قلم: الدكتور محمد السعيد إدريس
يائير ليبيد يرى أن جانتس أوقع نفسه في خديعة نتنياهو الذي لن يمكّنه من أن يكون رئيساً للحكومة بعد انقضاء نصف المدة حسب الاتفاق.
في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات العامة الثالثة في «إسرائيل»، والتي أظهرت استحالة نجاح أي من الكتلتين المتنافستين في تشكيل الحكومة الجديدة: تكتل اليمين بزعامة حزب «الليكود» الذي يقوده بنيامين نتنياهو، وتكتل يسار الوسط بزعامة حزب «أزرق – أبيض» (كحول- لافان) الذي يقوده رئيس الأركان الأسبق الجنرال بيني جانتس، ظهرت فكرة لامعة في أوساط تكتل «أزرق – أبيض» ترى ضرورة «التحالف مع الشيطان» لهدف وحيد هو منع بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة الجديدة وتهيئته للمحاكمة وإدخاله السجن.
تفاصيل هذه الفكرة كانت أن يتحالف تكتل «أزرق – أبيض» مع كل بقايا فصائل اليسار، وأن يمد يده للنواب العرب في «القائمة العربية المشتركة»، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، والوصول فعلياً إلى تحالف جديد شعاره هو «كله إلا بيبي»، أي تشكيل تحالف يضم الكل باستثناء وحيد هو بنيامين نتنياهو. الآن وبعد ثمانية أشهر من ظهور هذا التوجه الذي كان هدفه الوحيد «القصاص من بنيامين نتنياهو على كل جرائمه وتصفيته سياسياً» استطاع نتنياهو أن يقلب الطاولة على الجميع، ويفرض خيار تحالف «بيبي قبل الجميع». فقد أعلن مساء الاثنين الماضي توقيع اتفاق التحالف الحكومي الجديد بعد مماطلات طويلة بين بيني جانتس وبنيامين نتنياهو.
قراءة تفاصيل تلك المماطلات، منذ أول إعلان عن التوصل إلى توافق بين الرجلين حول الائتلاف الحكومي في 30 مارس الفائت حتى مساء الاثنين الماضي، تكشف، بل وتؤكد، أن بيني جانتس هو من جرى تطويعه، وربما إرغامه على تقديم التنازلات، وأنه هو من كان حريصاً، بشتى السبل على تحقيق هذا التوافق مع نتنياهو، ودفع الأثمان حتى لو كانت أثماناً باهظة وتتعارض كليةً مع محورية الدور الذي خاض بسببه جانتس التنافس السياسي، وهو «إنهاء عهد نتنياهو».
ربما يكون من المهم التساؤل عن الأسباب التي أجبرت جانتس على الركوع أمام شروط نتنياهو، وجعلته يتخلى عن كل مطالبه، وأن يجعل من نفسه «طوق نجاة» لنتنياهو من المحاكمة ودخول السجن. هناك أسباب كثيرة، أولها أن جانتس فشل في تشكيل حكومة أقلية بسبب رفض ثلاثة نواب من تكتله تشكيل حكومة بدعم وتحالف من «القائمة العربية المشتركة»، ومن ثم لم يكن أمامه غير أحد خيارين؛ إما اللجوء إلى انتخابات رابعة غير مضمونة النتائج، وإما التحالف الاضطراري مع الليكود واليمين بزعامة نتنياهو، أي «التورط في التحالف المستحيل».
قبول جانتس بخيار التحالف مع نتنياهو لتشكيل هذه الحكومة، ولكن بشروطه هو، أدت إلى انشطار تحالف «أزرق- أبيض» إلى شطرين، حيث رفض حليفه في هذا التحالف يائير ليبيد زعيم حزب «يوجد مستقبل» هذا التوجه، ووجد جانتس نفسه عارياً تماماً أمام نتنياهو بعدد محدود من نواب حزبه الأصلي، وهو حزب «حوسين ليسرائيل» (حصانة لإسرائيل)، وجاءت استطلاعات الرأي الأخيرة، لتؤكد وجود خريطة انتخابية جديدة تعطي نتنياهو والليكود أكثر من 40 نائباً في حال اللجوء إلى انتخابات رابعة، ما يعني أنه في حال التورط في هذه الانتخابات سيكون في مقدور نتنياهو رئاسة حكومة بأغلبية مريحة من تكتل اليمين، وعندها سيكون جانتس متهماً أولاً بالمسؤولية عن إشغال «إسرائيل» بخوض انتخابات رابعة بدلاً من التفرغ لمواجهة وباء كورونا بحكومة وحدة وطنية، وسيكون ثانياً الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات الجديدة، وسيكون متهماً ثانياً بأنه من تسبب في منح نتنياهو فرصة أن يفرض نفسه حاكماً مطلقاً لإسرائيل.
لكن كل هذه الأسباب لن تكفي لإنقاذ جانتس من مصير أسوأ ينتظره في ظل تنبؤات حليفه يائير ليبيد بأنه قد (أي جانتس) قد أوقع نفسه في خديعة نتنياهو الذي لن يمكنه من أن يكون رئيساً للحكومة بعد انقضاء نصف المدة حسب الاتفاق، بل سيضيق عليه ليجبره مرغماً على الانسحاب من الحكومة، ومن ثم فرض خيار الانتخابات الرابعة الذي يريده نتنياهو، وهي نفسها تنبؤات أفيجدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بنينو» (إسرائيل بيتنا) الذي وصف نتنياهو ب «المسيح الدجال» وأنه «آلة كذب وسيحول حياة جانتس بالحكومة إلى جحيم حقيقي، ولن يتنازل له عن رئاسة الحكومة عندما يحين موعد التداول بينهما»، عندها سيكون جانتس هو من أنقذ نتنياهو، خصوصاً أن الاتفاق المعلن عنه بخصوص الحكومة الجديدة جاء خالياً من أي إشارة تتحدث عن تشكيل لجنة تعيين القضاة، وهو ما يعني رضوخه لمطالب نتنياهو بهذا الخصوص على النحو الذي يؤمن نتنياهو من المحاكمة، عندها سيجد جانتس نفسه على النحو الذي وصفه به رئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورج في مقال نشره بصحيفة «هآرتس» بأنه «مجرد جنرال شجاع، لكنه ليس أكثر من شخص ساذج سياسياً قبل أن يكون ممسحة أرجل للسياسيين المحترفين».
بالاتفاق مع “الخليج”