أيها المطبعون.. لا تجربوا المجرب

22 أغسطس 2020آخر تحديث :
أيها المطبعون.. لا تجربوا المجرب
أيها المطبعون.. لا تجربوا المجرب

بقلم:محمد أمين

لم تخض دولة الإمارات العربية المتحدة أي حرب مع إسرائيل، وليس لها حدود معها، ويوجد في العالم 196 دولة يمكن للإمارات العربية إجراء تبادل تجاري معها، كما أن فتح وحماس والجبهتان الشعبية والديمقراطية والجهاد وكل ممثلي الشعب الفلسطيني من أقصى اليسار لأقصى اليمين عبروا عن رفضهم للاتفاق، إذا كيف يمكن للمراقب فهم الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وفي أي سياق يأتي؟

فبإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الثالث عشر من أغسطس الجاري توصل دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لاتفاق شامل لتطبيع علاقاتهما، تتكشف بوضوح أسباب حملة التشويه التي شنها على مدار الشهور والسنوات الماضية ما يعرف ب” الذباب الإلكتروني” ضد الفلسطينيين جنبا إلى جنب مع تصعيد سياسي إماراتي ضد قيادة السلطة الفلسطينية ومن قبلها حركة حماس، إذ باتت أسباب الحملة واضحة الآن عقب هذا الإعلان، تلك الحملة كانت ممنهجة للتمهيد والتبرير لهذا الاتفاق، بمعنى تشويه الفلسطيني وإظهاره بأنه باع قضيته وأنه شخص سيء، وأن القيادة السياسية للشعب الفلسطيني هي التي أضاعت فرص السلام، وأنها فاسدة، وأن مقاومة الشعب الفلسطيني إرهاب، كل ذلك من أجل الوصول إلى هذه اللحظة ” اللاتاريخية” على العكس تماما مما تحاول بعض أجهزة الإعلام توصيف الاتفاق بأنه “لحظة تاريخية”.

عموما في قراءة للاتفاق تقديري أن هذه الاتفاقية لا علاقة لها بفلسطين، بل هي عبارة عن إعلان تحالف استراتيجي عقب عقود من التنسيق الخفي، تحالف تريد أبوظبي منه توطيد الاعتماد على الحليف الإسرائيلي بمواجهة تركيا وإيران،إذ تشير المعطيات أن حظوظ ترمب في فترة رئاسية قادمة ضعيفة، وبالتالي تخشى الإمارات وإسرائيل من قدوم رئيس ديمقراطي بأوليات مختلفة ليس من ضمنها الشرق الأوسط، ما يعني أنهما سيكونان وحيدين في مواجهة أكبر دولتين إقليميتين في المنطقة ” إيران وتركيا” واللتان تعملان على اقتسام “التركة الأمريكية “،بالنظر للتوجه الأمريكي الذي بدأه الرئيس السابق أوباما بالانسحاب التدريجي من المنطقة.

هذا من جهة أما من جهة أخرى وفي سياق محاولة فهم الإصرار على الإشهار، وتسجيل الزواج رسميا بعد سنوات من العرفية، فيمكن تفسير ذلك بفهم الطبيعة لإسرائيلية، فتل أبيب لا تقدم أي خدمات مجانية، ومن هنا فإن الإعلان عن الاتفاق بتقديري جاء بطلب إسرائيلي حيث تريد تل أبيب مكافأة عن جملة الخدمات التي قدمتها للإمارات خلال السنوات الماضية، من تقديم تقنيات اتصالات، وأنظمة اختراق وتنصت، وترويج ودفاع عن رواية الإمارات في واشنطن، إسرائيل باختصار تريد مقابل تلك الخدمات كلها تطبيعا وعلاقات علنية لتقول أنها نجحت في اختراق المنطقة العربية، ولكي يستعمل نتنياهو المأزوم هذه الورقة في الانتخابات، كما أن عين تل أبيب على الخليج، والتبادل التجاري المباشر معه وتصدير السلع والخدمات إليه.

وفي سياق الاتفاق، نقول إن هذا التطبيع الجديد لا يخترع العجلة، كل الدول التي سبقت أبو ظبي بعشرات السنين لم تجن شيئا من إسرائيل، بل على العكس فاقم تطبيعها مع تل أبيب من أزماتها الداخلية والإقليمية، وعرض أمنها القومي للخطر، كما أن تل أبيب واصلت في اليوم التالي من توقيع الاتفاقية تآمرها على من وقعت معهم في مساء اليوم السابق.

العبرة التي ينبغي على قادة دولة الإمارات العربية المتحدة امعان النظر فيها ، أن إسرائيل وعقب ٤١ عاما على توقيع “معاهدة السلام” مع مصر في 26 مارس/ آذار 1979، مازالت تعتبر مصر عدوا لها، تتآمر عليها في مياهما عبر تمويل سد النهضة، وفي غازها، عبر الاستحواذ عليه، كما أن إسرائيل لم تقدم شيء لحلفائها واكتفت بمراقبة بعضهم وهم يسقطون كما جرى مع حسني مبارك، ومثال أوضح كذلك أصدقائها الأكراد الذين باعتهم بثمن بخس،وتركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم، كذلك ماذا جنى أصدقاء تل أبيب في جنوب السودان الذين أغرتهم بالانفصال وتركتهم عقبه يواجهون الفقر والجوع والاقتتال.

واليوم ورغم الاحتفالات في تل أبيب وأبوظبي بالاتفاق فقد كشفت صحيفة” هآرتس” الاسرائيلية أن إسرائيل طلبت من أمريكا عدم بيع طائرات اف 35 للإمارات حتى بعد تطبيع العلاقات بين البلدين، فهل هذا حليف يمكن الوثوق به أم ن هناك حاجة لإعادة نظر في هذا التوجه؟

عن “الجزيرة نت”