يتواصل شلال الدم الناجم عن استشراء الجريمة داخل أراضي 48، حيث وقعت أربع جرائم قتل، في اليومين الأخيرين، وأصيب العشرات جراء إطلاق الرصاص، فيما تكتفي الحكومة الإسرائيلية بالثرثرة حتى الآن، وسط توجيه انتقادات واسعة لها ودعوات لإقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من منصبه.
بادر المتظاهرون احتجاجاً على “خطة الإصلاحات القضائية” لدقيقة صمت على ضحايا الجريمة، ولرفع شعارات كبيرة بعدة لغات، مثل: “الدم العربي ليس رخيصاً”.
يدور الحديث عن سبع عصابات إجرام كبيرة تنشط في البلدات العربية في مجال جمع الأتاوات بالترويع والإرهاب، وفي السيطرة على عطاءات السلطات المحلية، علاوة على المتاجرة بالممنوعات من السلاح إلى المخدرات. وفي ظل حالة الفوضى و”فلتة الحكم”، كما يقول المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم، باتت عصابات الإجرام المحلية الصغيرة تنتشر كالخلايا السرطانية في البلدات العربية، وتستخدم الترهيب والرصاص من أجل ترويع الأهالي، والتصرف كما يحلو لها، كأنها دولة داخل دولة.
وسبق أن نقلت القناة العبرية 12، قبل نحو العام، عن مصدر رفيع في الشرطة قوله إن هؤلاء المجرمين يحظون بدعم من المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) كونهم متعاونين ومخبرين لها. وبعد مذبحة يافة الناصرة، يوم الخميس الفائت، لم تعتقل الشرطة الإسرائيلية بعد أياً من المشتبه بهم بارتكاب جريمة قتل خمسة أشخاص داخل مغسل سيارات، وإصابة اثنين آخرين، نصفهم أبرياء كل ذنبهم أنهم جاءوا لغسل مراكبهم في توقيت خاطئ، عندما دخل مقنّع وأطلق الرصاص من بندقية رشاشة من طراز “إم 16” بشكل عشوائي، وهي بندقية يستخدمها الجيش الإسرائيلي، وهو مصدر 90% من الأسلحة غير المرخصّة المقدرة بمئات الآلاف القطع موجودة بأيدي هذه العصابات.
المطالبة بإقالة الوزير بن غفير
وعلى خلفية تفاقم هذا النزيف، انضمت أوساط إسرائيلية لهذه الانتقادات التي يوجهها فلسطينيو الداخل، وفي تل أبيب، ليلة أمس، بادر المتظاهرون احتجاجاً على “خطة الإصلاحات القضائية” لدقيقة صمت على ضحايا الجريمة، ولرفع شعارات كبيرة بعدة لغات، جاء فيها بسخرية: “أنا عربي، أنا مواطن من الدرجة الثانية في إسرائيل”، و “الدم العربي ليس رخيصاً”.. الخ.
وفيما يستمر النزيف، يتبادل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المدان بكراهية العرب وبالإرهاب في محكمة إسرائيلية، عدة مرات، مع المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي التّهم حول الفشل في مكافحة الجرائم. وعلى خلفية ذلك نشر ستةُ مفوضين سابقين للشرطة الإسرائيلية، و42 من جنرالات الشرطة المتقاعدين، رسالة مفتوحة موجهة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يحذرونه فيها من “الانهيار المتوقع لشرطة إسرائيل”، وأكدوا أن “وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ليس هو الحل، بل هو جزء أساسي من المشكلة”. وجاء في الرسالة المفتوحة أن “الوزير بن غفير، بإشغاله هذا المنصب، يشّكل خطراً مباشراً على أمن دولة إسرائيل”. كذلك دعت العريضة نتنياهو إلى “إقالة الوزير بن غفير من وزارة الأمن القومي على الفور، وليت ذلك يتم في هذه اللحظة”، وأكدوا أنه “لا نهضة في إسرائيل من دون شرطة قوية ومستقلة”. ومن بين المفوضين الذين وقعوا الرسالة: اساف حيفيتس ودودي كوهين ويوحنان دانينو وموشيه كرادي ورافي بيليد وشلومو أهرونيشكي. وطرح المفوضون العامون للشرطة سابقاً، وكذلك أصحاب أعلى الرتب ممن تقاعدوا في صفوف الشرطة، حلاً بديلاً لمنع انهيار الشرطة، وطلبوا لقاء نتنياهو “من دون حضور الوزير، ومن دون مفوض الشرطة الحالي يعقوب شبتاي”. كما طلبوا “تقديم مقترحات لتعزيز الشرطة للجميع، والتوسع في عرض العوامل التي أدت إلى الوضع الراهن.
