فرصة لاستنهاض الكفاح ضد الأبرتهايد الإسرائيلي

بقلم: مصطفى البرغوثي

مثل تقرير “هيومان رايتس ووتش”، قفزة هامة في اتجاه فضح وتعرية جريمتي التمييز العنصري (الأبارتهايد) والاضطهاد المرتكبتان من قبل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وفي إتجاه مسائلتها ليس فقط أمام محكمة الجنايات الدولية، بل وأمام المجتمع الدولي بأسره.

وجاء التقرير ليضيف وثائق جديدة إلى جانب التقرير الشهير الذي أعده فريق “الإسكوا” والذي تنكرت له الأمم المتحدة، بعد أن كشف طبيعة الأبارتهايد العنصري الذي يمارس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي أراضي 1948 وضد المقيمين منهم قسرا خارج وطنهم.

بالإضافة إلى التقرير الذي أصدرته منظمة حقوق الإنسان ” بتسليم” الإسرائيلية، والذي اعترف بوجود نظام “أبرتهايد” كاملا تستخدمه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

منذ أكثر من عشرين عاما نطرح في مختلف المحافل الدولية الاثباتات القاطعة، بالأرقام، والصور، والفيديوهات والحقائق بوجود نظام تمييز عنصري واضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، في حين واصل العالم تلكؤه في الاعتراف بذلك، حتى طفح الكيل ولم يعد من الممكن مواصلة التستر على الجرائم.

وقد سبق الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الجميع في المجتمع الدولي بعد لقاء جمعنا به في عام 2003 وشرحنا فيه معالم منظومة الأبارتهايد وجدار الفصل العنصري الذي أنشأته إسرائيل، وأذكر أنه جادل طويلا، محاولا نفي صفة الأبارتهايد عن دولة الاحتلال ، ولأنه كان رجلا يحترم عقله، فإن الحقائق دخلت إلى ذهنه تدريجيا حتى وصل الأمر به إلى نشر كتاب سماه” السلام وليس الأبارتهايد” فقامت قيامة الحركة الصهيونية ضده، وما زال يتعرض لاتهامات “العداء للسامية” حتى اليوم، غير أنه فتح ثغرة في جدار الرواية الإسرائيلية لم يستطع اللوبي الصهيوني إغلاقها.

خلاصة القول، أن وصفنا لنظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي ، أصبح اليوم راسخا، ويشكل بالتالي أرضية متينة لحركة عالمية لمناهضة نظام الأبارتهايد بما يشبه الحركة التي ساهمت في إسقاط نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، مع مراعاة الإختلافات بين الحالتين. وأحد أهم نشاطات هذه الحركة سيكون فرض المقاطعة والعقوبات على النظام الحاكم في إسرائيل.

غير أن الوصول إلى ذلك، يقتضي تعبئة فلسطينية داخلية أيضا، لأن أجزاء لا يستهان بها من الناشطين السياسيين ما زالوا يتجاهلون، أو لا يدركون ما هية نظام الفصل العنصري والإضطهاد، والسمة الحاسمة لإقرار هذا الوصف في إلحاق الهزيمة بالحركة الصهيونية وحكام إسرائيل.

وهناك من يعتقدون أن وسم إسرائيل بصفة الإضطهاد والتمييز العنصري يقلل من أهمية تحديد صفاتها وممارساتها الجوهرية باعتبارها صاحبة أطول احتلال في التاريخ الحديث، ومنفذه التطهير العرقي الأسوأ، وصاحبة مشروع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. ومن المهم أن يتعمق وعي الجمهور الفلسطيني بأنه لا تناقض بين كل ذلك، وبين وسم إسرائيل والحركة الصهيونية بصفة الأبارتهايد والتمييز العنصري، لأن عمق ذلك الوعي سيكون له دورا حاسما في إنجاح النضال الفلسطيني والعالمي ضد نظام التمييز العنصري، بل وفي إعادة بلورة الهدف الإستراتيجي للنضال الوطني الفلسطيني، باعتباره لا يقتصر على إنهاء الإحتلال، بل يمتد إلى إسقاط نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري في كل فلسطين التاريخية.

وذلك يعني أيضا إعادة توحيد نضال الشعب بمكوناته الثلاثة في الداخل والأراضي المحتلة والخارج، باعتبار أن جميع هذه المكونات تعاني من نفس نظام الاضطهاد والتمييز العنصري، بحيث يتوقف الفصل المصطنع الذي أفرزه اتفاق أوسلو بين نضال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ونضالهم في الداخل أو الخارج، وخاصة أن ممارسة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها سيرتبط بالنضال ضد قانون القومية الإسرائيلي والذي يحصر حق تقرير المصير في أرض فلسطين التاريخية باليهود.

وسيشكل النضال ضد الاضطهاد والتمييز العنصري (الأبرتهايد) فرصة لإعادة بناء حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني والتي ضعفت وتبعثرت بعد إتفاق أوسلو، من خلال بناء حركة عالمية لمناهضة الأبارتهايد والتمييز العنصري ولإسناد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في أرض وطنه.

ما يجب أن يكون مفهوما أن تقارير “هيومان رايتس ووتش”، وبتسيلم و”الإسكوا” وغيرها ، توفر أسلحة وذخيرة مهمة للنضال الوطني الفلسطيني، ولكنها لن تقوم بمهمة الكفاح ضد “الأبارتهايد” بالانابة عنه، فذلك سيبقى منوطا بالشعب الفلسطيني وقواه الكفاحية الحية، ليس فقط بتنظيم النضال الفلسطيني على الأرض، بل أيضا من خلال بناء حركة عالمية للتضامن مع قضيته العادلة، ونسج وشائج العلاقات مع القوى التقدمية والديمقراطية العالمية.

وكل ذلك يشير مرة أخرى إلى إلحاحية مهمة بناء قيادة وطنية موحدة، تتبنى استراتجية وطنية موحدة في مواجهة الحركة الصهيونية وحكام إسرائيل، بدلا من أن تستمر حالة التشرذم والإنقسام، من خلال محاولة كل قوة أو فصيل فلسطيني بناء مقاومتها المحلية وأذرعها الدولية بشكل منفصل عن بعضها البعض.

لا توجد قوة فلسطينية واحدة تستطيع بمفردها إدارة النضال الوطني الفلسطيني، ولا حل سوى توحيد الطاقات مثلما فعلت الحركة الصهيونية بالضبط، والتي تواصل العمل كحركة موحدة تلملم كل أطراف الأحزاب والحركات الصهيونية على اختلافها نحو هدف واحد، وفكرة التوحيد، كانت وما زالت مبرر إنشاء وبقاء منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها لن تستطيع القيام بدورها إن لم تنفك بالكامل عن مشروع أوسلو واتفاقياته وإن لم تقبل بتطبيق مبدأ الشراكة في القيادة على أسس ديمقراطية.

هناك فرصة غير مسبوقة تنفتح أمام النضال الوطني الفلسطيني ولا بد من استغلالها بسرعة، وحزم، ووعي، وعمل موحد.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …