أي نظام سياسي نريد بعد كورونا ؟

بقلم: الدكتور ناجي صادق شرّاب

هل من علاقة بين «كورونا» والسياسة؟

الإجابة نعم. والظاهرتان وجهان لعملة واحدة. لا خلاف في الجانب الصحي الأخطر للوباء، والخوف البشري منه؛ لأنه يمس حياة الإنسان نفسه. وفي النهاية سيتم التغلب على هذا الوباء برحمة من الله، وبعقل العلماء بالتوصل للقاح له؛ لكن يبقى الجانب السياسي الذي سيستمر مع الحياة البشرية لعقود طويلة.

الإنسان هوالقاسم المشترك بين الوباء والسياسة. وكون السياسة ظاهرة عالمية، فالوباء أيضاً ظاهرة سياسية؛ لذلك فان تداعيات الوباء على السياسة لن تقتصرعلى جانب واحد دون الآخر؛ بل ستطال الإنسان نفسه وقيمه وسلوكاته، وتوازن القوى العالمي. وللعلوم السياسية كما هو معروف فروع كثيرة تتناول العلاقات الدولية والفلسفة والفكر والأيديولوجيات السياسية ومنظومة الأخلاق. أما علماء النظم السياسية المقارنة فالسؤال الذي يواجههم هو: أي نظام سياسي نريد؟ وأي نظام هو الأصلح؟ وهل ما زالت النظم الديموقراطية بديلاً؟ وكيف سيكون شكل الصراع بينها وبين النظم السلطوية ذات النزعة الديكتاتوية؟

فمنذ أن خلق الإنسان وهمّ الفلاسفة والمفكرين البحث في أي نظام سياسي أمثل وأكثر تجسيداً لحاجات وتطلعات الإنسان وأكثرها قدرة على التكيف والاستجابة ومواجهة الأزمات وإدارتها.. ولعل من أكثر الجوانب التي سيترك الوباء تأثيره عليها هو النظام السياسي، والبحث عن صيغة ومعايير جديدة لتصنيف النظم السياسية. في علم السياسة المقارنة تصنيفات كثيرة منذ سقراط وأرسطو وأفلاطون. أرسطو تكلم عن حكم القانون وأفلاطون عن حكم الفيلسوف، وسقراط من قبلهما تجرع كأس السم دفاعاً عن حكم القانون.

ومن منظور أدبيات النظم السياسية المقارنة جرت تصنيفات كثيرة للنظم في العالم، ولم يوجد نظام واحد جامع شامل، ولا يمكن القول بمثالية نظام سياسي، فالمثالية نسبية ومرهونة بمدى قدرة النظام على تجسيد محددات ومتغيرات بيئته الداخلية والخارجية، وبمدى قدرته على الاستجابة للمتغيرات والمستجدات وكيفية التعامل مع الأزمات.

لقد بقيت النظم الديموقراطية الأكثر شيوعاً وانتشاراً والأكثر طموحاً لكل الدول. وجاء النظام السياسي الأمريكي كنموذج للنظم الديموقراطية وكمعيار للحقوق والحريات. وفي مواجهتها اعتبرت النظم السياسية في الصين على أنها نقيض للحريات الفردية والحقوق، من خلال سيطرة الحزب الواحد. ليأتي الكورونا ويطيح كل المعايير التي تقوم عليها النظم السياسية ويثبت فشل كل التصنيفات التقليدية، ولعل الأكثر انتقاداً هي النظم الديموقراطية التي فشلت حتى اللحظة في إدارة الأزمة، وأظهرت نقاط ضعف كثيرة بدليل حجم الإصابات والوفيات التي تعانيها دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها، في الوقت الذي أظهر فيه النظام السياسي الصيني قدرة كبيرة في الإعداد والسيطرة على الوباء لدرجة أن الصين مارست سياسة الدعم والمساعدة للعالم الديموقراطي لتقدم نموذجها على أنه الأمثل.

وحقيقة تراجع النظم الديموقراطية ليست جديدة؛ بل ظهرت أعراضها قبل أزمة الكورونا. ففي دراسة لعالمي السياسية ألأمريكيين ستافان ليندربرغ وآنا لوهران هناك نحو 75 دولة بدأت عليها أعراض التراجع في المسار الديموقراطى لصالح أعراض أقرب للنظم السياسية السلطوية ببروز النزعة الديكتاتوريه للحاكم.

ومن السابق لأوانه الحديث عن أن النظم الديموقراطية قد فشلت، وأفسحت المجال للنظام الصيني الشمولي. وعموماً سنرى صراعاً ومنافسة تمتزج بين المنحى السلمي والمنحى العنيف لإثبات أي نظم سياسية أكثر استجابة وقدرة. قد تبرز الكورونا الحاجة لمراجعات نقدية متعددة للنظام الديموقراطي الذي سيبقى الأكثر بقاء، فالديموقراطية قصة نضال بشري طويل خاضته الدول وقدمت تضحيات بشرية من أجل الوصول إليه.

* استاذ علوم سياسية – غزة

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …