مئة عام على تأسيس لبنان الكبير الغارق في الحزن وأزمة وجودية

31 أغسطس 2020آخر تحديث :
مئة عام على تأسيس لبنان الكبير الغارق في الحزن وأزمة وجودية

يحيي لبنان، غداً الثلاثاء، المئوية الأولى لتأسيسه بينما يلملم جراحه منذ انفجار بيروت المروّع ويرزح مواطنوه تحت ثقل أزمة اقتصادية غير مسبوقة ونظام سياسي أثبت فشله ومخاوف على وجود الوطن الصغير المتعدّد الطوائف.

وتغيب الاحتفالات الرسمية في المناسبة، وقد ألغيت بعد “سنة من الأزمات غير المسبوقة والكوارث”، وفق ما قال الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد، بينما يزرع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يصل بيروت مساء، شجرة أرز في غابة شمال بيروت غدا، استذكارا لإعلان المندوب السامي للانتداب الفرنسي الجنرال هنري غورو في الأول من أيلول عام 1920، إنشاء دولة لبنان الكبير من قصر الصنوبر.

في هذا المبنى التاريخي الذي لا يزال مقرّ إقامة السفير الفرنسي في بيروت، يجمع ماكرون الثلاثاء ممثلي الطبقة السياسية المتمسّكة بامتيازاتها والمتهمة بالفساد، لحثّها مجدداً على إنقاذ البلاد عبر إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ملحة.

وتقول روز غلام (87 عاماً)، السيدة التي تصدّرت وسائل الاعلام بعد رفضها مغادرة بيتها المدمّر جزئيا في انفجار المرفأ في الرابع من آب، لوكالة فرانس برس “إنها أكبر أزمة يعيشها لبنان. حتى إنها أسوأ من الحرب”.

وتضيف المدرّسة المتقاعدة التي ولدت خلال الانتداب الفرنسي على لبنان باللغة الفرنسية “قادتنا غير واعين وليسوا صادقين. كيف بإمكانهم أن يعيدوا بناء منازلنا؟ يجب تغييرهم جميعاً”.

ويشكّل انفجار المرفأ الذي أوقع 188 قتيلاً على الأقل وأكثر من 6500 مصاب، عدا عن تضرر أحياء عدة في العاصمة، نقطة تحوّل بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين الناقمين على الطبقة السياسية والذين يطالبون برحيلها منذ تشرين الأول.

وعزت السلطات الانفجار إلى حريق وسط كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة منذ أكثر من ست سنوات في المرفأ، بعلم مسؤولين على مستويات عدةّ، ما وضعهم في دائرة الاتهام من لبنانيين مصرين على محاسبتهم على الإهمال والفساد.

وجراء الانقسامات السياسية وطبيعة النظام القائم على المحاصصة ومنطق التسويات، لم تتمكّن السلطات المتعاقبة من بناء دولة قانون ومؤسسات فعليّة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي كريم المفتي لفرانس برس “اليوم، وصل النظام السياسي إلى نهايته. يردّد الجميع إنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو، بما في ذلك اللاعبون الفاعلون سياسياً، لكنهم محاصرون. يعمل النظام كمصيدة فئران علق فيها الجميع”.

وإذا كانت البلاد عرفت عصرها الذهبي خلال الستينات، إلا أنّ تاريخ هذا البلد الصغير عبارة عن أزمات متلاحقة تفصل بينها حروب أهلية وتوترات طائفية. وجاء الانهيار الاقتصادي الأخير ليشكّل أسوأ الأزمات، فهدد وجود الطبقة الوسطى وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

ويعتبر المفتي الذي يستبعد احتمال نشوب حرب أهلية، لكنه يخشى من “تفكّك البنى التحتية”، أنه “تم بلوغ نقطة الانهيار”.

وفي أساس الانهيار هذا النظام السياسي التشاركي القائم على توزيع السلطة بين الطوائف، وهي صيغة متوارثة من الحقبة العثمانية.

ونصّ اتفاق الطائف الذي تمّ التوصل إليه في 1989 ووضع حدّا لاحقا للحرب الأهلية، على إلغاء الطائفية السياسية، لكن كثيرا من التسويات التي تضمنها، بالإضافة الى الممارسة الفعلية، رسخّت نفوذ الزعماء الطائفيين.

وكان الميثاق الوطني الذي اعتمد مع استقلال لبنان في عام 1943، نص على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً مارونياً، ورئيس الحكومة مسلماً سنياً، ورئيس البرلمان مسلماً شيعياً. لكن تنفيذ اتفاق الطائف الذي نصّ على المناصفة في المجلس النيابي بين المسيحيين والمسلمين، عمّق نظام توزيع المناصب على الطوائف وأصبح يشمل كافة الوظائف في الدولة.

وأدت الصيغة التوافقية إلى شلل الدولة. إذ لم يعد ممكناً تعيين أي موظف في منصب عال أو اتخاذ أي قرار لا يحظى بموافقة ممثلي المكونات الطائفية الرئيسية.

وعلى غرار تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأسبوع الماضي، يرى المفتي أن “لبنان مهدد بالاختفاء”.

ولطالما شكّل البلد الصغير صندوق بريد خلال الصراعات الإقليمية، وآخرها المواجهات بين إيران الداعمة الرئيسية لحزب الله، والولايات المتحدة وإسرائيل.

وتقول الباحثة والمؤرخة ديما دو كليرك، “لطالما كانت التدخلات الأجنبية موجودة، وتعزّزت ثقافة المحسوبيات”. وتضيف “لسنا شعباً موحّداً وغالباً ما احتجنا إلى عراب خارجي لقتال العدو في الداخل”.

ويظهر التاريخ، وفق دو كليرك، “غياب ذاكرة جماعية وطنية لصالح ذكريات تحملها مختلف المجموعات الطائفية”، وهو ما يفسّر “عدم وجود كتاب تاريخ موحّد” ، فيما لكل مجموعة روايتها الخاصة عن الأحداث المفصلية الكبرى في تاريخ البلاد المعاصر.

وبدا في تشرين الأول، أن التظاهرات التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية مجتمعة، تشكّل نقطة بداية جديدة بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين. وقد غذّت شعوراً وطنياً عاماً عابراً للطوائف والمناطق.

ويرى المفتي أنّ “ما يجب إرساؤه اليوم هو عقد اجتماعي جديد، لكن أحداً لا يملك مفاتيحه، لا القوى السياسية ولا مختلف مجموعات المعارضة ولا حتى المجتمع الدولي”.

وكتبت رئيسة التحرير المشاركة في صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية إيميلي سويور، “بقيت بضع دقائق قبل منتصف ليل نهاية لبنان، لكن منتصف الليل لم يحن بعد”.