غياب التوافق بين الأطراف الفلسطينية حول صيغة “اليوم التالي” للحرب يؤثر سلباً على سير المفاوضات بشأن الصفقة
نهاد أبو غوش: مؤشرات أولية من مختلف الأطراف على صفقة محتملة.. وملفات شائكة تَحُول دون التوصل إلى توافق نهائي
سليمان بشارات: الظروف الحالية قد تدفع المقاومة لإعادة ترتيب أولوياتها وقد تضطر لقبول تفاهمات لم تكن مطروحة في الماضي
د. سعد نمر: مؤشرات قوية على قرب التوصل لصفقة.. وحماس تدرك أن إدارتها لغزة لم تعد ممكنة في ظل رفض نتنياهو القاطع
محمد هواش: تصريحات نتنياهو عن الصفقة قد تكون في إطار المناورة لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب لكن إدارة ترمب ستضغط عليه
حسام أبو النصر: الظروف نضجت للتوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة في قطاع غزة لكن ذلك لا يعني بالضرورة وقفاً كاملاً للحرب
تشهد الساحة السياسية والدبلوماسية جهوداً مكثفة لمحاولة إبرام صفقة تهدف إلى وقف الحرب المستمرة في قطاع غزة، وسط تعقيدات متعددة ومتغيرات إقليمية ودولية ضاغطة.
ويعتقد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون، في أحاديث منفصلة لـ”ے”، أن المفاوضات التي تدور بمشاركة وسطاء دوليين وإقليميين، تشير إلى تقدم نسبي في التفاهمات، رغم عديد الملفات الشائكة المتعلقة بالتفاصيل.
ويلفت الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات إلى أن المباحثات تتركز حول خطوات تشمل وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، وانسحابات جزئية للقوات الإسرائيلية من القطاع، إلى جانب تحسين الوضع الإنساني لسكان غزة، مشيرين إلى أن تتباين الرؤى حول إدارة غزة في المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الانقسامات الفلسطينية حول شكل الحكم بعد الحرب، يزيد من تعقيد المفاوضات ويضعف الموقف الفلسطيني الموحد.
مرونة من حماس مقابل ضغوط غير مسبوقة على الإسرائيليين
يوضح مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن المفاوضات الجارية بين الأطراف المختلفة بشأن قطاع غزة أحرزت تقدماً ملموساً في الجولات الأخيرة التي تُجرى خلف أبواب مغلقة، مشيراً إلى أن حركة حماس تظهر استعداداً لمرونة كبيرة في هذه المرحلة، في مقابل ضغوط غير مسبوقة تمارس على الجانب الإسرائيلي للوصول إلى اتفاق.
ويعتقد الرنتاوي أن هذه المفاوضات قد تؤدي إلى وقف طويل نسبياً لإطلاق النار، قد يمتد لمدة شهرين، إلى جانب انسحابات إسرائيلية جزئية من بعض المناطق في القطاع، حيث إن حماس قد تقبل بتدرج الانسحاب الإسرائيلي بدلاً من المطالبة بانسحاب شامل وفوري.
ويشير إلى أن معادلة المفاوضات الحالية تتمثل في تقديم حماس تنازلات جزئية، مثل الإفراج عن عدد محدود من المحتجزين الإسرائيليين، مقابل تحقيق مكتسبات إنسانية واقتصادية عاجلة لأهالي غزة، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات والإغاثة.
وفي التوازي، يشدد الرنتاوي على أن الإفراج الكامل عن المحتجزين الإسرائيليين لن يتم إلا بوقف الحرب بشكل ضمن اتفاق شامل يتضمن جدولاً زمنياً ملزماً للانسحاب الإسرائيلي.
ويلفت الرنتاوي إلى أن مصر تلعب دوراً رئيسياً في رعاية التفاهمات، لا سيما فيما يخص إدارة معبر رفح وآليات إدخال المساعدات الإنسانية.
لكن على الجانب الفلسطيني، يشير الرنتاوي إلى غياب التوافق بين الأطراف الفلسطينية حول صيغة “اليوم التالي” بعد انتهاء الحرب، ما يعقّد المشهد ويؤثر سلباً على سير المفاوضات بشأن الصفقة.
ويلفت الرنتاوي إلى أن القيادة الفلسطينية تتمسك بحكومة الدكتور محمد مصطفى، وترفض أي مقترحات تتعلق بحكومة وفاق وطني، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق توافق داخلي قد يُسهم في تقوية الموقف الفلسطيني.