كما توجه الصحافة الإسرائيلية انتقادات واسعة للحكومة، وتتهمها بالفشل. ومنذ نحو أسبوع، تسلّط الضوء على استشراء الجريمة في الشارع العربي، وتقول من جهة إن الجريمة تعني قتل أبرياء وإشاعة فوضى، ومن جهة أخرى فهي تهدد المواطنين اليهود لأن الرصاص الفوضوي في الشوارع لا يمّيز بين عرب ويهود، ويحوّل الدولة إلى نكتة ولرسم كاريكاتير.
في افتتاحيتها أكدّت “هآرتس” أن بن غفير غير صالح، وأنه غير معني بمكافحة الجريمة في الشارع العربي.
إدخال الشاباك على الخط
وفي ظل حالة الانفلات وتصاعد الانتقادات الإسرائيلية أيضا للحكومة وللشرطة ولوزيرها تخصص حكومة الاحتلال جزء من اجتماعها الأسبوعي اليوم الأحد للنظر بحالة الانفلات وبجرائم القتل غير المتوقفة في البلدات العربية وبسؤال دور “الشاباك” في ذلك. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد قال عقب مذبحة يافة الناصرة قبل أيام في شريط متلفز إنه سيعمل على إدخال “الشاباك” على خط مكافحة الجريمة وهذا ما تدعو له جهات مختلفة فيما تشككّ بجدواه جهات أخرى.
عصابات إجرام كبيرة تنشط في البلدات العربية في مجال جمع الأتاوات بالترويع والإرهاب، والمتاجرة بالممنوعات من السلاح إلى المخدرات.
الشاباك يرفض الضلوع بالتحقيقات
وتفيد مصادر وتسريبات إسرائيلية بأن مسؤولين في المخابرات العامة “الشاباك” يرفضون إشراك الجهاز في مكافحة الجريمة، لمنع كشف أدواتها التقنية وتقويض قدراتها وصرف أنظارها عن مهمتها القانونية المركزية وهي “مكافحة الإرهاب”، في حين ترى هيئات قضائية أنه سيكون لذلك “تأثير عميق وأساسي سلبي على طبيعة النظام الديمقراطي”، وترفض إقحام جهاز استخباراتي في الحياة المدنية.
ويعرب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل عن تحفظه على الفكرة، ويقول إن الحكومة ملّت وسئمت من الشرطة، ولكن إشراك الشاباك في محاربة الجريمة قضية إشكالية مشكوك بجدواها، وهناك صعوبات عملية يعيها الجهاز بذاته، بالإضافة للمساس بحقوق المواطن نتيجة تدخل “الشاباك”.
وتبعه زميله المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” يؤاف ليمور، الذي يرى أن “توكيل جهاز المخابرات العامة بمحاربة الجريمة داخل المجتمع العربي قرار متسرع وغير مدروس”.
ومن جهته يقول الصحافي نداف إيال، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” على صفحتها الأولى، إن الوزارة كبيرة على بن غفير، وعليه أن يرحل وعلى نتنياهو تعيين شخص مهني ومسؤول وراغب بمكافحة الجريمة وزيراً بدلاً منه في وزارة الأمن الداخلي. ويؤكد زميله المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصحافي شمعون شيفر أن حالة “فلتة حكم” تسود البلاد، منبهاً “لسماع دماء الضحايا في المجتمع العربي تصرخ للسماء، وتطلب التدخل”.
في هذه الأثناء، تتزايد المطالبات للقيادات العربية في البرلمان والميدان للعمل وفق خطة مهنية وطنية جامعة، تشمل وسائل عمل واحتجاج ميدانية خلاقة، والبحث عن شركاء في الجانب اليهودي، وفي المجتمع الدولي، وعدم الركون لتصريحات نتنياهو، الذي يكتفي بالثرثرة، ولا يمكن الوثوق به، وسبق أن وصفه وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش بـ “كاذب ابن كاذب”، كما اتضح من تسريب تسجيل لحديث داخلي.
القضاء على الجريمة يحتاج إلى قرار سياسي لا تريد المؤسسة الإسرائيلية اتخاذه.
كما تنادت لجان الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية للشروع بمظاهرات داخل الحرم الجامعي، احتجاجاً على تفشي الجريمة والعنف داخل البلدات العربية. وتؤكد لجان الطلاب العرب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية أن “القضاء على الجريمة يحتاج إلى قرار سياسي لا تريد المؤسسة الإسرائيلية اتخاذه، وحكومات إسرائيل المتعاقبة هي المسؤولة عن الوضع الحالي”.
إن لسان حال الكثيرين يقول إن الحكومة الإسرائيلية تستطيع محاربة الجريمة لو رغبت، وإلا كيف يمكن أن ترصد علماء الذرة الإيرانيين وتقتلهم في طهران، ولا تستطيع ضبط “طخّيخة” في طرعان.. وهي قرية في قضاء الناصرة، شهدت حالة فوضى وإطلاق رصاص في الشوارع مدة طويلة.