الأديب والأدب الفلسطيني الهُوية والأبعاد

28 سبتمبر 2018آخر تحديث :
             الأديب والأدب الفلسطيني الهُوية والأبعاد
             الأديب والأدب الفلسطيني الهُوية والأبعاد

 

د. زياد غانم بني شمسه أستاذ الأدب والنقد/  عضو جمعية النقاد الفلسطينيين

الطالبة: شهد أبو شخيدم باحثة أكاديمية

جامعة بيت لحم

تطرح المقالة العلمية تساؤلا نقديا مفاده: من هو الأديب الفلسطيني حقا؟ وما هي هُوية الأدب الفلسطيني؟ ولماذا علينا تحديد هُوية هذا الأدب والأديب معا؟ وهل هناك معايير نستطيع اتباعها لتحديد أبعاد هُوية الأدب والأديب؟ أم علينا أن نُصنّف كل ما كُتب عن فلسطين وقضيتها انتماءً أو حزبيّةً أو خيانة ضمن الأدب الفلسطيني؟ وهل كل مَن دافع عنها أو ساوم عليها و تهاون بقضيتها يعدّ أديبًا فلسطينيًا على السواء ؟

في ظلّ المخاض الثوريّ الكبير للشعب الفلسطيني لتحقيق عدالته؛ تتولد أيدلوجيات مختلفة لمسيرة التحرير، وتنقسم الذات الفلسطينية على نفسها؛ فمنهم من يؤيدها (من البحر إلى النهر) ومنهم يؤمن بقاعدة (الوطنية والتحرير)، وآخرون يؤمنون بالقوميّة العربيّة ذراعًا للتحرير؛ كل هذه التمثلات  انعكست بظلالها على الأدب (جغرافًيا وأيدلوجيًا ولغويًا وموضوعيًا)، وتولدت لدينا تساؤلات مَن هو الأديب الفلسطيني؟ وما هو الأدب الفلسطيني ؟ هل مَن وقف معها أم ضدها ، أو مَن تحدّث بِلغتها أو عبرّ عنها بلغاتٍ أخرى يُعدّ أدبًا فلسطينيًا أو أديبًا فلسطينيًا ؟

دعونا نقف مع الحركة النقدية الفلسطينية (د. سلمى الجيوسيّ “الموسوعة الفلسطينية” ,       ود. عادل الأسطة ” سؤال الهوية: فلسطينية الأدب والأديب” ، والأديب غسان كنفاني “الأدب المقاوم”)التي اتخذت معايير عدة لتحديد أبعاد هوية الأدب والأديب الفلسطيني.

لنقف men’s health viagra. أولاً مع المعيار الأيديولوجي : هو النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الذي يؤمن به الكاتب والتي تُحدد السلوك السياسي والاجتماعي ومِن خلاله تبرز رؤيته لمفهوم القضية  الفلسطينية؛ فاختلفت الأفكار وتعددت الرؤى والطموحات.

