رسالة الشعب الفلسطيني إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن

بقلم: المحامي أحمد العبيدي

السيد جو بايدن، أكتب لك هذه الرسالة وها أنت تدخل البيض الأبيض؛ لتقود الولايات المتحدة الأمريكية بعد معركة انتخابية تّرتَّبت عليها نتائج تُعتبر علامةً فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وعبئاً ثقيلاً عليك معالجته في المستقبل.

رغم أنَّ هناك حالةً واحدة حصلت في تاريخ أمريكا مشابهة في جزئية منها لما حصل الآن، وهي مرحلة التنافس على الرئاسة بين جورج بوش الابن وآل غور؛ تم فيها الطعن بالانتخابات علماً أن الذي حصل ليس طعنا بالتزوير بقدر ما كان حصول كلّ من آل غور وجورج بوش الابن على نفس عدد الأصوات، مما اضطر آل غور الى اللجوء إلى القضاء للفصل في موضوع الطعن وبالفعل قال القضاء كلمته بتأييد بوش، في حين أن ما قام به ترامب فاق كل التصورات والتوقعات، والغريب في الأمر أن يتم ذلك في الدولة التي تحكم العالم، وتدَّعِي أنها تُصدّر الحضارة وتَملُك العراقة وواحة الديمقراطية.

السيد جو بايدن: أنا لستُ بصدد بحث أو مناقشة أمور وأحوال أمريكا الداخلية، وإنَّما بصدد مناقشة موضوع صراعنا مع دولة الاحتلال، أو بالأحرى مجمع الشياطين كما جاء في الإصحاحين الثاني والثالث من سفر رؤيا يوحنا في الإنجيل المقدس. “هذا المجمع و/ أو هذه المستعمرة التي أقمتموها على أرضنا التي لا يجمع بين أفرادها أي قاسم مشترك، تم جلبهم وإحضارهم إلى أرضنا على أساس أنهم يهود. وهذا غير صحيح للأسباب التالية:

1) إن اليهودية لا تُشكل عرقاً بشرياً وهذا لا ينطبق على الديانة اليهودية فحسب بل كذلك ينطبق على الإسلام والمسيحية.

2) لم يأتوا كيهود بل كمستوطنين وفائض بشري من بلدان شتى، وذلك كون معظم يهود العالم لا يؤمنون ولا يعترفون بدولة إسرائيل لكونهم من دعاة الاندماج أو لأنهم لا يعترفون ولا يؤمنون باليهودية كَعِرقْ بشري.

3) إن الذي تم إحضارهم إلى فلسطين احضروا إما بسبب غسيل الدماغ الذي حصل لهم نتيجة نشاط الحركة الصهيونية المبني على أساس توراتي خُرافي، أو بسبب ظروف معينة كحالات الفقر بحيث أن إسرائيل هي جَنَة الله على الأرض، أو لظروف الحرب هنا وهناك كما حصل أبان اغتيال القيصر الروسي عام 1882 أو كما حصل أبان المحرقة النازية كما يدّعون.

بعيدا عن هذا وذاك، وبعيدا عن الفلسفات والمبادرات التي تُطرح من هنا وهناك من على منبر الصراع العربي الإسرائيلي وبعيداً عن الماضي السحيق الغابر في أعماق التاريخ، وبنظرة إلى الأمام والمستقبل دون الالتفات إلى الوراء ومخلفاته، ومن خلال الواقع بنوع من المنطق والعقلانية القائمين على ركنين متلازمين متلاصقين هما:

الركن الأول: وجود دولة إسرائيل كحالة واقعيّة بغض النظر عما إذا كانت حالة واقعيّة أزلية وحتمية تاريخية أم أنها حالة واقعيّة عَرَضِيّة مؤقتة في طريقها إلى الزوال.

الركن الثاني: وجود الشعب الفلسطيني على أرضه كحالة واقعية أزلية حتمية (حتى في التوراة نفسها تؤكد أننا أسبق من اليهود في فلسطين) وعلى فرض أن هناك من يتوهم بإمكانية اجتثاثنا من فلسطين فباعتقادي هذا غير وارد البتة إذا اعتبرنا أن الشعب الفلسطيني هو جزء من أمة تعدادها يزيد على 350 مليون نسمة.

