بقلم: الدكتور عبدالله العمادي
انتهى مساء الثلاثاء الفائت، واحد من مشاهد الحملة الانتخابية – إن صح التعبير – لكل من ترامب ونتنياهو في واشنطن، ضمن حفل توقيع التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الصهيوني، بمباركة من دلّهم وحثهم عليه، رئيس الولايات المتحدة.
بعد ذاك المشهد، أصبحت الإمارات والبحرين ثالث ورابع الدول العربية على التوالي، تقيم علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد مصر 1979، والأردن 1994، ثم الإمارات والبحرين في سنة كورونا أو 2020.. وربما لم يتفاجأ العرب كثيراً بالإعلان البحريني عن تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، بالقدر الذي كانت عليه المفاجأة يوم أعلنت الإمارات ذلك.
نعم، لم يتفاجأ العرب لخبر البحرين لاعتبار مهم هو أن سياسات البحرين الخارجية غالباً تكون انعكاساً لتوجهات السياسة الخارجية السعودية؛ وهذه نقطة جوهرية ليست بخافية، مشيرة في الوقت ذاته أن السعودية قاب قوسين أو أدنى من السير على الطريق نفسه حسب ما صرح به ترامب نفسه.
ليست هي المرة الأولى التي تتصدر البحرين أي مشهد سياسي، فالمشاهد كثيرة، ولا يستتر الرسميون البحرينيون من الاعتراف بذلك، ومنها ما ذكرته صحيفة ” تايمز أوف إسرائيل” في تقرير لها مؤخراً أنه ” عندما سافر المستشار الكبير لترامب جاريد كوشنر إلى البحرين قبل 10 أيام، بعد ترؤسه وفداً أمريكياً إسرائيلياً مشتركاً إلى الإمارات، أشار ملك البحرين إلى أن المنامة لن توقع على اتفاق إلا بالتنسيق مع السعودية؛ مما يشير إلى تطابق الرؤى والسياسات بين السعودية والبحرين.
ما حاجة الخليج لتطبيع علاقاته مع إسرائيل؟
ربما تساءل أحدكم عن حاجة البحرين للتطبيع، حين أعلنت رغبتها تطبيع العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهل هي فعلاً بحاجة إلى مثل هذه العلاقة؟ وقبل الإجابة، أحب أن أؤكد بأن السؤال نفسه لا يجب أن يقتصر على البحرين فقط، بل على جميع دول الخليج، باعتباره سؤالا يصلح أن يُطرح على أي دولة خليجية أقامت أو ما زالت تفكر في الخطوة ذاتها.
ما حاجة دول الخليج كلها لتطبيع علاقات مع دولة ليست لها حدود سياسية معها، ولا تدخل في نزاعات أمنية أوغيرها معها ؟ ثم إن الدولة الإسرائيلية ليست بالتي لا يستطيع الخليج الاستمرار في عمليات التنمية والنهوض إلا بوجودها. وليست بالدولة ذات الثراء والثروات العظيمة التي يمكن أن يطمع الخليج فيها بصورة وأخرى، فهي تعيش على معونات أمريكا الرسمية وضرائب الأمريكان، ولا هي بالدولة السياحية التي يُشد الرحال إليها أو استقبال سواح منها، بالإضافة إلى قائمة طويلة من عوامل طاردة للعلاقات، بدلاً من أن تكون ساحبة ومغرية لها، وهنا تكمن نقطة الاستغراب الحاصل من هرولة الخليج غير المسبوقة نحو هذا الكيان الغاصب!
إن مشهد الهرولة الخليجية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى بعض تأمل وتفكر، وجلسات بحث وفهم لما يجري، باعتبار أن ما يدفع دولاً مثل مصر وسوريا والأردن للتقارب مع إسرائيل لا يوجد مثله من دوافع أو مبررات لدول الخليج العربية حتى يقع مثل هذا التسارع الحاصل الآن في العلن، بعد أن كان في السر والخفاء حينا من الدهر ربما طويل، وإن كان هذا أيضاً غير مبرر لأي دولة عربية تطبّع علاقات مع كيان محتل غاصب للأرض والعرض.
من هنا يحق لأي مواطن عربي مثل هذا التساؤل، الذي لا يوجد له كثير تفسيرات، سوى أن التحركات الخليجية في هذا الجانب غالباً مرتبطة بتحقيق مصالحها مع آخرين، وربما لا تكون ضمن تلك المصالح أي مصلحة لها علاقة بالقضية الفلسطينية، ولكن مع ذلك يتم السعي لتحقيقها عبر الجسر الفلسطيني أو القضية الفلسطينية، وشأن الخليج في هذا الأمر شأن غالبية العرب الآخرين ومن ضمنهم بعض الفلسطينيين أيضاً وللأسف.
مصالحهم أولاً !
