التطبيع مع إسرائيل جريمة قومية يعاقب عليها التاريخ

3 يونيو 2020آخر تحديث :
التطبيع مع إسرائيل جريمة قومية يعاقب عليها التاريخ
التطبيع مع إسرائيل جريمة قومية يعاقب عليها التاريخ

بقلم: الدكتور محمد صالح المسفر

استأذن سيبويه الأحوازي، الذي يعتبر مرجع “النحاة” العرب في أن أجتهد وأضع بعض المصطلحات العربية المستخدمة عند أهل الخليج، وهنا يقول أهل الخليج “طبع المركب” أي غطس وابتلعته أمواج البحر، ويقولون “طبّع فلان مركب فلان” أي أغرقه، من هذا أقول: طبّع بعض الحكام العرب مع إسرائيل أي أنهم أسقطوا بلادهم وأنظمتهم في مياه صهيونية آسنة لن يستطيعوا الخروج منها سالمين.

أسوق نماذج من القادة العرب الذين “طبّعوا” مع إسرائيل كي يعتبر الجيل النفطي مما آل إليه أولئك الحكام، أنور السادات إمام المطبعين العرب، لأنه طبّع مع الكيان الصهيوني وقتل شر قتلة من أبناء الجيش المصري العظيم، الذي يأبى التطبيع مع ذلك الكيان المنبوذ عالمياً باستثناء أمريكا، وجاء من بعده حسني مبارك وبالغ في التطبيع مع ذلك الكيان، وكانت خاتمته شر خاتمة جرجر من زنزانة إلى زنزانة أخرى وهو على سرير الموت سواء كان تمثيلاً أم حقيقة لكن كانت نهايته سجيناً.

صحيح أنه سجين بلا أغلال وسلاسل لكنه سجين ولو كان في قصر من ذهب، فهيبته سقطت، والمنافقون والمطبلون من حوله انفضوا ولم يبق حوله غير حرس السجن. والملك حسين رحمه الله مات وهو مكلوم، والملك فهد آل سعود صاحب المبادرة الأولى التي قدمت في مؤتمر قمة الرباط في ثمانينيات القرن الماضي بقي طريح الفراش لا يستطيع الحراك وبقي حياً ميتاً حيناً من الدهر، الرئيس اللبناني بشير الجميل المطبع مع شارون الصهيوني صاحب مجازر صبرا وشاتيلا واحتلال بيروت عاصمة لبنان كانت نهايته شر نهاية، أفلا تتعظون يا معشر المطبعين؟!.

يتدافع عرب النفط في الرياض وأبوظبي والمنامة في سباق محتدم نحو التطبيع مع إسرائيل ينشدون ودها وعونها على التجسس على مواطني دولهم في الداخل والخارج، ويحسبون أنهم بعيدون عن التجسس الإسرائيلي عليهم وعلى ما يفعلون، إنهم يفعلون ذلك لتقربهم إسرائيل من قلب الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب كي تحميهم من غضب الأمة عليهم، ويقيني أنهم “تلك القيادات” لا تعلم عن الإدارة الأمريكية والنظام الإداري والسياسي هناك شيئاً، إنهم يعتقدون أنه بالتقرب إلى الرئيس و”الجوقة” المصغرة من حوله وتقديم أغلى الهدايا لهم يستطيعون أن يحققوا أهدافهم في دولهم دون رقيب.

ونقول ان الإدارة الأمريكية ليست ثابتة إنها متغيرة كل أربع سنوات، الرئيس ليس أبدياً والكونغرس متغير أيضاً ومصالح الأمة والناخبين هي التي ترسم السياسة الأمريكية، إن اعتمادكم على أمريكا لحمايتكم واستمراركم في الحكم لن يكون مجدياً إلى الأبد، إن استمراركم في الحكم يعتمد على ما تقدمون لشعوبكم وضمان حقوقهم (في المشاركة السياسية، وتمتعهم بحرية الرأي، ومعرفة طرائق إنفاق المال العام، وغير ذلك). إن دولة دخلها سنوياً من البترول فقط 365 مليار دولار لا تٌعرف أوجه إنفاقها تعتبر جريمة وطنية يستوجب الأمر مساءلة النظام.

