بقلم: حمادة فراعنة
في التدقيق في رحلة الإنجاز العربي الفلسطيني الكفاحية التعددية، نلحظ أنها تسير مسايرة للإنجاز الصهيوني العبري الإسرائيلي، فكلاهما يعمل على إنجاز مهامه بشكل تدريجي متعدد المراحل، والبدء عبر مبادرات ذاتية، ليتسع في العمل على جذب آخرين من أصحاب المصلحة في دعمه وبناء التحالفات معه.
الحركة الصهيونية الاستعمارية بدأت مشروعها التنظيمي السياسي في مؤتمر بازل التأسيسي في سويسرا عام 1897، والحركة الوطنية الفلسطينية بدأت مؤتمرها التأسيسي لمنظمة التحرير في القدس عاصمة فلسطين عام 1964.
الحركة الصهيونية أنجزت مرحلة البناء على أرض مشروعها الاستعماري في فلسطين عام 1948، ونالت الاعترافات المتتالية والدعم من أوروبا وبلدانها الثلاثة الرئيسية: بريطانيا بقراراتها، وفرنسا بأسلحتها النووية والتقليدية، والمانيا بالهجرة البشرية والتعويضات المالية، بينما أقامت الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير سلطتها الأولى على أرض فلسطين في غزة وأريحا أولاً عام 1994، واتسعت لتشمل كامل قطاع غزة وأغلبية مدن الضفة الفلسطينية التي انحسر عنها الاحتلال بشكل تدريجي على قاعدة اتفاق أوسلو 1993، ولكنها بدلاً من استكمال خطواتها نحو الدولة المستقلة على قاعدة حل الدولتين تعثرت بفعل عاملين: أولهما تراجع العدو الإسرائيلي بعد اغتيال رابين عام 1995 وتولي اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة شارون إدارة المستعمرة الذي أعاد احتلال كافة المدن الفلسطينية عام 2002، التي سبق وانحسر عنها الاحتلال، وثانيهما بفعل الانقلاب الذي خلّف الانقسام والضعف والاستئثار والأحادية منذ عام 2007 وحتى يومنا المشهود هذا، في قطاع غزة.
وحصيلة الصراع بين المشروعين: بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي علينا أن نلحظ ما يلي:
أولاً: أن الصراع بينهما يقوم على مفردتين هما: الأرض والبشر، هم يريدون الأرض والتوسع فيها وابتلاعها ولا يريدون البشر ويعملون بكل الوسائل والأساليب للتخلص من أصحاب الأرض والتراث والتاريخ: الشعب الفلسطيني، نجحوا في الاستيلاء على كل الأرض ولكنهم فشلوا في طرد كل الشعب، هجّروا وشتتوا نصفه إلى خارج فلسطين وتجاوز عددهم الستة ملايين، وبقي نصفه الآخر على أرض وطنه وتجاوزوا الستة ملايين الأخرى.
ثانياً: توفر شروط الانتصار للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بفعل عاملين هما: 1- الوحدة والتفاهم والتحالف والتعددية بين مختلف الفصائل والأحزاب والمكونات الصهيونية العبرية الإسرائيلية، 2- دعم وإسناد الطوائف اليهودية المنتشرة في العالم المتقدم، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة، بينما تفتقد الحركة الوطنية الفلسطينية لشروط انتصارها وهي: 1- عدم توفر الوحدة الوطنية والشراكة التعددية بين صفوف فصائلها وأحزابها ومكوناتها، 2- عدم توفر الروافع العربية والإسلامية والمسيحية الكافية لدعم نضالها رغم كل التضحيات والصمود لشعبها!
إذن العامل الذاتي هو الأساس وهو المدماك الأول وهو كرة الثلج المتدحرجة وعليه وعليها تقوم وتتعاظم وتتسع شروط الانتصار ويتحقق بفعلها وتوفرها، وليس بفعل العوامل الخارجية التي لا قيمة لها إذا لم يمتلك العامل الذاتي النضوج والوحدة والتعددية والشراكة، ذلك هو الدرس المفيد الذي عطل الإنجاز ولا يزال، والاستفادة منه هو الذي سيختصر عوامل الزمن لتحقيق الانتصار على المشروع الاستعماري الإسرائيلي ويؤدي إلى هزيمته.