بقلم: إبراهيم غرايبة
لم تعد تصلح إستراتيجيات الخوف لإدارة وتنظيم المجتمعات وكذا الأزمات، أو في عبارة أصح، فإن تحويل الخوف إلى سياسات من الوصاية وتغييب المشاركة والمساواة يزيد الأزمة سوءا بل هو أسوأ من الأزمة، لم تكن الحكومة قبل الأزمة قادرة على إدارة الخدمات الأساسية بكفاءة ونزاهة، وبطبيعة الحال فإنها في ظل الأزمة أكثر عجزا وفشلا، وليس أقل في ظل هذا العجز من إطلاق حالة من المشاركة الشاملة بين المواطنين والإدارات المحلية وإعادة تنظيم الأحياء والبلدات لتتمكن ذاتيا من تدبير التعليم والصحة والتموين على الأقل في حدها الأساسي، وأن تدع المواطنين يتحركون لأجل أعمالهم ومصالحهم وتدبير إعالة أنفسهم وأسرهم
. فالحكومة أعجز من أن تتولى أو حتى مساعدة المواطنين في ذلك. يكفي الحكومة أن تحمي الأمن والقانون وتمنع التجمهر والاحتكار والإفراط في الشراء والتخزين، وأن تحسن كفاءة المراكز والمستشفيات والفرق الطبية، وتحشد جميع الأطباء والممرضين، وتنسق مع المراكز والفرق الطبية في المحافظات والبلدات، وليس عيبا أن تكون المؤسسات والفرق العاملة أقل من التحدي، لكن العيب ألا نعمل بأقصى طاقتنا وبحسن نية. يؤدي إغلاق المدارس والجامعات وقسم كبير من المؤسسات الحكومية والمؤسسات المستقلة، وسياسات منع التجمهر في المناسبات والمؤسسات الاجتماعية والدينية وفي المولات ومراكز التسوق، وتقييد السفر خارج البلاد والانتقال من مدينة إلى أخرى إلى تخفيض فرص الاختلاط والزحام ونقل الوباء، وليس مطلوبا أكثر من ذلك، لأنه من الواضح أن سياسات “التصريح” لم تجعل الحظر فاعلا وكافيا.
فإذا افترضنا أن السيارات التي تتحرك في الشوارع مصرح لها بذلك فهي كثيرة وكثيفة الى درجة لن يزيد عليها كثيرا أن يسمح لأصحاب الأعمال والمصالح أن يتحركوا لكسب رزقهم. ويبدو واضحا أن جميع أصحاب الأعمال والمهن يرغبون في استئناف أعمالهم، ويطالبون بشمولهم في السماح بالعمل والتحرك، وهم بطبيعة الحال مواطنون عاقلون من حقهم أن يدركوا ويميزوا مصالحهم ويتحملوا أيضا المسؤولية عن الخطر. نتفق أن أفعالا كثيرة اختيارية هي ضد المصلحة الذاتية كما العامة، وأن كثيرا من الأفراد والجماعات لا تميز الخطر والضرورات أو تعرفها ولا تتصرف بموجب معرفتها، وهنا يكون دور تطبيق القانون، ذلك أنه لا مفر من مواجهة الذات وتحمل المخاطر والمسؤوليات، لأنه لا يمكن (إذا كان مقبولا) الحجر على جميع الناس ومنعهم من العمل والخروج، والوصاية عليهم، فالمواطنون جميعهم شركاء في هذا الوطن وفي المسؤولية العامة، وهم ابتداء مصدر السلطة، عدا عن الحاجة والضرورة برغم الأخطاء الممكن وقوعها إلى أن يخرج الناس إلى أعمالهم وأن يحرروا من الوصاية، وبخاصة أن فكرة التصاريح لم تحل المشكلة تماما، وأضافت امتيازات جديدة لفئة من الناس، وأنشأت استثمارات جديدة غير مشروعة.
وإذا أضفنا إلى الخروج (المفترض أنه لعمل ضروري) ما يجري ويشاهد علنا وعلى نطاق واسع من إساءة استخدام للتصاريح من سلوك غير اجتماعي في القيادة واستخدام ترفيهي وطائش منفر، فإن قضية التصاريح تحولت إلى انقسام اجتماعي يزيد الأزمة سوءا، إذ يكاد ينقسم المواطنون إلى طبقتين: المصرح لهم بالتحرك “التصارحة” وغير المصرح لهم الــ “بدون”، ويكاد ينتج (يعارض) راكبو السيارات المليئة بالأطفال والكلاب والضجيج المقصود للـ “بدون” مقولة جرير: فغض الطرف إنك من بدونٍ فلا تصريح معاكَ ولا كماما.
عن ” الغد” الأردنية