من هذا المنطلق أُخاطبك وأَكتب لك علماً أنني أخاطبك ليس لكونكم من أنبياء الله ورسله على الأرض، وليس لكونكم واحة الديمقراطية، وحقوق الإنسان وإنما من منطلق أن أمريكا هي الدولة الأقوى بالعالَم بدون منازع، والراعية لدولة الاحتلال، وهنا وأنا بصدد مخاطبتك بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولست بصدد سرد وقائع وتاريخ هذا الصراع بكافة جوانبه، ولست بصدد التذكير بجرائم إسرائيل المتكررة سواء بحق الشعب الفلسطيني من جهة، أو بحق بعض الدول العربية من جهة أخرى، كذلك لست بصدد ذكر القرارات الدَّولية المتعددة التي صدرت عن الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة ذات الصلة بالشعب الفلسطيني وقضيته، فأنت تعلم ذلك وتعرفه جيداً وإنّما أنا هنا بصدد التساؤل عن تصوركم لإيجاد حل لهذا الصراع بعد أن عرفنا وتعرفنا على ركنيه الذي لا يمكن لأي منهما أن ينفصل ويقضي على الآخر.

السيد بايدن، عقود من الزمن مرت على هذا الصراع إلا أنه لم يصل إلى مرحلة خطيرة كمرحلة ولاية ترامب الذي قام بأمور خطيرة على مستوى العالم بأسره. ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي عندما أقدم على اتخاذ خطوتين: اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الأمر الذي كاد أن يُدخِل المنطقة في جحيم. لذلك قَرَرتَ أن تضع حداً لهذه السياسة العرجاء المتهورة عبر قرارك الترشح للانتخابات الأمريكية وها أنت قد فزت.

السيد جو بايدن أدعوك وأنت تدخل البيت الأبيض، وأنت على أبواب العقد الثامن من عمرك. أن تدخل التاريخ بأسطر من نور عبر إصلاح الخلل والاعوجاج الذي أصاب السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، وأن تسير على نهج الرئيس السابق والراحل (وورد ولسون) صاحب السياسة الحكيمة بعض الشيء ومبادئه المعروفة وخاصة منها ما يتعلق بحق الشعوب في الحرية والاستقلال والتي نادى بها بعد الحرب العالمية الأولى.

الشعب الفلسطيني لا يطلب المستحيل، ولا يطلب أن يعيش ويبني قُصوراً فوق كوكب المريخ، ولا يطلب إزالة دولة إسرائيل ولا إلقاء اليهود في البحر غذاء للأسماك. كل ما يطلبه هو الاعتراف بحقه بأن يحكم نفسه بنفسه وبحقه في الحرية والاستقلال من تحت سقف ومن على أرضية الشرعية الدّولية المنبثقة عن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، هذه الشرعية التي أقرت وقررت وجود دولتين دولة فلسطين ودولة إسرائيل. وذلك عبر القرار الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947.

السيد جو بايدن: أُعبرْ بوابة التاريخ عبر فرض السلم والسلام والأمن والأمان، وإنقاذ الشعوب الضعيفة والمغلوب على أمرها؛ لأن إرادة الشعوب هي الأقوى. ولأن إرادة الشعوب هي عجلة التاريخ، وما من دولة وقفت في وجه عجلة التاريخ إلا وانهارت وتقوقعت على نفسها.

كثيرة هي الدول التي حكمت وسيطرت وتجبرت ووصلت قمة الهيمنة ثم انتكست أمام عجلة التاريخ، ومن أبرز ركائزها إرادة الشعوب. ولعلّ في أمريكا مثالاً حيّاً على ذلك، عندما كانت الأخيرة مستعمرة بريطانية حتى تمكن الشعب الأمريكي بقيادة جورج واشنطن من الثورة على بريطانيا ودحرها عبر الثورة التي بدأت بمعركة حفلة شاي.

إضافة إلى ما حصل من سقوط وإسقاط مُدو في القرن العشرين للإمبراطورية العثمانية التي حكمت نصف الكرة الأرضية، ومن ضمنها البلاد العربية حيث دامت ما يقارب 400 عام، بغض النظر عن حجم الدور العربي في هزيمتها، وفي النهاية جَرّتْ أذيال الهزيمة، ولو أنني مضطر آسفاً بأن أذكرك بما حصل لكم أمام الصمود الأسطوري للشعب الفيتنامي أبان حرب السبعينيات من القرن الماضي.

إن إسرائيل لَم تكن ولَن تَكون بمستوى قوة هذه الدول التي انهارت أمام إرادة الشعوب، وهي ليست بمنأى عن مفرمة عجلة التاريخ. وإسرائيل في النهاية ستنسحب من أرضينا المحتلة عام 1967 إن عاجلاً أم آجلاً، قَصُر الأجل أم طال. فلا داعي لمزيد من الدماء وهي ستنسحب فلتنسحب بالحوار وليس بالنار، والسلام ختام.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …