بقلم: الدكتور أيمن سمير
ما يحدث في شرق البحر الأبيض المتوسط، سيغير كل المعادلات القديمة في التعامل مع هذا الحوض، الذي كان بحيرة للسلام لعقود طويلة.
وبفعل السلوك التركي «المزعزع للاستقرار» شرق المتوسط دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ«مقاربة جيوسياسية» جديدة، تضع أوروبا في قلب صناعة الأحداث، والسيطرة على الملفات المتعلقة بالبحر المتوسط حتى تكون أوروبا في «دائرة الفعل» وليس «رد الفعل»، فالفرنسيون مثل غيرهم يعتبرون البحر المتوسط، الذي كان بوابة «المغانم» أصبح مصدراً لكل «المغارم» من الهجرة غير الشرعية والإرهاب والتهريب، وهو ما يؤثر على استقرار أوروبا، لاسيّما مع «التخارج الأمريكي» التدريجي من الشراكة مع أوروبا، فما هي الرؤية الفرنسية والأوروبية للسيطرة الجيوسياسية على البحر المتوسط؟
عندما تأتي دعوة ماكرون لـ«السيطرة الجيوسياسية» على البحر المتوسط ليلة العيد الوطني للجمهورية الفرنسية، وأمام كبار قادة القوات المسلحة الفرنسية في الداخل والخارج، فإن هذا يؤشر على «تحول نوعي» في التفكير الأوروبي تجاه التحديات القادمة من ليبيا والساحل والصحراء.
ووفق ال رؤية الأوروبية فإن منطقة البحر المتوسط ستشكل تحدياً في السنوات المقبلة لأن البحر الأبيض تحول لمكان «تتجمع فيه الأزمات» سواء النزاعات على المناطق الاقتصادية البحرية، والمواجهات بين الدول المتشاطئة، والتدخل التركي في ليبيا، واحتمال اندلاع حرب إقليمية واسعة.
ذهب ماكرون أكثر من ذلك بقوله «هناك لعبة قوى جديدة، وهو ما يتوجب على أوروبا أن تحدد دورها ومكانتها في البحر المتوسط دون سذاجة ومن دون تهاون، وأن منطقة البحر المتوسط لا يمكن أن تبني سلاماً دائماً من دوننا، ولا يمكننا أن نقبل بأن تبني قوى أخرى مستقبلنا».
يعكس كلام ماكرون جدية أوروبا في منع تركيا من مواصلة «المقامرة الحالية» سواء في شرق المتوسط أو أفريقيا، فتحويل ليبيا لـ«سوريا جديدة» سيزيد من عدم الاستقرار في أوروبا بشكل أكبر بكثير من تأثير الأزمة السورية، فالإرهابي الذي يريد الانتقال من شمال سوريا إلى ألمانيا أو فرنسا عليه المرور بأكثر من 10 دول للوصول إلى برلين أو باريس، لكن الإرهابي نفسه الذي نقلته تركيا بطائراتها لمصراتة أو طرابلس لن يحتاج إلا إلى قارب مطاطي صغير وست ساعات فقط، ليصبح في جزيرة صقلية الإيطالية.
عن “البيان” الإماراتية