الاستراتيجية الوطنية في مواجهة صفقة القرن والتطبيع

12 أكتوبر 2020آخر تحديث :
الاستراتيجية الوطنية في مواجهة صفقة القرن والتطبيع
الاستراتيجية الوطنية في مواجهة صفقة القرن والتطبيع

بقلم:د. رمزي عودة

تستمر الضغوط الدولية والعربية على الشعب الفلسطيني من اجل الرضوخ لشروط صفقة القرن، وكان آخر هذه الضغوط وربما أصعبها على الفلسطينيين، اتفاقيات التطبيع الاماراتية والبحرينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي برعاية امريكية والتي وقعت في واشنطن في 15 ايلول/ سبتمبر الماضي. وبالرغم من أن الامارات العربية تتفاخر بأن هذه الاتفاقيات قد أوقفت عملية الضم، الا أنه من الواضح للجميع بأن المسألة ليست سوى تعليق الضم أو بكلمات الساسة الاسرائيليين بأن “الضم لم يعد الان على الطاولة” ولكنه سيعود الى الطاولة في أي وقت وعلى أكثر تقدير خلال الاربعة سنوات القادمة.

تشير الدوائر الاسرائيلية والغربية الى أن الفلسطينيين لم يعد لديهم أي خيارات حقيقية للمناورة وتجاوز صفقة القرن، فالخيارات أمامهم جدا محدودة في ضوء “تخلي العديد من الاطراف العربية الفاعلة” عن القضية الفلسطينية، أو لنقل قبولها لصفقة القرن كأساس للتسوية، وهو ما تضمنته صراحة الاتفاقية الاماراتية الاسرائيلية. وتسوق هذه الدوائر استنتاجاتها هذه بسبب ضعف الثقة بين الجمهور والقيادة، وبسبب استحالة تحقيق المصالحة، وانقطاع التمويل العربي الى آخره من الاسباب التي تثير الاحباط وتروج لروح الهزيمة في صفوف الفلسطينيين قيادة ووأحزابا وشعبا.

وفي الواقع، فان هذه المقولات تندرج في مجملها في أدوات الحرب النفسية التي تشن على الفلسطينيين، وتهدف فيما تهدف اليه، الى تسويق الهزيمة للفلسطينيين – وهنا أقصد بالهزيمة القبول بصفقة القرن- وجعلهم بالضرورة ينسحبون من الصراع مع الاحتلال باعتبار أن هذا الانسحاب هو الوسيلة الوحيدة للنجاة بالنفس، لان التصادم مع الاحتلال وفي دائرة أوسع مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب، يعني فيما يعنيه حسب هذه المقاربة تدمير الفلسطينيين والغاء الوجود الفلسطيني برمته.

وبالضرورة تطرح هذه المقالة اطارا عاما للاستراتيجية الوطنية الفلسطينية المواجهة لصفقة القرن، والتي تتضمن البنود التالية:

أولا: استراتيجية التصعيد والمواجهة. وهنا لا أقصد المواجهة المسلحة، ولكننا نوصي بتصعيد المقاومة الشعبية والاستمرار في رفض صفقة القرن. والى لحظة كتابة هذه السطور، فان الطرف الفلسطيني يبلي بلاء حسنا، وربما عليه في مرحلة ما من السباق أو الصراع أن يصعد من اجراءاته ضد الاحتلال مثل الاستمرار في قطع التنسيق الامني ووقف الاتفاقات مع الاحتلال وتفعيل المقاومة الشعبية وتنظيم اضرابات عامة وتفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية بشكل اكثر اتساقا مع تزايد الحصار والعدوان الاسرائيلي على المناطق الفلسطينية.

ثانيا: اتمام ملف المصالحة. وقد نجحت القيادة الفلسطينية في ابرام تفاهمات مبدئية مع كافة فصائل العمل الوطني في اجتماع الفصائل الوطنية الذي عقد في بيروت- رالله مرخرا في ايلول الماضي. وينتظر من قبل جميع الفلسطينيين اعادة ترميم البيت الفلسطيني، واعادة صياغة المشروع الوطني في المرحلة المقبلة في اطار “توافق” كافة فصائل العمل الوطني على انهاء الانقسام واجراء الانتخابات العامة.