إن عدنا تارة أخرى لمشهد الهرولة الخليجية نحو التطبيع مع إسرائيل، فسنجده عملاً يتفاخر به نتنياهو ويعتبره من إنجازاته، فان يظهر للعلن مع خليجيين وإعلانه التطبيع الكامل مع دولتين حتى الآن، وبانتظار أخريات في المستقبل القريب كما وعد بذلك ترامب، إشارة واضحة إلى أن كفته في الصراع مع الفلسطينيين ستبدو أرجح في الفترة المقبلة تعززها تحركات الأمريكيين عبر “صفقة القرن” التي لا زالت بحاجة لخطوات لازمات لتجسيدها على أرض الواقع، ومن تلك الخطوات ادخال الخليج في الصفقة بصفة فاعلين لا مراقبين. بالإضافة إلى اعلانه عزم الدول المطبعة ضخ الكثير من الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي بعد اتمام صفقات التطبيع.
كل تلك المكاسب – التي دون شك ستكون إسرائيل هي الطرف الأوحد المستفيد منها – والتي تعتبر في الوقت ذاته إنجازاً لنتنياهو وداعمه في العملية “ترامب”، تدفع بهم قُدماً نحو تحقيق انتصارات انتخابية – أو كما يعتقدان على أقل تقدير – في حين أن الخليج، لاسيما المطبعين الجدد في ظني، لا زالوا في طور حصر المكاسب التي تحصل أو يمكن الحصول عليها، في الوقت الذي كان يتحتم عليهم، وبدلاً من هذا التهافت على كيان غاصب للأرض والعرض من أجل التطبيع معه، الإلتفات إلى تجديد وتعزيز العلاقات الخليجية البينية بدلاً من التمزق والتشرذم الحاصل الآن، بالإضافة إلى تعزيز لغة الحوار والمصالح مع قوة صاعدة إقليمياً وقريباً دولياً وهي تركيا، بدلاً من المناوشات والتحريضات نهاراً جهاراً ضدها، والأمر يمكن أن يقال بالنسبة لإيران.
إن إيران، على رغم خلافات الخليج معها على كذا صعيد، إلا أنها قدر جغرافي للمنطقة لا يمكن تغييره، لكن الذي بالمقدور تغييره أو ما يجب أن يتغير فعلاً، هو أسلوب التعاطي مع هذه الدولة، والبحث عن الأساليب الحكيمة في التعامل معها، بدلاً من أساليب العداء، التي ما زادت الخليج غير تخسير، فيما هي بذكائها تتمدد حيثما أرادت.
تعتبر إيران مدرسة في الحوار والتفاوض، وليس عندها منطق الاغترار بالقوة كما عند الأمريكيين مثلاً، وما كسبته خلال العقود الثلاثة الماضية في المحيط العربي إنما لذكائها وهدوئها في التعامل مع الثوابت والمتغيرات في المنطقة، واستثمار كل الفرص التي تلوح أمامها، سواء بالخليج أو مناطق جغرافية عربية أخرى، في الوقت الذي خسرت دول المنطقة الكثير الكثير بفعل التسرع وغياب الحكمة في التعامل معها، والاعتماد على قوى خارجية في الإدارة والاستشارة، وهي قوى ما جاءت إلا لرعاية مصالحها أولاً وأخيراً، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لن تتردد لحظة في الوقوف مع إيران إن وجدت أن مصالحها تقتضي ذلك. وترامب كان صريحاً قبل أيام، وأوضح أنه يتطلع للتفاهم معها إن هو فاز في الانتخابات القادمة، وكأنما يوجه رسالة تطمين ورغبة للتقارب مع طهران، التي من المؤكد أنها الآن تدرس رسالته تلك. إنه يتبع منطق معروف في عالم السياسة: لا صديق دائم ولا عدو دائم، إنما مصلحة دائمة، إنه المنطق نفسه الذي تسير عليه السياسة الإيرانية أيضاً.
تساؤلات مشروعة قبل مزيد من التطبيع:
• ماذا لو نجح فعلاً وحدث التفاهم الأمريكي الإيراني؟
• ماذا سيفعل التطبيع حينها للمطبعين والذين في طور التفكير بالتطبيع ؟
• متى سيكون لسياسة الخليجيين منطقها الخاص، بحيث تكون مصلحة الخليج مقدمة على مصالح غيره ممن يسكنون على بعد آلاف الكيلومترات عنه؟
• هل حان الوقت لأن يتعرف هذا الخليج على العدو الحقيقي له، وأن يكتشفه بنفسه لا الذي يصوره الغرباء في كل حين؟.
التساؤلات الآنفة ليست أمنيات، لكنها ضرورات تحتم الظروف الحالية مراعاتها، والتنبه العميق إليها قبل وقوع المزيد من الابتزازات على يد الغريب الأمريكي وغيره. وربما عما قريب جداً على يد الإسرائيلي الأغرب.. والله كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
عن “الشرق” القطرية