التنازل الكبير لم يقنع الحركة الصهيونية بالوصول إلى السلام

8 مايو 2020آخر تحديث :
التنازل الكبير لم يقنع الحركة الصهيونية بالوصول إلى السلام
التنازل الكبير لم يقنع الحركة الصهيونية بالوصول إلى السلام

بقلم: منيب رشيد المصري

محاولات دولة الاحتلال قضم ما تبقى من أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، سبب كاف لأن تقوم الحركتان الأكبر؛ حركة فتح وحركة حماس بإعادة حساباتهما فيما يخص إنهاء الانقسام والتوجه فورا إلى الاتفاق على برنامج سياسي نضالي تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية للبدء الفعلي في مجابهة خطر إنهاء القضية الفلسطينية، فالشعارات وحدها لا تكفي لإسقاط مؤامرة صفقة القرن، والتي للأسف هناك من الفلسطينيين من يريد أن يتعامل معها كحقيقة واقعة، وهناك من العرب أيضا من يتعامل معها في السر والعلن، ظنا منهم أن هذا الفعل سيحفظ انظمتهم وسيبقيهم في سدة الحكم.

من يقرأ التاريخ جيدا يعرف أن الحركة الصهيونية تريد ليس فقط دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية، بل تريدها دولة يهودية من النيل إلى الفرات، وهي تعمل من أجل ذلك، وما سمي بالربيع العربي ما هو إلا جزء من مخطط صهيوني أمريكي مدعوم من بعض الأنظمة العربية لتحويل بلدان بعينها إلى إمارات أو دويلات قائمة على أساس ديني أو عرقي متناحرة ليسهل على الحركة الصهيونية لاحقا السيطرة على مقدرات الشعوب العربية وتحويل الأنظمة القائمة إلى وكلاء لها وتحت إدارتها وسيطرتها، وكل ذلك باعتقادي جزء من صفقة القرن التي جاءت في سياق مخطط بدأ ما قبل مؤتمر بازل بكثير، وشكل وعد بلفور عام 1917 نقطة تحول مهمة في تحديد مسارات الصراع وصولا إلى دولة يهودية تسيطر على العالم العربي وتُسخّر شعوبه وخيراته لخدمة الحركة الصهيونية.

استطاعت دولة الاحتلال أن تبني علاقات متنوعة مع العديد من الأنظمة العربية بما فيها شخصيات فلسطينية بهدف إظهار أن أصحاب القضية لا يمانعون من بناء علاقات متنوعة معها، ولكنها ولغاية الآن لم تتمكن من اختراق وعي الشعوب العربية، رغم الوسائل المتعددة والامكانيات الضخمة التي توظفها من أجل ذلك، هذا الامر يُبقي الامل لدى الشعب الفلسطيني بأن الصراع مع الحركة الصهيونية سيبقى مفتوحا إلى حين وصول الشعب الفلسطيني إلى حقه في تقرير مصيره.

هذا لا ينفي أن المطلوب من الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما هو مطلوب من الشعوب العربية باتجاه إعادة مسارات الصراع الفلسطيني – الصهيوني إلى أصوله القائمة على محاولات الصهيونية نفي وجود شعب أسمه الشعب الفلسطيني، وهذا التوصيف ليس تطرفا بل حقيقه لها وعليها شواهد كثيرة، أهمها أن منظمة التحرير الفلسطينية أقرت عام 1988، بموافقتها على اقامة دولة فلسطينية على حوالي 22% من فلسطين التاريخية، ودخلت المنظمة مؤتمر مدريد للسلام، ووقعت اتفاق أسلو على هذا الأساس ولكن حتى هذا التنازل الكبير لم يقنع الحركة الصهيونية بالوصول إلى “سلام” مع الفلسطينيين ومع العرب بشكل عام.

هذا الامر يقودنا مرة أخرى إلى القول بأن العقلية الصهيونية هي إقصائية استعمارية وعنصرية، ولا ترى في الآخر سوى خادما وعبدا لها، وعلى هذا الأساس يجب بناء استراتيجية المواجهة مع هذه الحركة، والمواجهة بحاجة إلى ركائز اولها الوحدة الفلسطينية التي تبدأ بإنهاء الانقسام وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الشخصية والفئوية، والمشاركة السياسية الكاملة والابتعاد عن التفرد بالقرارات، وإعادة رسم الخارطة السياسية لكي تتسع للكل الفلسطيني، وتوجيه تناقضاتنا الداخلية نحو التناقض الرئيسي مع الحركة الصهيونية.

توحيد الصف الفلسطيني هو بداية لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح لمواجهة الاحتلال بكل مفرداته، وأيضا لإعادة بناء التحالفات مع الشارع العربي الذي بمجمله يعتبر القضية الفلسطينية هي قضيته المركزية، ويعي تماما أن الحركة الصهيونية تحاول القفز عن هذه القضية وبناء علاقات مع الانظمة على حسابه وعلى حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

لم يعد لدينا وقت للانتظار أكثر، ولذلك أدعو الأخوة في حركتي فتح وحماس إلى المبادرة فورا بالبدء في تنفيذ الاتفاقات الموقعة، كما أدعو القيادة الفلسطينية إلى البدء في تطبيق قرارات المجلس المركزي للأعوام 2015 و2018، قبل أن تقوم دولة الاحتلال بتنفيذ ما وعدت به ناخبيها بضم الأغوار وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وقتها واذا ما تم هذا لن تجدي الشعارات ولا التهديدات، فلنفعلها ولتكن بداية جدية نستكمل بها درب النضال وصولا إلى العودة والحرية والاستقلال، وفاءً لأرواح شهدائنا ودماء جرحانا وصمود وعذابات أسرانا.