ثالثا: اعادة هيكلة مؤسسات السلطة. مؤسسات السلطة الوطنية أنشئت أساسا بفعل اتفاق اوسلو، وبرمجت أنشطتها وآلياتها في اطار التعاطي مع واقع التنمية والحكم الذاتي، وهي اهداف لا تتلائم مع مرحلة الضم وصفقة القرن، والتي يجب أن تنحصر في المقاومة والصمود. بمعنى أخر، على السلطة الوطنية أن تطور آليات عمل جديدة في التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والاسرى والاقتصاد بحيث تؤدي كل هذه المؤسسات والبنى أهدافا تحررية مقاومة للمشروع الصهيوني.

ومن جانب اخر، ونظرا لضرورات الصراع مع الاحتلال وأولوياته في الاجندة الوطنية، فان نوعا جديدا من العلاقة بين المؤسسة الامنية والمؤسسات السياسية يجب أن يؤسس له في مرحلة الضم وفي حالة الطوارئ التي تعيشها الاراضي الفلسطينية منذ مارس الماضي. وبالضرورة، على المؤسسة الامنية الفلسطينية أن تحدد أهداف جديدة لها في حال الضم واعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال. ومن هذه الاهداف المقترحة اضافة بالطبع الى حفظ الامن والاستقرار : 1) مقارعة الحواجز العسكرية الاسرائيلية 2) منع اعتقالات جيش الاحتلال الاسرائيلي للفلسطينيين داخل التجمعات الفلسطينية والتصدي له 3) منع المستوطنين من الاعتداء على أراضي الفلسطينيون.

رابعا: تفعيل الاليات الدبلوماسية والقانونية لمساءلة الاحتلال. حيث يجب رصد الميزانيات الكافية وتوظيف المزيد من الكفاءات في مجال تفعيل آليات الالزام الدولي ومساءلة اسرائيل عن الاحتلال والضم وسياسة الفصل العنصري. كما يجب تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية من أجل تكوين لوبي دولي ضاغط يرفض الاحتلال ويؤكد على مرجعيات التسوية وفقا لقرارات الشرعية الدولية.

خامسا: اعادة انتاج علاقات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على اسس جديدة- قديمة. فبالرغم من أن اوسلو خلقت السلطة الوطنية فان الغاء أوسلو من قبل الفلسطينيين لا يعني الغاء السلطة الوطنية وتسليم خدماتها للاحتلال أو التخلي عن أدوارها؛ لان هذه الاداور هي بالمحصلة النهائية تصب في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز صمود الفلسطينيين. ومن جانب أخر، فان اعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال والغاء الاعتراف في اسرائيل واعلان فلسطين التاريخية وطنا قوميا للفلسطينيين سيعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى مربعه الاول وهو الامر الذي يتباهى الاسرائيليون بتجاوزه مع اتفاق اوسلو ويعتبرونه انجازا وطنيا كبيرا لهم.

سادسا: العصيان المدني الشامل. يجدر بالشعب الفلسطيني وضع استراتيجيات مقاومة شعبية شاملة ضد الاحتلال الاسرائيلي ومستوطناته. ولعل افضل -ولكنها الاصعب ايضا- نماذج المقاومة الشعبية هي العصيان المدني ويجب البدء في هذا النموذج النضالي في مناطق القدس ومحيطها ومن ثم التوسع لبقية الاراضي الفلسطينية.

سابعا: وضع شروط لاي مفاوضات سياسية قادمة. لا يجب أن يكون الخطاب الفلسطيني رافضا بالمجمل لاي عملية تفاوضية. وبالرغم من أننا نعي جميعا أن المفاوضات عبثية بسبب مماطلة الجانب الاسرائيلي الا أن هذه العملية تبقى الى الان النموذج المقبول في تسوية الصراع من قبل غالبية الدول العربية والاجنبية. في هذه الحالة يمكن أن يبدي الفلسطينيون استعدادهم لاي عملية تفاوضية ضمن شروط هامة وضمانات دولية لتحقيقها. وربما تكون بعض هذه الشروط : 1) الاعتراف بالمبادرة العربية كسقف لعملية التسوية وليس صفقة القرن 2) فتح ممر آمن مع الاردن في اطار اتفاق دولي. 3) السماح للاستيراد والتصدير للفلسطينيين في ممرات تجارية 4) فتح ممر امن مع قطاع غزة 5) الغاء الحواجز العسكرية الاسرائيلية بين المدن .