ويشير الرنتاوي إلى أن الانقسام الفلسطيني المستمر ينعكس بشكل مدمر على مسار التفاوض، معرباً عن أسفه بأن الكوارث وحرب الإبادة التي حلت بغزة لم تنجح في دفع الأطراف نحو الوحدة.
ومع ذلك، يشير الرنتاوي إلى أن هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية تحقيق صفقة قبل مجيء إدارة ترمب، حيث إن حكومة نتنياهو الفاشية تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية للوصول إلى اتفاق، لكن الرنتاوي يحذّر من إمكانية حدوث مفاجآت في اللحظات الأخيرة قد تعطل المفاوضات، لا سيما في ظل طبيعة تلك الحكومة الإسرائيلية الفاشية.
من جانب آخر، يؤكد الرنتاوي أن استدعاء قيادات من حماس إلى الدوحة وعودة قطر للعب دور الوسيط يُعد مؤشراً كبيراً على أن المحادثات قد تثمر نتائج إيجابية هذه المرة.
ومع ذلك، يحذّر الرنتاوي من أن إسرائيل قد تعود إلى التصعيد في أي لحظة، خاصة أنها تستغل الإنجازات التي حققتها على الجبهتين اللبنانية والسورية لتعزيز موقفها تجاه غزة.
وفيما يتعلق بحركة حماس في اليوم التالي بعد إبرام الاتفاق، يشير الرنتاوي إلى أنها نجحت في استعادة زمام المبادرة والقيادة، بالرغم من الضربات القاسية التي تعرضت لها، سواء في غزة أو في الخارج.
ويلفت الرنتاوي إلى أن حماس قد تشهد ترتيبات قيادية جديدة في الأشهر المقبلة، في ظل تراجع دعم إيران وحزب الله، حيث إن حماس تعمل على تعويض هذا التراجع من خلال تعزيز علاقاتها مع تركيا ودول أخرى تدعم الحركات الإسلامية في المنطقة.
ويؤكد الرنتاوي أن الدور التركي، بالرغم من اختلاف طبيعته عن الدعم الإيراني، يُشكل ثقلاً سياسياً مهماً لحماس، إلى جانب دور قطر المتنامي.
ويشير الرنتاوي إلى أن حماس تحاول بناء علاقات مع سوريا في ظل التحولات السياسية الإقليمية، حيث تسعى لاستثمار صعود الحركات الإسلامية هناك وعلاقتها بها لمحاولة تعزيز مكانتها، خاصة ان علاقتها بنظام بشار الأسد لم تحدث اختراقاً كبيراً.
ويشدد الرنتاوي على أن استمرار الحرب في غزة أصبح عبثياً، وأن كل الأطراف، بما في ذلك حماس والوسطاء الدوليون، يدركون ضرورة وضع حد لهذه الحرب.
تفاصيل عالقة تحُول دون التوصل لاتفاق شامل
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن هناك مؤشرات أولية صادرة من مختلف الأطراف بشأن اقتراب التوصل إلى صفقة محتملة تتضمن وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب الاتفاق على الخطوط العريضة لآليات المرحلة المقبلة، ومع ذلك، لا تزال بعض التفاصيل العالقة تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل، وأبرزها أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين قد تشملهم الصفقة، ونوعيتهم، إضافة إلى نطاق الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
ويشير أبو غوش إلى أن إسرائيل لا تزال مصرة على انسحاب جزئي من قطاع غزة، فيما تعمل على تكريس واقع ميداني جديد من خلال إقامة مواقع عسكرية داخل غزة، إلى جانب دعوات المستوطنين لإعادة الاستيطان داخل القطاع.
ويلفت أبو غوش إلى أن هذا النهج يعكس نوايا إسرائيلية تهدف إلى تقطيع أوصال غزة وعدم ترابطها كوحدة جغرافية متماسكة.
وفيما يتعلق بإدارة قطاع غزة، يؤكد أبو غوش أن هذه المسألة تظل إحدى أكثر القضايا تعقيداً في المفاوضات الجارية، فإسرائيل تعارض بشكل قاطع استمرار حكم حركة حماس في غزة، وهو ما يثير تساؤلات حول الجهة التي ستتولى إدارة القطاع في حال تم التوصل إلى اتفاق.
