بقلم: الدكتورة أماني القِرِم
يقول هنري كيسنجر: “مهما يكن من الموضوعية في العلاقات الدولية فإن القرارات التي يتخذها صناع القرار نابعة من خبراتهم وتجاربهم التي مروا بها أثناء طريقهم في الصعود نحو السلطة “. أي أنه عند محاولة فهم أية توجهات لرئيس ما يجب الالمام بالبيئة ومكوناتها من أفكار وشخوص وأحداث عاشها هذا الرئيس، لأن هذه البيئة بمثابة العدسة التي ينظر هو من خلالها الى الأحداث الدولية ويختار قراره ضمن مجموعة خيارات، ونستطيع نحن من خلالها أن نفسر لماذا؟
جو بايدن المرشح الرئاسي القادم من البيت العتيق للحزب الديمقراطي ذو الـ78عاما ، أعلن بوضوح أنه يعارض خطة الضم الاسرائيلية وأية خطوات أحادية يتخذها أي طرف من أطراف الصراع .
قضى بايدن جلّ حياته في قلب صناعة العملية السياسية الامريكية، حيث انتخب ستة مرات كسناتور في مجلس الشيوخ منذ أن كان عمره 30 عاماً وشغل في الكونجرس منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية عدة مرات. ومن بيت التشريع انتقل الى مركز قرار السياسة الخارجية في البيت الابيض كنائب للرئيس اوباما ثماني سنوات.
أي عندما نتحدث عن بايدن، فنحن نشير الى سياسي مخضرم قديم.. يعدّ تجربة دولية متحركة ، ويمثل وبكل وضوح السياسة التقليدية لأمريكا التي نعرفها قبل ترامب بكافة حسناتها وسيئاتها . وحيث يصنّف بايدن من ديمقراطيي الوسط، فلا هو من الصقور ولا من اليسار المتقدم، فإن موقفه من اسرائيل والتزامه بأمنها وبتفوقها العسكري النوعي مسألة استراتيجية – رافقته طوال حياته العملية – تتعلق بمصلحة الولايات المتحدة وأمنها القومي وبحسابات الصوت والمال اليهودي الذي يحتاجه كل مرشح امريكي للفوز في الانتخابات سواء في الكونجرس أو البيت الابيض .
في صفحة حملته الانتخابية على الانترنت، وضمن مواضيع شتى تزخر بها حول خططه الرئاسية القادمة -هذا اذا نجح في الانتخابات- عنوان كبير : “بايدن والجالية اليهودية: سجل وخطة للصداقة والدعم والعمل”، يعدد المواقف التي تثبت تعهده والتزامه الصلب باليهود والقيم اليهودية و”الدولة اليهودية” كما سمّاها ومحاربة معاداة السامية. ويذكر موقفه من القضية الفلسطينية في عدد من النقاط مجملها أنه سيعمل على عكس سياسة دونالد ترامب، من حيث إعادة العلاقات الديبلوماسية مع السلطة الفلسطينية وفتح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية، وإرجاع المساعدات التي تدعم التعاون الامني الاسرائيلي الفلسطيني ، والمساعدات الانسانية والتنموية بما لا يتعارض مع قانون (تايلور فورس) وهو القانون الذي يشترط وقف المساعدات الامريكية للسلطة الفلسطينية اذا استمرت في دفع مرتبات للأسرى وأهالي الشهداء!! كذلك سيعمل مع القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية (كما يقول) لدعم جهود السلام ويحثهما على اتخاذ خطوات للوصول لحل الدولتين . ويذكر معارضته للأعمال الاحادية من جانب كل طرف بما فيها الضم والنشاط الاستيطاني أو التحريض والعنف.
في المقابل يضع بايدن خطَّا أحمراً بشأن عدم خضوع المساعدات الأمريكية لاسرائيل لأية شروط أو ربطها بقرارات سياسية تتخذها هذه الاخيرة، وتعهد في تصريحاته بإبقاء السفارة الامريكية في القدس .
إذاً نحن أمام خطاب قديم جديد، هو خطاب الديبلوماسية الأمريكية التقليدية على مدار عقود تجاه حل القضية الفلسطينية بمصطلحاتها الرنانة وخطوطها الحمراء، من الطبيعي أن يحمله سياسي من نوعية بايدن سنوات عمره وخبرته توازي سنوات الدعم الامريكي لإسرائيل وشكل الرؤية الامريكية للحل ..
والحقيقة أن هذا الاحتفاء بتصريحات بايدن ما كان ليكون لولا وجود إدارة ترامب التي قلبت الموازين وأطاحت بكل ما هو قانوني وشرعي .. وببساطة لم تكن ترى الفلسطينيين بتاتاً ..
المفاجآت واردة جداً في الانتخابات الامريكية، ونأمل ألا تتراجع شخصية جو بايدن الباهتة أمام قوة وشعبوية دونالد ترامب.
amaney1@yahoo.com