الكهرباء في غزة، وهجمات صاروخية عشوائية أو متعمدة على المدنيين والمناطق السكنية في إسرائيل وغزة، لا تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان فحسب، ولكنها ترقى أيضًا إلى الجرائم بموجب القانون الدولي التي تقع عليها مسؤولية فردية ومسؤولية دولة”.
وأضافوا أن “القصف العشوائي أو المتعمد للمدنيين والأبراج التي يسكنها مدنيون والمؤسسات الإعلامية ومخيمات اللاجئين في غزة هي جرائم حرب لا يمكن تبريرها للوهلة الأولى بمتطلبات التناسب والضرورة بموجب القانون الدولي”. وحث الخبراء “المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في الأفعال التي تنتهك نظام روما الأساسي، وخاصة جرائم الحرب، بما في ذلك استهداف المدنيين، والانتهاكات الجماعية والعشوائية للحق في السكن اللائق، والتحقيق في الأفعال والسياسات التي حدثت أثناء الصراع، أو ساهمت فيه، والتي قد ترقى إلى جريمة الفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية”.
لا شك أن ما أشار له خبراء حقوق الانسان العاملين في المنظمات الدولية، يشكل شهادة هامة ورأي يعتد به أمام المنظمات الدولية الحقوقية والقضائية، ولدى المحكمة الجنائية الدولية.
فالجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في عدوانها الأخير على قطاع غزة هي أوسع وأشمل مما جاء على لسان هؤلاء الخبراء، حيث تشمل تدمير 15 مصنعا في المنطقة الصناعية في قطاع غزة، علما ان المصانع المستهدفة لا علاقة لها بأي عمل عسكري، وتختص بتصنيع منتجات مختلفة يتم تصديرها الى الخارج، والخسائر الأولية لهذه الجريمة وحدها تقدر بملايين الدولارات”. كما تشمل تضرر قرابة 46 مدرسة بينهم مدارس خاصة واخرى تتبع لوكالة “الأونروا”، وأن هذه الأضرار شملت غرفا صفية وساحات، إضافة لتدمير مديريتي التربية والتعليم في شمال وغرب غزة.
كما تشمل قيام قوات الاحتلال بقصف وتدمير عدد من أبراج مدينة غزة هي: برج “مشتهى” غربي غزة، وبرج الجلاء، الذي يوجد في شارع المختار وسط مدينة غزة، ويتألف من 14 طابقا يضم، إلى جانب الشقق السكنية، العديد من المكاتب الإعلامية الدولية والعربية والمحلية، ويضم مكاتب وكالة الأنباء الأميركية “الأسوشيتد برس”، إلى جانب محطات إذاعة محلية وشبكات إنترنت، ومكاتب أطباء ومحامين، ومقار لجمعيات خيرية. ويعتبر برج الجلاء ثاني أكبر أبراج غزة. و”برج الشروق”، الذي يتألف من 14 طابقا، ويوجد في شارع عمر المختار أيضا، وكان يضم عددا من مكاتب الشركات وبعض المؤسسات الصحفية العاملة في غزة. و”برج هنادي” و”برج الجوهرة”، الذي كانت يتألف من 9 طوابق، وهو برج سكني يقع في شارع الجلاء وسط غزة وكان يضم عددا من المكاتب، وبلغ عدد الوحدات السكنية المدمرة والمتضررة حوالي 16 ألف وحدة، وارتفع عدد الشهداء الى ٢٤٩ من بينهم ٦٥ طفل و٣٩ سيدة و ١٧ مسن بالإضافة الى اصابة اكثر من ١٧٥٠ مواطن.
وارتكبت قوات الاحتلال جرائم حرب وفقًا للمادة (8) من ميثاق روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، بتدميرها البنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي، ما تسبب بتفاقم الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة المحاصر، وخصوصًا من حيث القدرة على توفير المياه وخدمات الصرف الصحي للمواطنين، والذي سيكون له انعكاسات طويلة المدى على مناحي الحياة كافة الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
لم تعد هذه الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال أثناء عدوانها الأخير على قطاع غزة خافية على أحد، وهي تندرج في إطار جرائم العدوان وجرائم الحرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وعلى المحكمة الجنائية الدولية التحرك السريع والعاجل للتحقيق في هذه الجرائم، خاصة بعد قراراها الأخير أنها ستشرع في التحقيق بالجرائم المرتكبة في إقليم دول فلسطين الذي يشمل عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
وعلى المجتمع الدولي تسهيل هذه المهمة للمحكمة الجنائية الدولية، وتوفير كافة أشكال الدعم والمساندة للشروع في تحقيق دولي وقضائي فوري وعاجل، بالجرائم الجسيمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة الدولية لا سيما أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما يضمن معاقبة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية.
فلم يعد مقبولا الصمت على هذه الجرائم التي طالت قطاع غزة من جراء العدوان الإسرائيلي، ولم يعد مقبولا السكوت على قوات الاحتلال التي ترتكب هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت أعين وبصر العالم، ولم يعد مقبولا أن تبقى إسرائيل ” السلطة القائمة بالاحتلال” سلطة فوق القانون، بل ينبغي تفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة الدولية لهذه السلطة المارقة والمعتدية، وتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحاكمة لدى المحكمة الجنائية الدولية، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين القتلة من العقاب الذي يستحقونه، انصافا للضحايا ومن أجل حماية الشعب الفلسطيني من بطش وعدوان قوات الاحتلال المتواصل منذ عقود طويلة، إحقاقا للعدل وتطبيقا للقانون الدولي، وتوطئة لإزالة الاحتلال ومن أجل تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، وفي مقدمتها حقه في العودة، والحرية والاستقلال، وحقه في تقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على أرضه وعاصمتها القدس.
*محاضر جامعي في القانون الدولي