وبالرغم من أن هناك ملفات شائكة لا تزال عالقة بشأن التوصل إلى اتفاق وابرام صفقة في قطاع غزة، إلا أن أبو غوش يشير إلى أن الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة بقيادة إدارة الرئيس دونالد ترمب، تلعب دوراً مهماً في دفع إسرائيل نحو إبرام الصفقة ووقف إطلاق النار، على غرار ما حدث في الاتفاق اللبناني.
ويوضح أبو غوش أن هذه الضغوط تأتي في ظل وجود عوامل خارجية تدفع نحو تحقيق تهدئة مؤقتة والتي قد تمهد لاتفاق دائم، حيث إن الوسطاء يعوّلون على أن وقف إطلاق النار المؤقت قد يكون مدخلاً لتحقيق تهدئة شاملة ودائمة.
وحول مآلات ما بعد الاتفاق المتعلقة بحركة حماس، يوضح أبو غوش أن التقديرات تشير إلى أنه لا يمكن القضاء على الحركة، كما أن حماس لا تتمسك بالسلطة في غزة كهدف نهائي، مما يعني أنها قد تكون مستعدة للتنازل عن بعض الأدوار السلطوية والاحتفاظ بدورها كتنظيم.
الحديث هذه المرة عن صفقة يأتي في سياق مختلف عن السابق
يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الحديث هذه المرة عن صفقة تبادل أسرى في غزة يأتي في سياق مختلف عن السابق، نظراً للمتغيرات المتسارعة فلسطينياً، وإسرائيلياً، وإقليمياً ودولياً.
هذه المتغيرات، بحسب بشارات، تخلق بيئة قد تكون مهيأة للوصول إلى اتفاق تمهيدي بشأن تبادل الأسرى، لكنه يستبعد أن تكون هذه الصفقة شاملة أو نهائية.
ويشير بشارات إلى أن المؤشرات الحالية تدل على أن الصفقة المرتقبة قد تشكل مرحلة أولى في إطار أوسع يمتد زمنياً، مشابهة للتجارب السابقة كاتفاقيات لبنان، حيث يتم التوصل إلى تفاهمات أولية تعقبها فترة هدوء يتم خلالها تكثيف المفاوضات.
وهذا السيناريو، وفق تقدير بشارات، قد يفضي لاحقاً إلى رسم ملامح مرحلة سياسية جديدة، ولكنه ليس نهاية للصراع القائم.
على الجانب الإسرائيلي، يرى بشارات أن بنيامين نتنياهو قد يكون أمام فرصة لتمرير الصفقة وإقناع الجمهور الإسرائيلي، بشقيه المؤيد والمعارض، بأنها تحقق أهدافاً مرحلية، حيث ان نتنياهو يعتمد في ذلك على خطاب يؤكد استمرار الحرب لكنه يبرر “فترة التهدئة المؤقتة” باعتبارها مرحلة ضرورية لتحقيق مكاسب استراتيجية.
ويشير بشارات إلى أن هذا الخطاب يسعى لتقديم الصفقة كإنجاز يساهم في تعزيز موقف إسرائيل بعد أن استطاعت، وفقاً لزعمه، إضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية.
من ناحية المقاومة الفلسطينية، يوضح بشارات أن الظروف الحالية تدفعها لإعادة ترتيب أولوياتها، فمع استمرار الحرب واستنزاف القدرات، بات من الضروري كسر دائرة الصراع الحالية لتحقيق مكاسب بأقل الخسائر الممكنة.
هذه القناعة لدى المقاومة، بحسب بشارات، تأتي في ظل معطيات إقليمية ودولية تشير إلى أن المرحلة المقبلة قد تكون أكثر صعوبة بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولذلك، قد تضطر المقاومة إلى قبول تفاهمات لم تكن مطروحة في الماضي.
وعلى المستوى الإقليمي، يبرز دخول تركيا كوسيط في المفاوضات، حيث يشير بشارات إلى أن هذا الدور يعزز من احتمالات التوصل إلى اتفاق، إذ إن الوساطة التركية تضفي زخماً على الجهود المبذولة، وتضفي جدية أكبر على المباحثات، مما قد يسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
وفيما يتعلق بالمستوى الدولي، يؤكد بشارات أن الإدارة الأمريكية المقبلة، برئاسة دونالد ترمب، تُلقي بثقلها في هذه المرحلة لتأمين استقرار نسبي قبل تولي مهامها رسمياً، وهذا الجهد يهدف إلى تهيئة الأجواء لرؤية أمريكية شاملة للمنطقة، تتضمن تصوراً جديداً للقضية الفلسطينية.