الأمير محمد بن سلمان آل سعود قال لصهيوني أمريكي متفاخراً إن مربيته في طفولته كانت يهودية، وأذيع ذلك الخبر في وسائل الإعلام الغربي، ولقد شجع الأمير محمد أو غض الطرف عن كل من يهاجم الفلسطينيين ويمتدح الإسرائيليين من السعوديين بل وشجع زيارة إسرائيل، وكان الشاهد على ذلك الإسرائيلي الذي زار المدينة المنورة ودخل إلى جوار قبر رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وهو يردد هنا كان أجدادي.

بماذا سيرد الأمير محمد على جده الملك عبدالعزيز القائل: “لو قلت لكم إن هناك ذرة واحدة في جسدي لا تدعوني إلى قتال اليهود، لكنت أكذب، لو ذهبت كل أملاكي وتوقف نسلي لكان أسهل عليّ من أن أرى موطئ قدم لليهود في فلسطين” (التويجري، لسراة الليل هتف الصباح، ص 584) ماذا سيقول الأمير محمد لجده القائل: “اليهود أعدائي أينما كانوا، وفي كل بقعة دخلوها أدخلوا معهم فسادهم وعملوا ضد مصالحنا” (التويجري، ص587) الملك عبدالعزيز رحمه الله قال لعبدالرحمن عزام “إنه سوف يشرفه أن يموت في ميدان القتال كشهيد لحق فلسطين العربية” (المرجع السابق، 588).. يا سمو الأمير محمد إن التطبيع مع إسرائيل هو نهاية الحقبة السعودية الثالثة، فلا تضيع مجداً بناه جدك وأعمامك من قبلك من أجل وصولك إلى كرسي القيادة.. صفحتك ليست ناصعة البياض، من حرب في اليمن، وحصار قطر، والتطبيع مع الصهاينة، وإجبار رئيس وزراء لبنان الحريري على الاستقالة وهو ضيفك، وقتل خاشقجي في سفارة بلادك، واستعداء كل من كان يمكن أن يكون سنداً لك وأولهم تركيا، ومعاداة الفلسطينيين وسجنهم عندك لأنهم كانوا يجمعون تبرعات لأهل فلسطين، ووالدكم الملك سلمان هو رئيس لجنة جمع التبرعات لهم، والإنجليز والفرنسيون والروس يبتزونكم من أجل بيع إنتاجهم من السلاح.

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، طموحك يا سمو الشيخ محمد لن يتحقق بالتطبيع مع إسرائيل ولا بمطاردتك للإسلاميين والليبراليين والقوميين والعلمانيين في كل أصقاع الوطن العربي، ماذا تريد في ليبيا وتونس والسودان في قارة أفريقيا؟،

اليمنيون يا شيخ محمد عجزت الامبراطورية العثمانية عن إخضاعهم، وكذلك بريطانيا العظمى، نصيحتي اترك اليمن لأهل اليمن وكذلك ليبيا ولا تستمر في معاداة جوارك فهم سندك عند الشدائد، لا يغرنك كثر المال بين يديك، ولا يحمل الحقد من تعلو به الرتب، والدكم الشيخ زايد رحمه الله “حذر من خطر إسرائيل على أمن الخليج العربي” وقال “لا بد أن يوضع حد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني” (خطاب زايد في قمة مسقط 2001 الذي ألقاه نيابة عنه الشيخ مكتوم)، أما البحرين فلا عتب عليها لأنها تابعة.

آخر القول: التطبيع العربي مع إسرائيل خيانة عظمى وجريمة لا تغتفر.

عن “الشرق” القطرية