لإنسان المستعمر الأرض حالياً، لم يكن الوحيد الذي نزل قبل ملايين السنين عن الشجرة وانتصب على قدميه، ثم مر بأطوار تغيرت معها تركيبته الجسدية والعقلية، إلى درجة ظن معها أنه الوحيد المتميز بوعي وذكاء بين الكائنات.
قبل مليونين و500 ألف عام عاش جنس على الأرض كان منتصب القامة أيضاً، وبذكاء “بشري” أوصله حتى إلى دفن موتاه، ولا رابط تحدريا بينه وبين سلالات قديمة للإنسان الحالي، بل كان سلالة بذاتها ولذاتها، وغير معروفة قبل الآن، وعظامها التي اكتشفوها في سبتمبر 2013 بأحد الكهوف، هي هزيمة وانتكاسة لزعم البشر بتفردهم عن بقية الكائنات بالذكاء، وهو ما تم الإعلان عنه اليوم الخميس.
حفريات قام بها علماء جيولوجيون وفي “علم الإنسان” والسلالات، أدت إلى العثور على 1500 قطعة متنوعة من العظام في كهف عميق، قرب موقعين موصوفة محتوياتهما من العظام بأنها “كنوز دفينة” للعلم، بعيدة 50 كيلومتراً عن مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، وزودت العلم طوال عقود بما ساهم في فك لغز نشوء الإنسان وتطوره.
والعظام التي عثروا عليها في تلك المنطقة تؤكد عيش “جنس جديد شبيه بالبشر” على الأرض، طبقاً للوارد وصفه بدورية علمية، أطلق فيها العلماء اسم “هومو ناليدي” أو ما ترجمته “النجم الصاعد” بلغة السيسوثو الجنوب إفريقيين على الكائنات التي عثروا على بقاياها العظمية في كهف “رايزنغ ستار” الواقع في واد “يزخر بالكثير من كنوز القارة الإفريقية” على حد ما طالعت “العربية.نت” مما قاله العالم “لي بيرغر” وهو من معهد دراسات التطور بجامعة Witwatersrand في جوهانسبرغ.
“مخه كبير ويعتبر نفسه منفصلاً عن الحيوانات”
بيرغر مشارك رئيسي مع فريق من علماء مختصين بعلم السلالات البشرية، وأكد عبر ما تم العثور عليه في الكهف من عظام، أن هذا الجنس الجديد كان يدفن موتاه، وهو ما كان مقتصراً على البشر من دون غيرهم، طبقاً لما كان يعتقده خبراء “علم الإنسان” في السابق. وما تم العثور عليه من قطع عظمية هو أضخم مجموعة منفردة من حفريات البشر وأشباه البشر يتم اكتشافها، وتعود إلى 15 فرداً من الصغار والكبار بالسن، من دون العثور على أنواع أخرى من العظام معهم، أي أن الكهف كان يضمهم وحدهم.
كما أن العظام التي تم اكتشافها في كهف “رايزنغ ستار” خالية من أي آثار لمخالب أو أسنان، وهو ما يوحي بأنها تخص كائنات مفترسة أخرى كانت تدفن ما تصطاده من لحوم في الموقع، لذلك أكد البروفسور بيرغر فيما نقلته وكالة “رويترز” عن لسانه أن Homo naledi كان يدفن جثث موتاه “على نسق متكرر”، معتبراً أن هذا الاكتشاف يعني أن “ذلك الكائن يعتبر نفسه منفصلاً ومتميزاً عن الحيوانات الأخرى في البرية” كما قال.
استبعد أيضاً لجوء “هومو ناليدي” إلى إخفاء لحوم ما كان يصطاده من الحيوانات في جوف الأرض، لتكون بمنأى عن المفترسات التي تنبش في الفضلات، وقال: “كان يدفن موتاه فقط (..) لديه مخ أكبر قليلاً من مخ الشمبانزي، لكن عمره لا يزال لغزاً” مع أن فريق العلماء لاحظ أن هيئته الخارجية الظاهرية، بعد “إنتاج” وجهه الذي تنشر “العربية.نت” صورته، مع صور أخرى نقلتها الوكالة عن دورية eLife المنشورة فيها تفاصيل الكشف الجديد، يدل على أن زمنه يعود إلى ما يزيد عن مليونين و500 ألف عام تقريباً.
جاؤوا إلى الكهف في وقت واحد وفي مدة واحدة
وأوردت صحيفة “التايمز” البريطانية في موقعها الخميس، مزيداً من الشرح عما قالت إنه “قريب للإنسان، لم يكن معروفاً للعلم سابقاً”، وأن اكتشاف بقاياه العظمية يضيف ألغازاً جديدة، لأن العظام توحي بأنه “كان على درجة من الوعي واحترام للميت” وأن اكتشاف العظام تم عند عمق 100 متر من الكهف، وهي لأفراد شبيهي الهيئة بالبشر، وبأيادٍ وأقدام شبيهة أيضاٍ بأيادي البشر وأقدامهم، علماٍ أن “العربية.نت” قرأت في موقع الجامعة التابع لها الفريق العلمي، أن ذلك الكائن كان يتشبث بأغصان الشجر كثيراٍ، يؤكد ذلك انحناء كل عظام الأصابع المكتشفة.
كذلك أكد جيولوجيون أجروا أبحاثاً على الكهف أنه لم يسبق وتعرض للضوء قبل اكتشاف العظام فيه منذ عامين، استبعاداً منهم إلى أن محتوياته العظمية تم نقلها إليه من موقع آخر، فيما ذكر العالم بيرغر أن من كانوا يعيشون فيه بالماضي السحيق “جاؤوا إليه في وقت واحد وفي مدة واحدة”، وفق تأكيده عن كائن انتشر خبر اكتشاف عظامه بارزاً في معظم وسائل الإعلام العالمية الخميس، وسيتم التعرف إلى مزيد من المعلومات بشأنه قريباً.