بشارات يرى أن هذه الجهود تأتي في إطار سعي ترامب للبدء من أرضية مستقرة تُمكنه من تنفيذ سياساته المقبلة بفعالية وأن يدخل البيت الأبيض بفترة من الهدوء.
بحسب بشارات، من المبكر الحديث عن وقف شامل للحرب، لكنه يعتقد أن العودة للمواجهات مستقبلاً لن تكون بنفس النطاق الذي تشهده اليوم، فالسيناريو المطروح حالياً يتحدث عن فترة تمتد لـ60 يوماً، يتخللها انسحاب جزئي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من بعض المواقع في غزة، مع إعادة انتشارها، وهذا الوضع قد يُبقي احتمالية المواجهة قائمة، لكن بشكل محدود ومرتبط بتغيرات ميدانية.
ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل قطاع غزة
ويشير بشارات إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل قطاع غزة، الأول انسحاب إسرائيلي جزئي بحيث قد تتحول غزة إلى منطقة شبيهة بالضفة الغربية، وتستمر عمليات المقاومة وعمليات الاستهداف الإسرائيلية بشكل متبادل.
والسيناريو الثاني بحسب بشارات، هو إبرام صفقة سياسية شاملة، فقد تظهر رؤية أمريكية قائمة على انسحاب إسرائيلي كامل من غزة مقابل ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، مع منح الفلسطينيين فرصة لإقامة كيان سياسي مستقل في غزة، يتم تطويره كجزء من منظومة سياسية فلسطينية مستقبلية.
ويشير بشارات إلى أن السيناريو الثالث فهو مرحلة انتقالية طويلة الأمد قد تمتد التحولات حتى عام 2026، وهي فترة قد تشهد بلورة نظام سياسي جديد يستند إلى “صفقات سياسية” متتالية، يتم خلالها إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة.
ويرى بشارات أن الخيارات أمام حركة حماس والفلسطينيين بشكل عام أصبحت محدودة للغاية، فحركة حماس قد تضطر إلى تغيير خطابها ومنطلقاتها لتقليل حجم الخسائر والاستنزاف، وهذا التوجه يستند إلى تقييم شامل لما جرى خلال العام الماضي، مع مراعاة المتغيرات الإقليمية والدولية التي تعطي الاحتلال الإسرائيلي أفضلية نسبية في المرحلة الحالية.
ويلفت بشارات إلى أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة تحولات متسارعة، وأن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ملامح الخارطة السياسية والميدانية في المنطقة، ومع استمرار التغيرات الإقليمية والدولية، يبقى مستقبل غزة والقضية الفلسطينية مفتوحاً على سيناريوهات متعددة تعتمد على مدى قدرة الأطراف على التكيف مع الواقع الجديد.
الضغوط الخارجية تأتي بمقدمة الأسباب الدافعة لإتمام الصفقة
يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د.سعد نمر أن هناك مؤشرات قوية تدل على قرب التوصل إلى صفقة في قطاع غزة تستند إلى المقترح المصري.
ويشير نمر إلى أن هذه المرة قد تكون هناك اختلافات جوهرية عن المحاولات السابقة لإبرام الصفقة، مدفوعة بجملة من الأسباب التي تجعل من إنهاء هذا الملف أولوية ملحّة على المستويين الداخلي الإسرائيلي والدولي.
ويوضح د. نمر أن الضغوط الخارجية تأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع نحو إتمام الصفقة، وأبرز هذه الضغوط تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب التي دعا فيها إلى إنهاء الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها ملف غزة، بعد إغلاق ملف لبنان.
ويشير نمر إلى أن الإدارة الأمريكية القادمة بقيادة ترمب، ستضع تركيزها على ملفين رئيسيين: الحرب الأوكرانية-الروسية، والعلاقات مع الصين، وبالتالي، فإن أي أزمات مستمرة في الشرق الأوسط قد تعيق هذا التوجه.
ويلفت نمر إلى أن الرغبة الأمريكية في تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط تصب في إطار تحييد المنطقة عن أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذا يتطلب ضغطاً مباشراً على الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يواجه بدوره تحديات داخلية.
