بقلم: المحامي علي ابوهلال
امعانا في جريمتها البشعة رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسليم جثمان الشهيد كمال أبو وعر، الذي استشهد يوم الثلاثاء الماضي، نتيجة لسياسة الإهمال الطبي المتعمد، بعد معاناة قاسية من مرض سرطان الحنجرة والحلق نهاية العام الماضي، واستمرت في احتجاز جثمانه بعد أن اعتقلته حيا لأكثر من 16 عاماً.
الشهيد أبو وعر هو ثامن أسير داخل سجون الاحتلال يتم احتجاز جثمانه، وهؤلاء الأسرى هم أقدمهم أنيس دولة، وعزيز عويسات، وبسام السائح، وفارس بارود، وسعد الغرابلي، وداوود الخطيب، ونصار طقاطقة، وكمال أبو وعر، وجميعهم رفضت سلطات الاحتلال تسليم جثامينهم بعد فترات طويلة من الاعتقال.
سياسة الإهمال الطبي تجاه الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي باتت سياسة رسمية تمارس ضدهم منذ سنوات طويلة، وهي وسيلة من وسائل الاعدام العمد التي تمارسها سلطات وإدارات سجون الاحتلال، فقد عانى أبو وعر من مشاكل صحية سابقة في الدم خلال فترة اعتقاله، وبدأ وضعه الصحي يتدهور تدريجيا، إلى أن ثبتت إصابته بسرطان الحنجرة، كما أصيب بفيروس “كورونا” خلال تموز الماضي، وخلال الشهور الماضية تفاقم وضعه الصحي بشكل متسارع، إلى أن أرتقى شهيدا في 10 تشرين الثاني الجاري.
ليست سياسة الإهمال الطبي أقل بشاعة من سياسة احتجاز جثامين الشهداء التي مارستها سلطات الاحتلال منذ عقود طويلة، وهي ترمي إلى تحويل جثامين الشهداء الفلسطينيين، إلى رهائن للمساومة في ثلاجات الموت ومقابر الأرقام الإسرائيلية، وتتجه سلطات الاحتلال إلى المزيد من التشديد في المرحلة المقبلة وفق توجه وزير الدفاع الإسرائيلي، بني غانتس، حيث أقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر “الكابينت”، في شهر أيلول الماضي “هذه السياسة وبحسب ما أورده موقع “24” الإسرائيلي. وفي نفس الوقت أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يجيز للقائد العسكري الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتا لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية.
في رسالة وجهتها بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف، طلبت فيها من الأمم المتحدة حث “إسرائيل” على الامتناع عن اللجوء إلى السياسة الوحشية والهمجية المتمثلة في حجز جثامين الشهداء، وإلغاء أي قوانين تسمح بمثل هذا العمل، وذكرت إن “إسرائيل” تحتجز 66 جثمانا لشهداء فلسطينيين بشكل غير قانوني، إضافة إلى وجود 254 فلسطينيا في مقابر الأرقام الجماعية.
تعتبر سياسة احتجاز الجثامين من جرائم الحرب الدولية التي ترقى إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وهي تنتهك قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان وخاصة المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والقانون الدولي العرفي الذي يحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك القاعدة 90 من دراسة القانون الدولي العرفي، التي يتوجب على دولة الاحتلال الالتزام بها في تعاملها مع السكان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحرم سياسة حجز الجثامين من الضحايا الفلسطينيين وعائلاتهم المنكوبة من التحقيق في ملابسات عمليات القتل، وباحتجازها لجاثمين الشهداء تمنع فتح وإجراء التحقيقات والمعاقبة والملاحقة لمرتكبي هذه الجرائم.
تشكل جريمة احتجاز جثامين الشهداء انتهاكا للإعلان العالمي للأمم المتحدة حول الاختفاء القسري، الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية، ويدان بوصفه إنكارا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكًا خطيرًا وصارخًا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما أن احتجاز جثامين الشهداء ممارسة منافية لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، لاسيما اتفاقيات جنيف الأولى والثالثة والرابعة، والتي نصت في بعض موادها على حق الموتى في التكريم، وألزمت دولة الاحتلال بتسليم الجثث إلى ذويها، ومراعاة الطقوس الدينية اللازمة خلال عمليات الدفن، وحماية مدافن الموتى وتسهيل وصول ذويهم إلى قبورهم، واتخاذ الترتيبات العملية اللازمة لتنفيذ ذلك.
سلطات الاحتلال الاسرائيلي تنتهك حقوق الانسان الفلسطيني، وتستمر في ارتكاب الجرائم البشعة بحق ابناء الشعب الفلسطيني، وتمارس ضده كافة أشكال العدوان، وأساليب القتل العمد المباشر من خلال استخدام الرصاص الحي، وعبر سياسة الإهمال الطبي ضد الأسرى التي أدت إلى استشهاد عدد كبير من الأسرى المرضى، وفي ظل استمرار هذه الجرائم المستمرة بحق شعبنا، لا بد من فتح تحقيق دولي ونزيه في هذه الجرائم وخاصة الجريمة البشعة التي ترتكب بحق الأسرى، لا سيما المرضى منهم الذين يقتلون بسبب سياسة الإهمال الطبي والمتعمد بحقهم، وجريمة احتجاز جثمانين الشهداء، ولا بد من تدخل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في هذه الجرائم، ومحاكمة مرتكبيها حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب الذين يستحقونه.
*محاضر جامعي في القانون الدولي.