بقلم :- الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي دولي- وشريك بصندوق المبادرات الناشئة- فاستركابتل /دبي
نحن بأزمة حقيقية، في حين يعاني العالم اجمع من أزمة البطالة كنتاج لأزمة الفايروس اللعين (كورونا)، والذي عطل الدورة الإقتصادية بمعظم دول العالم، لكن كثيرا من دول العالم سارعت على ايجاد بدائل سريعة خففت من آثار الفايروس على مسيرة الحياة الإقتصادية وساعدت على توفير حلول مبدعة لكبح جماح الآثار على اقتصادها مستندة على امكانياتها الإقتصادية. لقد كانت فلسطين وبالرغم من ضعف امكانياتها وبنيتها الإقتصادية على ايجاد نافذة الإنتعاش الأقتصادي والذي ساعد بعض المؤسسات الإقتصادية على التعافي وإعادة انطلاقها من جديد.
لغوياً إن التعافي يعني أن يبدأ المتعافي ان يستعيد قُوَته وقوته، لكن ما نشهده هو شكل من أشكال صراع للبقاء، في حين نشهد إرتفاعا بنسبة البطالة وخاصة بين صفوف أبنائنا وبناتنا الى مستويات عالية، تبقى المهمة الأصعب هي ايجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل .
في حين أعلن وزير العمل الفلسطيني أن نسبة البطالة تتفاقم وقد وصلت الى 27% ، بواقع 16.8% في الضفة الغربية، وما بين 49-50% في قطاع غزة. ومن جانب آخر مكمل فقد تم الإعلان عن نتائج الثانوية العامة (التوجيهي)، وقد أٌعلن عن نجاح 59128 طالبا وطالبة بنسبة بلغت71.37%. حيث تقدم 84 ألف طالب وطالبة للامتحانات “وفق البروتوكول الصحي وقواعد التباعد الاجتماعي” ، فقد حصد قرابة 295 طالب وطالبة على معدلات اعلى من 99%، أما الناجحين من ذوي المعدلات 90% فأعلى ففد احتلوا نصف الناجحين من الفرع العلمي. أما الحصيلة الكلية للنتائج بكافة الفروع فقد حصل حوالي 3250 طالبا وطالبة على معدلات تتراوح بين 98-99%في كافة الفروع.
وعزا وزير العمل الفلسطيني بتصريح سابق هذا الارتفاع في نسبة البطالة إلى عدم وجود استثمارات محلية وأجنبية، نتيجة الوضع السياسي الراهن، والوضع الصحي الناجم عن أزمة جائحة كورونا، والتشوهات في سوق العمل، بالإضافة إلى سبب رئيسي آخر هو عدم اختيار التخصص المناسب الذي يساهم في إيجاد فرص عمل لهم وفق احتياجات سوق العمل المحلي.
والسؤال الأهم هل يوجد تنسيق بين وزارتي العمل والتربية والتعليم حول التعليم ومخرجاته مما سيقلل من ارقام البطالة العالية والمتزايدة في فلسطين ؟
ويبقى الهم الأكبر أن يصبح التحدي مزدوجاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار استمرار تدفق الشباب الى سوق العمل وبالتالي تضاعف اعداد الباحثين عن العمل. وبالمقابل فإن نسبة النمو الاقتصادي ما تزال متواضعة ولن تكون قادرة على استيعاب هذا الحجم من العمالة. لقد تركت أزمة كورونا آثارا اقتصادية سوف تمتد آثارها السلبية لما بعد أزمة كورونا حتى بعد التعافي الاقتصادي.
ليس جديداً علينا أسباب ومسببات البطالة، ولا اعتقد اننا بحاجة الى خبراء في تحديد المشكلة، تبدأ المشكلة في بناء هيكلي متكامل من الدراسة المدرسية الى امتحانات التوجيهي فهناك خلل واضح بين مؤهلات الخريجين على كافة المستويات وبين متطلبات العمل، والسبب الآخر هو النقلة التنكولوجية السريعة في مؤسسات القطاع الخاص، والناتج عن التقدم التكنولوجي الذي طالما تطرقنا له بمقالات سابقة محفزين اصحاب القرار من وزارات مختلفة بالعمل على الإسراع بمواكبة التطور، ناهيكم عن الأسباب السياسية والإجتماعية المحيطة وبالنهاية الخاسر الأكبر هو المواطن والاقتصاد.