على الصعيد الداخلي، يلفت نمر إلى أن عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة باتت تشكّل جبهة ضغط قوية على حكومة نتنياهو، فهذه القضية، التي اكتسبت زخماً كبيراً في الرأي العام الإسرائيلي، دفعت نحو تسريع المفاوضات بشأن الصفقة.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها باتت وفقاً لنمر، تضغط على القيادة السياسية، حيث يشكو ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي من عدم وجود أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق في غزة، وتقتصر العمليات العسكرية على تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين، في حين تستنزف المقاومة الفلسطينية الجيش الإسرائيلي بشكل يومي، وهذا الاستنزاف دفع الجيش الإسرائيلي إلى الإقرار بضرورة إنهاء الوضع الراهن من خلال حل سياسي.
ويرى د. نمر أن الظروف أصبحت مواتية لإنجاز صفقة، وأن المبادرة المصرية لاقت قبولاً من الأطراف المعنية، حيث أن المفاوضات الجارية تركز على التفاصيل، وهي مرحلة حاسمة قد تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي.
وبحسب نمر، فإن أبرز ملامح الصفقة تتضمن إطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين في غزة، خاصة كبار السن والنساء والمرضى، وهدنة لمدة 60 يوماً، وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، كما تشمل الصفقة انسحاباً جزئياً من محور فيلادلفيا، وإعادة فتح المعابر، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة.
ويشير نمر إلى أن هذه الخطوة تمثل تنازلاً من حركة حماس، التي وافقت على تقسيم الصفقة إلى مرحلتين، مقابل وقف الحرب، بعدما كانت تريد الصفقة بشكل كامل وأشمل تتضمن الانسحاب الإسرائيلي من غزة.
وبالرغم من تصريحات نتنياهو التي تؤكد على حق إسرائيل باستمرار العمليات العسكرية، فإن نمر يرى أن الهدنة المتوقعة قد تتيح للوسطاء وقتاً إضافياً للتوصل إلى اتفاق شامل.
ويوضح نمر أن حركة حماس تدرك أن إدارتها لقطاع غزة لم تعد ممكنة كما كانت في السابق، خصوصاً في ظل رفض نتنياهو القاطع لاستمرار حكمها للقطاع، ويبدو أن التوافق الذي تم بين حركتي فتح وحماس حول إدارة غزة قد يمهد الطريق لتشكيل لجنة مجتمعية تشرف على إدارة الشؤون اليومية للقطاع وتكون حماس جزءاً منها.
ويؤكد نمر أن الأولوية بالنسبة لحماس خلال فترة الهدنة ستكون إعادة إعمار غزة، وتأمين المساعدات الإنسانية، خاصة في المناطق الشمالية من القطاع التي تعرضت لدمار هائل.
ويؤكد نمر أن حماس تضع نصب أعينها هدفين رئيسيين: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
تحديات كبيرة ستواجهها الأطراف المعنية بعد إبرام الصفقة
ويشير نمر إلى أن التحديات التي ستواجه الأطراف المعنية بعد إبرام الصفقة ستكون كبيرة، وتشمل هذه التحديات إعادة إعمار المناطق المدمرة، وتأمين المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
ويعتقد نمر أن نجاح الصفقة سيعتمد إلى حد كبير على قدرة الوسطاء الدوليين على ضمان تنفيذ الالتزامات من قبل الجانبين، خاصة في ظل تعقيدات التفاصيل المرتبطة بكل مرحلة من مراحل الاتفاق.
ويوضح نمر أن الصفقة، إذا تمت، قد تشكل نقطة تحول مهمة في مسار القضية الفلسطينية، لكنها ستظل رهناً بتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، وقدرة الأطراف المختلفة على تجاوز عقباتها.
غياب التقدم الفعلي يعكس رغبة نتنياهو في كسب الوقت
يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن الحديث عن صفقة تبادل أسرى في غزة يأتي في سياق ضغوط دولية وإقليمية مكثفة، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تكون في إطار المناورة لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب، وهو ما يضع الوسطاء أمام تحديات جدية.
ويشير هواش إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب تضغط على إسرائيل لتسريع إبرام الصفقة قبل تسلمها الرسمي للبيت الأبيض، فالإدارة الجمهورية المقبلة تريد أن تدخل الحكم وأن لا يبقى ملف الرهائن الإسرائيليين موجوداً ضمن سياق الحرب المستمرة في غزة.
