بقلم: سهيل كيوان
أثارت الانتخابات الديمقراطية في أميركا شجوننا كعرب في أكثر من قضية، وهي قضايا لا يمكن فصلها عن بعضها بعضًا.
مثل مئات الملايين من شتى الأمم، تابعت العملية الديمقراطية وهي تسير في الولايات المتحدة، خطوة بعد خطوة، ثم تابعت فرز الأصوات من ولاية إلى أخرى، وساعة بعد ساعة، كانت تنقلب النتيجة طورًا لصالح هذا وتارة لصالح ذاك، ولكن المهم هو أن العملية في جوهرها، ديمقراطية، هذا الاختراع البشري الذي يمنح كل إنسان حقه بأن يكون شريكا في الشكل الذي سيدار فيه بلده، وبحقه في التقرير بمن سيقود هذه القارّة العظيمة ذات الإمكانيات اللامحدودة، وحقه بمعرفة كيف سيتصرف كل رئيس منتخب بثروات بلاده، وما هي خططه الاقتصادية والعلمية والصحية، وما هو موقفه من البيئة على صعيد محلي وعالمي، وغيرها من قضايا تهم الناس على مختلف مشاربهم.
صحيح أن هناك الكثير مما يمكن إصلاحه في هذه الديمقراطية، بحيث تكون أكثر عدلا خصوصًا تجاه الفئات الضعيفة اقتصاديًا، وأن لا تبقى الرئاسة وملحقاتها مقتصرة على الحزبين الكبيرين، وإتاحة الفرص لمن يريدون الخوض في العمل السياسي حتى ولو كانوا من فئات ليست ذات نفوذ وغنى كبيرين. كذلك هناك نقاش حول طريقة احتساب الأصوات، فالبعض يطالب بأن يكون عدد الأصوات الشعبية في كل الولايات هو المقرر في من يكون الرئيس، وليس عدد النقاط المقررة لكل ولاية. هذا مطلب العضو الديمقراطي بيرني ساندرز المعروف بأنه يحمل أفكارًا يسارية وهذه أمور ممكن للنظام الديمقراطي أن يصلحها بنفسه، أي أن ينتقل من جيّد إلى جيد جدًا وإلى أفضل من جيّد جدا.
ولكن رغم كل ما يمكن أن يقال عن مثالب في الطريقة المتبعة تبقى هذه ديمقراطية كبيرة، ويبقى من حق مدير فضائية ما مثلا، أن يقطع البث خلال خطاب الرئيس وأن يعلن بأن ما يصرح به الرئيس هو أخبار كاذبة، دون أن يساق إلى السجن أو إلى ساحة الإعدام، وهذا ما حدث بالفعل.
لا شك أن كل إنسان عربي لديه الحد الأدنى من الغيرة على أمّته، قارن بين ما تعيشه تلك الأمة من حرية يرقصون لها في الشوارع، وبين الواقع التعيس الذي نعيشه في أوطان نشأت فيها أجيال تجاوزت الكهولة ولم تعرف رئيسًا منتخبًا منذ ولادتها، ولم تر ورقة انتخابية فيها خيار حقيقي بين هذا أو ذاك من المرشحين إلا ما ندر (في تونس بعد الثورة مثلا)، شعوب ليس أمامها سوى الخضوع والخنوع، وعندما تثور يكون الموت والتهجير والتعذيب وقطع الأرزاق بانتظارها.
حتى المهاجر الذي وصل أميركا بعد حصوله على الجنسية يصبح قادرًا على مواجهة الرئيس في المحافل العامة وفي المؤسسات الرسمية، مثلما رأينا السّجال الذي كان يدور بين النائبة الديمقراطية ألهان عمر الصومالية الأصل، ودونالد ترامب الرئيس العنصري. وها هي السيدة الملونة ذات الأصول الجنوب آسيوية- كامالا هاريس، ذات الوجه الحسن، لتصبح نائبة للرئيس المنتخب، وهو منصب هام جدًا وله صلاحيات فعلية، وقد يكون عتبة مستقبلية لترشحها الرئاسي.
القضية الثانية التي لا تقل أهمية، هي أنباء التوصل إلى مصل مضاد لكورونا من إنتاج شركتين، “فايزر” الأميركية و”بيونتيك” الألمانية، وهذا ما نتمناه، ولكننا كعرب إلى جانب الغيرة من الديمقراطية المفقودة، نشعر بالغيرة من تلك الأبحاث العلمية التي تعمل بالفعل للوصول إلى مصل لهذا الوباء أو لغيره من الأمراض، بينما تبقى شعوبنا تنتظر الترياق من الدول الأجنبية، من الغرب ومن الشرق، وحتى ذلك الحين، تتسلى ببعض المهرجين الذين أعلنوا عن الملوخية اليابسة مع الليمون (الشّلولو).. والفول مع كثير من الثوم والليمون.
ما يعني أن التخلف على الصعيد العلمي مرتبط بالتخلف على الصعيد الإنساني، فالحرية تُطلق الطاقات في كل مجالات الحياة، وهي ضرورة للتقدم كما هو الماء للأحياء.
أهم ما نستنتجه من هزيمة العنصري ترامب، الذي حاول وما زال يحاول سرقة الديمقراطية، هو أنه لا يوجد مستحيل أمام إرادة الشعوب، حتى الأمس القريب كان يبدو هذا التغيير مستحيلا، وبأن العالم بات رهينة للعنصريين والمتطرفين وأصحاب نظريات الإسلاموفوبيا، ولكن الإطاحة بترامب، أثبتت أن العنصرية والقوة والعربدة مهما بدت قوية وراسخة ولها سطوتها، فالشعوب قادرة على هزيمتها، وإعادة زمام المبادرة إلى يده، وذلك عندما يتوحّد المظلومون حول هدف واحد وواضح.
فقد توحّد جميع من آذتهم عنصرية ترامب من سود ومسلمين ومهاجرين ومُسنّين استهتر ترامب بصحتهم، ونساء كن ضحايا لعنجهيته ونظرته السوقية إلى المرأة، وتصريحه أكثر من مرة بإساءة لمكانتها الاجتماعية، إلى جانب استهتاره بكورونا الأمر الذي أدى إلى حشد كل الطاقات التي تمكنت من الإطاحة به.
عن “عرب ٤٨”