  1. فمنهم مَنْ آمن بالفكر الإسلامي(الصراعُ صراع عقيدة) : ففلسطين في أيدلوجيتهم النضاليّة جزء لا يتجزأ من الديار الإسلامية التي لا يقرر الفلسطينيون وحدهم مصيرها وهي من البحر إلى النهر- التي تغيرت  وتماهت مع متغيرات العصر ومتطلبات المرحلة-  وانعكس هذا الفكر الإسلامي على أدبهم فأنتجوا أدبًا إسلاميًّا كما يقول مأمون جرّار : ( الأدب يُمكن أن يتصف بأنّه أدبٌ إسلاميٌ إذا صدرَ عن أديب إسلامي، فهناك فرق بين الأدب الإسلاميّ وبين الأدب الإنسانيّ).
  2. ومنهم مَنْ آمن بالفكر الماركسي (الصراعُ صراعٌ طبقيّ ) بين الاشتراكيّة والرأسماليّة والبرجوازيّة والطبقات الكادحة، ففكرهم محوره الكدح الاجتماعي أمثال: الثائر الأديب غسان كنفاني في روايته وقصصه من مثل رواية رجال في الشمس حيث أنّ معظم الشخصيات كادحة عاملة، ورواية أم سعد العاملة الكادحة التي زرعت عرق دالية ناشف، ثم أورق ثورة في نهاية الرواية، فأنتجوا أدباً ماركسيّاً أو صفته “الأدب اليساري” عند النُقّاد.
  3. منهم مَنْ آمن بالفكر القومي (الصراع صراع عربيّ_صهيونيّ) بحيث يؤمن هؤلاء القوميون بالعروبة كعقيدة؛ أي أنّ الصراع الفلسطيني صراع لا يتجزأ من القومية العربية، ونظروا إلى فلسطين على أنّها عروبية الأصل والنخاع، كما مثّلها الشاعر محمود درويش في بعض مراحله الشعرية فآمن بقوميته العربيّة “سجّل أنا عربي.. ورقم بطاقتي خمسونَ ألف “، وسميح القاسم في “سربيّة الصحراء” رغم ما حدث بعد ذلك من انقلاب على القوميّة العربيّة .

ومن هُنا نتساءل أين ندرج أدب هؤلاء؟ هل تحت الأدب الفلسطيني أم كلّ حسب أيدلوجيّته أدب إسلاميّ، أدب شيوعيّ، أم أدب  قومي عربيّ؟

ثانياً- المعيار الموضوعي : هل كل ما كُتب عن موضوع  فلسطين يُصنّف ضمن الأدب الفلسطيني ؟ فهناك من كَتب عن انتمائه الوطني، ومنهم من كَتب عن فلسطين بروح الخيانة، وطائفة من الأدباء كتبوا بروح السلام والتعايش كما عكس ذلك اسحق موسى في روايته (مذكرات دجاجة)وهي رواية رمزية التي يبيّن فيها أنّ الدجاجة  مسالمة  ابتعدت في أوج المقاومة  في الوقت الذي اجتاح فيه اليهود البلاد العباد، وتدعو الداجة إلى الحكمة والتعقل  أو كما قال طه حسين: “أنّها دجاجة عاقلة جدّ عاقلة”، وهناك من أدباء عرب ليسوا فلسطينيين كتبوا بروح الانتماء وعبروا عن آمال وآلام الشعب الفلسطيني مثل وديع البستاني لبناني الأصل والمنشأ الذي أطلق ديوانًا بعنوان (فلسطينيات) الذي أودع وجعه العربي وهواجسه القومية في خمس وأربعين قصيدة، وفي الطرف الآخر  أدباء غرب (أجانب الجنسيّة) ناصروا القضية الفلسطينية من خلال أدبهم وكتاباتهم مثل : وول سوينكا النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1986  الذي طالب بمقاطعة إسرائيل بعد زيارته للقدس ومعايشته لمعاناة الفلسطينيين الذين يتجرعون يوميًا من كأس الإذلال والمعاناة والتشريد .

المفارقة الكبرى في الموضوع أن الكاتب الفلسطيني عطا االله منصور يكتب روايته “وبقيت سميرة ”  يرسخ فيها نموذج بطل عربي فلسطيني منهزم ويقابله اليهودي الحضاري السامي.

في الوقت ذاته يكتب  الكاتب  جان جينيه الفرنسي المنشأ والهوية روايته ” أسير عاشق “، يتعاطف مع اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم العادلة عند زار مخيم اللجوء في الأردن. وهنا حق لنا  نتساءل : ” أيهما أكثر فلسطينية عطا الله منصور الفلسطيني أم جان جنيه الفرنسي؟ ومن حيث الموضوع أيهما يعد أدبا فلسطينيا بحق ؟