ويلفت هواش إلى أن اتصالات مكثفة تجري بين الأطراف المعنية، إلا أن غياب التقدم الفعلي يعكس رغبة نتنياهو في كسب الوقت، فالجانب الإسرائيلي يدرك أن نتنياهو لديه سجل طويل من الكذب والمناورات والمماطلة، الأمر الذي يجعل الوسطاء يتعاملون بحذر شديد مع تصريحاته.
ويركز هواش على أن نتنياهو يدرك أن وقف الحرب قد يؤدي إلى تفكك حكومته ويفتح الباب أمام محاسبته على خلفية مسؤوليته عن إخفاق السابع من أكتوبر، ولذلك، يسعى لإطالة أمد الحرب لكسب الوقت وتجنب المحاسبة السياسية والشعبية، في ظل تصاعد الانتقادات داخل المجتمع الإسرائيلي.
وبالرغم من ذلك، يرى هواش أن مناورات نتنياهو قد تتحول إلى ضغوط من قبل الإدارة الأمريكية بقيادة ترمب تجبر نتنياهو على إبرام الصفقة رغم إرادته.
وفي حال تمت الصفقة، يرى هواش أن ذلك قد يفضي إلى تفكيك الائتلاف الحكومي في اسرائيل وإجراء انتخابات جديدة، وبالتالي فقدان نتنياهو أدوات الإفلات من المحاسبة عن الإخفاق بالسابع من أكتوبر، ومن تهم الفساد المنظورة بحقه أمام المحاكم الإسرائيلية.
وتشير التطورات بالحديث عن قرب الصفقة، وفقاً لهواش، إلى أن إدارة ترمب المقبلة تسعى لتحقيق إنجازات سريعة في الشرق الأوسط، تتماشى مع وعود ترامب بإنهاء الحرب في غزة وكذلك في أوكرانيا، لذلك، تضع واشنطن ثقلاً كبيراً على تحقيق تهدئة مرحلية قد تتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ويرى هواش أن هذه الضغوط تهدف أيضاً إلى تجنب أي توتر جديد مع وصول الإدارة إلى البيت الأبيض، حيث يمثل ملف غزة وأزمة الرهائن تحدياً أمنياً وسياسياً كبيراً.
ويرى هواش أن التحول من المناورات إلى إبرام صفقة تبادل أسرى قد يمهد لمرحلة من التهدئة المؤقتة، يمكن البناء عليها لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ومع ذلك، تبقى كل الخيارات مرهونة بقدرة الوسطاء على تجاوز عقبات نتنياهو وضمان تحقيق توافق دولي وإقليمي يدفع الأطراف نحو الحل.
ويؤكد هواش أن المعادلة معقدة، حيث يتقاطع الوضع الداخلي الإسرائيلي مع الضغوط الدولية والخيارات الفلسطينية المحدودة، ما يضع مستقبل غزة والقضية الفلسطينية أمام منعطف حاسم في المرحلة المقبلة.
ويتحدث هواش عن الخيارات المحدودة المتاحة أمام حركة حماس في ظل الحرب الحالية وتداعياتها، حيث يرى أن الحركة تواجه مأزقاً معقداً يتمثل في ضرورة التكيف مع التحولات السياسية التي قد تفرضها نتائج الحرب.
ويعتقد هواش أن أمام حركة حماس خيارين أساسيين: إما الاندماج في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بشكل يعيد ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني، أو تسليم المنظمة مسؤولية التفاوض باسم الشعب الفلسطيني بسبب رفض إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي اي دور لحركة حماس في حكم قطاع غزة بعد الحرب.
إلا أن هواش يشير إلى أن حركة حماس تسعى جاهدة لتثبيت وجودها في غزة بعد انتهاء الحرب، وهو ما يتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني ويثير تساؤلات حول خرقها لأسس النظام السياسي الفلسطيني ككل.
ويؤكد هواش أن الحرب الحالية تمثل تهديداً وجودياً لحركة حماس، حيث تواجه الحركة مسؤولة تحميلها أعباء كبيرة بسبب استمرار الحرب وتأخر التوصل إلى حلول للقضية الفلسطينية، تزامناً مع مواجهة الحركة ضغوطاً هائلة بسبب”حرب الإبادة” الإسرائيلية، وهو ما يجعل خياراتها أكثر تعقيداً وصعوبة في المرحلة المقبلة.
المتغيرات تشير لاستعداد الطرفين لقبول تهدئة وإن كانت قصيرة
يرى الكاتب والمؤرخ حسام أبو النصر، رئيس مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية، أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية قد نضجت للتوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة في قطاع غزة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة وقفاً كاملاً للحرب.
