بقلم: نبيل عمرو
قبل ان تضع هذه الجولة من الحرب المتكررة اوزارها، وبعد ان تُلتقط الانفاس على نحو يوفر قراءة موضوعية للأرباح والخسائر، فلا مناص من التأكيد على ان ظاهرة الصمود الأسطوري يمكن ان تتقدم نتائجها السياسية او تتبدد من خلال أداء المهمات الأساسية المترتبة على هذه الحرب.
التهدئة… حين يتم التوصل الى اتفاق او تفاهم بشأنها، فينبغي أولا ان لا تكون مادة سجال بين القوى الفلسطينية، فإذا كانت حماس المسلحة رأس حربتها العسكرية، فالشعب الفلسطيني كله هو وقودها وقاعدة الارتكاز الوحيدة فيها، وفي كل الحروب الفلسطينية الإسرائيلية بمختلف اشكالها وجبهاتها وبرامج القوى المنخرطة فيها، كان هنالك حالة اختلاط واندماج في الميدان على نحو يصعب الفصل فيها بين فتحاوي وحمساوي، بين منظم وتلقائي، وبين مبرمج وعاطفي، وفي حالة كهذه فإن النتائج مهما كانت ينبغي ان لا تنسب لاي فصيل او ينسبها لنفسه لأن الأكثر واقعية وعدالة ان يُنسب لأهله الذين بدون التفافهم جميعا واندماجهم كل حسب إمكاناته لما تحقق أي شيء يستحق البناء عليه .
ثم ان خلاصات جولات الحرب المتكررة لا تصلح للتباهي وتسجيل نقاط لمصلحة طرف او اجندة على حساب طرف آخر واجندة مختلفة، ولو توغلنا في هذا الامر فإننا نوسع مساحة وعناوين ومضامين الانقسام أي بعد انقسام الوطن ننقاد الى انقسام التضحيات وفرز لجثامين الشهداء وحتى الاسرى والمعتقلين، وهذا اكبر عيب وطني واخلاقي يصاب به شعب بأكمله ما يشد كفاحه المجيد والمرير الى الوراء.
الحروب وفي حالتنا الخاصة تتحدد نتائجها الفعلية على أساس كيفية استثمارها، وحرب مع إسرائيل ذات الإمكانيات المتفوقة في التدمير والقتل تحتم ان تعالج آثارها بجهد وطني منسق، وحشد طاقات موحدة ومتكاملة، ولنتذكر كيف بدد الانقسام فرصا مهمة لاعادة اعمار غزة حين خصص العالم في مؤتمر شرم الشيخ مليارات الدولارات، والنتيجة لم تقبض غزة منها الا النزر اليسير، ما جعل آثار تلك الحرب التدميرية ماثلة حتى يومنا هذا على جسد غزة وحياة أهلها، ثم ان هذه الحرب أي الجولة الراهنة أعطت دروسا بليغة لطرفي الانقسام عنوانها ومضمونها لا احد معكم غيركم، فصواريخ حزب الله ظلت نائمة وما كان منتظرا ان تنطلق، وقد اكتفى أصحابها ” بحرض المؤمنين على القتال”.
وجبهة الممانعة التي تتلقى الضربات الواحدة تلو الأخرى لا رد لها الا من غزة التي دمرت اربع مرات وقد نصل العاشرة دون جديد على مستوى الممانعة وجبهاتها الإعلامية التي لا تكل ولا تمل، اما جبهة الاعتدال فقد لاقت من حلفائها ورعاتها كل انكار واهمال وإدارة ظهر امام تنكيل نتنياهو بها، وعدم قدرة بايدن على تعويض الخسائر التي الحقها ترامب باربابها، فقط يقدمون النصح والإرشاد كما لو انهم يتحدثون مع طفل قاصر لا يملك من امره شيئا وبكل اسف لقد شجعناهم على ذلك.
فلسطين … غزة المقاتلة والقدس المتحدية، والضفة المشاركة في فعاليات الصمود الوطني قدر إمكاناتها ومؤثرات بيئتها المكبلة بقيود الاتفاقات والاحتلال المباشر والاستيطان، والسلطة محدودة المساحة في كل اتجاه، فلسطين هذه ينبغي بعد كل الذي حدث ان تظهر جديدا ومختلفا عن كل ما كان قائما وما يزال، من تشتت في القوى واقتتال على الحصص في الكعكة المعجونة بالدم، وتناقض في فهم ما يجري والذي يجر تناقضا في كيفية معالجته، ما يؤدي الى تبديد التضحيات وما يمكن ان يبنى عليها وطنيا وليس كما جرت العادة فصائليا.
الفلسطينيون بعد كل الويلات التي جرها عليهم الاقتتال الداخلي، ليسوا بحاجة الى قواميس ومستشارين وعباقرة لتحديد رؤية هي بديهية في المخرج من كل هذا، انها الوحدة المفترض ان تكون هاجسا وهما ومهمة للجميع، وليست مستحيلة في حالة قوى الانقسام، كذلك لا بد من استعادة المؤسسات التي تعطلت او عُطلت واهمها بالطبع المؤسسات المنتخبة، ثم الانفكاك من اجندات الاخرين تحت المسمى الوهمي ” التحالف” فأين تحالفات المعتدلين في مواجهة حرب نتنياهو الجذرية ضد الاعتدال، وأين تحالفات المقاتلين في مواجهة التدمير الإسرائيلي الممنهج والمتواصل.
كنا راهنا على الانتخابات العامة كخطوة أساسية لاستعادة دور الشعب في صنع سياساته، غير ان الرهان تبدد دون ظهور مؤشرات على انه سينهض من جديد، فهل بديل ذلك هو العودة الى طلب الحل من صناع الازمة.
أخيرا ان الصمود والإصرار في فلسطين كان عظيما ومجيدا وفعالا في توفير زخم لقضية كادت ان تصير منسية، فهل يكون أداء ما بعد الحرب متناسبا مع قوة الصمود على الأرض، ام نعود الى حكاية الإناء المثقوب الذي يجمع كي يبدد؟ لنرى.