في الواقع لا وجود لحلول آنية استراتيجية لمشكلة البطالة، ولا يمكن استيراد حلول خارجية، او البحث عن حلول في الكتب او على صفحات الانترنت، يمكن ان نبدأ اليوم لكي ينعم اولادنا او أحفادنا بمستقبل زاهر، علينا ان نبدأ بموائمة متطلبات السوق والنظام التعليمي، علينا ان نبني أسسا صحيحة للنظام المهني والتقني من خلال الجامعات الفلسطينية والاستثمار بمشاريع المستقبل كمشاريع الطاقة البديلة، نحن الآن بأمس الحاجة الى أن نبدأ في زراعة تلك الشجرة التى ستثمر بعد سنين .
من نتائج كورونا التى تواجه مجتمعنا أن معظم القطاعات الحيوية لجأت من خلال تبنيها لحلول تقنية حديثة ستستعيض عن الطاقات البشرية، وقد استخدمت خلال أزمة كورونا وقد تتحول لأزمة دائمة في حال تم تبنيها ضمن نظام العمل، كشركات الإتصالات والبنوك فالتخوف الحقيقي هو أن تلجأ هذه القطاعات الى زيادة الاعتماد اكثر على التكنولوجيا الحديثة والذي بالتأكيد سوف تساهم في تفاقم أزمة البطالة وخاصة لدى الشباب الحاصلين على تعليم تقني وجامعي.
المُشكلة بإزدياد كما هو معلوم ومُصرح به من قبل الجهات الرسمية، لمجتمع صغير يفتقد المصادر الطبيعية، تتوائم المشاكل ( البطالة وكورونا) مًكونة ازمة حقيقية في حياتنا ولكي لا يشكل كابوساً على المتعطلين من ابناء شعبنا وعلى اٌسرهم وعلى المجتمع ككل ولكي لا تؤدي البطالة لتصبح ارضية خصبة لممارسات سلبية وتزيد من حالة اليأس القاتل والإحباط لدى ابنائنا الشباب علينا ان نسعى لتقديم الحلول.
تاريخياً، لم تستطع الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، انجاز مهمة البطالة، ولم تستطع أن تقدم للمجتمع ما يؤسس لغدٍ واعد، ولكي لا نكرر أخطاء الماضي ـ بأخطاء، يجب علينا أن نعمل لنُخرج حلاَ يخفف من حدة البطالة بمنظور إجتماعي إقتصادي يخفف عن أهلنا بالقدس، وقطاع غزة والضفة الغربية مشاق الحياة.
إن الهيكلية للسلطة الفلسطينية لا تنضوى تحت تصنيف واضح، فتارة تراها اشتراكية النهج الاقتصادي، وتارة اخرى تمثل الليبرالية الجديدة بالأداء الاقتصادي والهيكلية، من الواضح تماما أن اقتصادنا اشتراكي وليس ليبرالي، فوجود الصناديق السيادية الحكومية او التابعة لمنظمة التحرير والتي تستثمر جزء من تلك الأموال في مشاريع انتاجية خاصة بالوطن جعل تلك الصناديق السيادية مسيطرة على الاستثمارات الخاصة بفلسطين. وعليه فعليكم العمل ضمن مسؤوليتهم الإجتماعية والمشاركة الى دعم المتعطلين عن العمل او ايجاد مصدر خارجي يمول المتعطلين بأنشطة اقتصادية . المطلوب حاليا وفي ظل الجائحة المستمرة واثرها التدبير والتفكير خارج الصندوق والنظر في امكانية تقديم منح مالية لإقامة مشاريع خلال فترة الجائحة المستمرة للتخفيف من آثارها على المتعطلين وحماية المجتمع من آثارها.
وفي الختام، جيش البطالة ينتظر حلولا عملية، بحاجة الى رعاية من الجهات الرسمية، والعمل سريعا ان تكون على أجندة الحكومة في التخفيف عنهم وأسرهم والمجتمع الفلسطيني، مهمتكم ليست بالمستحيلة مهمتكم أن تعملوا . “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” صدق الله العظيم.