ثالثاً: المعيار الجغرافي : إذا ما نظرنا إلى فلسطين قبل نكبة عام 1948 نجد أنّها موطن لأبنائها جميعا، ومَن خرج منها يكن ذلك طوعًا لا قسرًا، فكل مَن كتب في تلك الآونة أنتج أدبه داخل حدود وطنه مثل : إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود الذين نشروا نتاجهم الأدبي في أرض الوطن ، ولكن بعد نكبة 1948 أصبح الأمر مختلفًا فهناك من الأدباء من هُجرّوا وشرّدوا من أرضهم ومنهم من ولدوا في مخيمات الشتات فنشروا ما كتبوه من أدب خارج الوطن أي في المنفى وهذا أدى إلى  ظهور ما يسمى بـــــ (أدب المنفى ) الأدباء والشعراء الذين اعتبروا فلسطين وطنًا روحيًا فكتبوا عنها وهم في المنفى مصورين معاناتهم في الغربة ، حنينهم وشوقهم لأهلهم ووطنهم وتصويرهم لأحداث نكبة عام 1948 معتمدين على رواية الآباء والأجداد فسميرة عزام وُلدت في عكا ونشرت أدبها وهي في المنفى ، وتوالت الانقسامات المكانية بعد عام 1967 في فلسطين إلى يومنا هذا فنجد  في ظل الانقسام السياسي أدبا له صفتان، الأدب الفلسطيني  في الضفة وأدب في القطاع  على الرغم أن كلاهما يصبّان في القضية  نفسها، ويتجرعان المرارة ذاتها.

رابعاً:المعيار اللغوي : إذا اعتمدنا معيار اللغة( اللغة العربية )على اعتبار أنها لغة أهل فلسطين الرسميّة في تحديد أبعاد هوية الأدب والأديب الفلسطيني، فأين سندرج نصوص الأدباء الذين كتبوا بلغات مغايرة مثل اللغة الإنجليزية والعبرية والفرنسية ، فهناك الأديب أنطون شمّاس كتب  روايته (أرض مشاع) بالعبرية ، والشاعر الفلسطيني نعيم عرايدي نشر ديوانه بالعبرية (كيف يمكن أن نحب؟) وقد حاز على جائزة رئيس الوزراء للأدباء العبريين عام2008 , وإبراهيم الصوص كتب روايته (بعيداً عن القدس ) باللغة الفرنسية ، وهناك الكاتبة الفلسطينية غادة الكرميّ كتبت مذكراتها (البحث عن فاطمة)،(عودة مذكرات فلسطينية)باللغة الإنجليزية أيضا  فأين ندرج أدب هؤلاء اعتمادا على معيار اللغة؟ هل ندرجها ضمن الأدب العبري أم الفرنسي؟  أم الإنجليزي  إذا اعتبرنا اللغة معيارًا لتحديد الهوية ؟

وفي نهاية المطاف كلّ هذه المعايير منفردة لا تسعفنا في تحديد هُوية الأدب والأديب الفلسطينيّ، ولكننا نقول علينا أن نُفرّق بين الأدب الفلسطيني، وأدب القضية الفلسطينيّة، وأدب المقاومة، فكلّ ما كُتب عن فلسطين هو أدب قضيّة، وجلّ من جعل فلسطين ريشته هو أديبٌ فلسطيني، أما مَنْ حَمل القلم والسلاح هو أديب المقاومة أكثرها عمقاً والتزامًا بالحق والعدالة ،  ورحم شاعر المقاومة والوطن توفيق زيّاد :

مثلما كُنتَ ستبقى يا وطني

حاضراً في ورق الدّفلى ،

وعطرِ الياسمين

حاضراً في التينِ ، والزيتون ،

في طورِ سنين..  ..

***  ***  ***

وفي كلّ كتابٍ

في المواويل التي

تصل الأرض

بأطراف السحاب

في أغاني المخلصين

وشفاه الضارعين

ودموعِ الفقراء البائسين

في القلوبِ الخضر ،

والأضلع ،

في كل العيون ..