حتى لا ينقلب التشدد إلى ضده

24 أبريل 2020آخر تحديث :
حتى لا ينقلب التشدد إلى ضده
حتى لا ينقلب التشدد إلى ضده

بقلم: ماجد توبة

إن كانت الحكومة قد حصلت على درجة جيد جدا أو ممتاز في إدارتها لأزمة السيطرة على العدوى بفيروس الكورونا ومحاصرته والحد من انتشاره فإن الواضح أنها تتعثر وتتخبط في إدارتها اليوم لمرحلة التعافي العامة والعودة للحياة الطبيعية، حيث تشعر أنها اعتادت التشدد بالإجراءات الذي كان محمودا في مرحلة ما بالأزمة، فيما لا تملك الآن عقلية مرنة وعملية تدير بها مرحلة إعادة الحياة لمسارها تدريجيا.

قد لا تكون هذه خطيئة للحكومة بل مجرد أخطاء في الاجتهاد، فالأزمة التي نتجت عن انتشار وباء الكورونا المستجد قد أربكت معظم دول العالم حيث لا خبرة سابقة في الاشتباك مع وباء خطير حلّ مفاجئا وعبر بسرعة فائقة الحدود والمجتمعات حول العالم وضرب بقوة الأنظمة الصحية والاقتصادية لكل الدول، إلا أنّ التعثر الحكومي بإدارة العودة للحياة الطبيعية سيتحول لخطيئة إن لم تعد التقييم سريعا لأدواتها وإستراتيجيتها وتتجاوز الاجتهادات الخاطئة.

الوضع الوبائي في المملكة وبحمد الله بات مطمئنا حسب كل التقييمات العلمية، وتحتاج المحافظة عليه التشدد في إجراءات الرقابة والعزل للقادمين عبر الحدود والتوسع في الاستقصاء العشوائي بالمجتمعات المحلية والتركيز على الجانب التوعوي والتثقيفي والاستمرار لفترة أطول بمنع التجمعات والاجتماعات العامة، وبالتوازي مع ذلك لم يعد مفهوما التمسك بالتشدد الكبير في إعادة عجلة الاقتصاد للعمل والعودة للحياة الطبيعية قدر الإمكان، طبعا بخطوات محسوبة وتدريجية لكن بمرونة وعملية تنظر للمشهد بصورته الكاملة.

نعلم أنه من غير الممكن العودة سريعا ودفعة واحدة للحياة الطبيعية فيما ما يزال خطر الوباء موجودا في كل العالم، لكن يمكننا في الأردن اليوم وفي ظل الانحسار الكبير للحالات المسجلة بالمرض والسيطرة الجيدة على مصادر العدوى النظر بمسؤولية لباقي جوانب الأزمة وتداعياتها وأن نبدأ بتفكيكها سريعا قبل أن تتفاقم وتزيد من المعاناة للناس، ونقصد هنا الجوانب المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، التي لا تقل أخطارها عن الخطر الصحي للوباء.
قد يكون الأردن الوحيد بين دول العالم الذي يمنع استخدام المركبات داخل المدن خارج أوقات الحظر ما يخلق معاناة واسعة للناس، حتى في الحالات الطارئة التي يحتاج بها المواطن لمراجعة مستشفى.

ثم هل من المعقول أن تبقى العيادات الطبية وعيادات الأسنان مغلقة والاكتفاء بطوارئ المستشفيات والمراكز العامة التي لم تستطع وبالتجربة العملية تغطية جزء يسير من حاجة الناس؟!.
الباب الأهم الذي يجب أن يأخذ الأولوية في موضوع إدارة أزمة إعادة الحياة الطبيعية هو العودة للعمل وفتح المحال المهنية والتجارية والخدمية وكل أوجه الإنتاج والتشغيل، وأعتقد أن الأوان قد آن لتسريع مثل هذه العودة في ظل انحسار الوباء، ومنعا لتفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية والنجتماعية ولاحقا الأمنية. المشكلة في هذا الاتجاه أن السماح بعودة بعض القطاعات للعمل ترافق مع تعقيدات واشتراطات شبه تعجيزية في هذا الظرف الطارئ، كقصة اشتراط الاشتراك بالضمان الاجتماعي ومنع حركة المركبات والتكسيات وتعميم فكرة التسوق الإلكتروني.

ليست الفترة الحالية هي الوقت المناسب لوضع تعقيدات واشتراطات قد تكون مفيدة ومهمة في الأوضاع العادية لكنها معيقة في الظرف الطارئ الحالي ويمكن تأجيلها لما بعد عودة الحياة لطبيعتها.
لسنا مع مدرسة ترامب الفاشية التي تقدم الاقتصاد على الصحة العامة، لكن الوضع أردنيا وبحمد الله تجاوز مرحلة المفاضلة بين الخيارين، فالتشدد بالمسار الصحي يمكن له اليوم أن يتراجع في الحالة الأردنية خطوة أمام المزيد من المرونة والانفتاح المتدرج والأوسع للمسار ا الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والموازنة قدر الإمكان بينهما.. وذلك حتى لا نخسر المعركة على المسارين!

عن”الغد” الأردنية