ويوضح أبو النصر أن المتغيرات الحالية، سواء من داخل إسرائيل أو من المشهد الإقليمي والدولي، تشير إلى استعداد الطرفين لقبول تهدئة، وإن كانت قصيرة الأمد.
ويشير أبو النصر إلى أن الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية، وخصوصاً من عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، يلعب دوراً محورياً في دفع بنيامين نتنياهو للتجاوب مع جهود الهدنة.
ويقول أبو النصر: “إسرائيل بعد عام كامل من الحرب المستمرة واستنزاف قواتها، كما أصبحت تواجه تحديات كبرى على الصعيد الدولي، خاصة في ظل مذكرات اعتقال تلاحق قادتها وتعاظم الانتقادات الدولية لسلوكها في قطاع غزة وجدت نفسها أمام ظروف مهيئة لابرام اتفاق هدنة”.
وفيما يتعلق بالوضع الميداني، أكد أبو النصر أن إسرائيل لن تعيد الكرة لما حدث في عام 2005 عندما انسحب ارائيل شارون من مستوطنات قطاع غزة.
ويوضح أبو النصر ان “إسرائيل تعتبر أن انسحابها السابق أدى إلى تقوية المقاومة الفلسطينية وتزايد نفوذ الفصائل المسلحة، لذا، من الصعب تصور انسحابها من محاور استراتيجية مثل محور نتساريم، الذي يقسم القطاع جغرافياً، أو محور فيلادلفيا الممتد على الحدود مع مصر”.
ويشير أبو النصر إلى أن إعادة تموضع إسرائيل حول معبر رفح قد يُفتح بشكل محدود دون انسحاب كامل من محور فيلادلفيا، وتهدف إسرائيل من خلال تواجدها العسكري إلى تقليم أظافر المقاومة من خلال استمرار العدوان وضرب البنى التحتية وتدمير 80% من القطاع.
ويرى أبو النصر أن العدوان الإسرائيلي على غزة جزء من سلسلة حروب متكررة منذ انتفاضة الأقصى، مروراً بحروب 2008، 2012، 2014، وصولاً إلى الحرب الحالية.
وعن أبرز التحديات التي تواجه نجاح أي هدنة، يقول أبو النصر: “إن هناك نقطتين أساسيتين ستحددان مصير أي اتفاق. الأولى هي التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من القطاع، وهو ما يشكل اختباراً حقيقياً لنية إسرائيل تجاه السلام، والثانية هي تنفيذ وعود إعادة الإعمار، وهو ملف فشل سابقاً بعد حرب 2014 وأدى إلى تفجر الأوضاع مجدداً”.
ويؤكد أبو النصر ان “إسرائيل أثبتت تاريخياً عدم التزامها باتفاقيات التهدئة، وهذا ما يجعل احتمال فشل أي اتفاق مستقبلي وارداً بقوة”.
ويعتقد أبو النصر أن استمرار وجود إسرائيل في قطاع غزة يعني بالضرورة استمرار المقاومة، ما يجعل تحقيق سلام دائم أمراً بعيد المنال في ظل الاستراتيجيات الحالية.
ويرى أبو النصر أن العدوان الإسرائيلي سيبقى قائماً طالما استمرت إسرائيل في تقويض أي محاولة للتوصل إلى حلول جذرية للصراع في غزة.
وفيما يتعلق بخيارات حركة حماس، يوضح أبو النصر أنها أصبحت أكثر ضيقاً مقارنة بفترات سابقة.
ويقول أبو النصر: “إن الحرب الراهنة كبّدت حركة حماس خسائر كبيرة على مستويات عدة، من فقدان قيادات ومواقع استراتيجية إلى تراجع دعم الشارع الفلسطيني، وهذه المتغيرات تجعل الحركة أقل تعنتاً في مواقفها وأكثر ميلاً لقبول حلول تتماشى مع الحد الأدنى من تطلعاتها”.
ويشير أبو النصر إلى أن سقف طموحات حماس تقلص بشكل كبير، ما يجعلها أكثر استعداداً للقبول بمشاركة محدودة في إدارة قطاع غزة من خلال لجان مشتركة، مثل لجنة الإسناد المجتمعي.
ويعتقد أبو النصر أن حركة حماس تدرك أن حكمها المنفرد لغزة لم يعد خياراً متاحاً، لكنها تسعى للبقاء كجزء من المشهد السياسي بطريقة أو بأُخرى