الرحلة الفلسطينية من النكبة إلى النكسة في أعمال غسان كنفاني الروائية

26 أبريل 2019آخر تحديث :
الرحلة الفلسطينية من النكبة إلى النكسة في أعمال غسان كنفاني الروائية
الرحلة الفلسطينية من النكبة إلى النكسة في أعمال غسان كنفاني الروائية

الرحلة الفلسطينية من النكبة إلى النكسة في أعمال غسان كنفاني الروائية
د. زياد بني شمسه – أستاذ الأدب والنقد في جامعة بيت لحم
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم رؤية تحليلية نقدية ” للرحلة الفلسطينية في الأربعينيات والستينيات ” من خلال الوقوف على أعمال غسان كنفاني الروائية، وهو خير من تمثل الرحلة تهجيرا ومعاناة وإصرارا على العودة في فعله وفكره وأدبه.

تثير الورقة العلمية تساؤلات تجيب مضمون الدراسة عنها:
1-كيف كانت رحلة الفلسطينيّ بين عام 1948- 1967م وتفاوتها بين البحث عن الخلاص الفردي والخلاص الجماعي، من خلال تمثلاتها في روايات غسان كنفاني.
2-ماالصورة التي تقدمها روايات غسان كنفاني للقيادة الفلسطينية أو العربية في تلك الحقبة؟
3-كيف تفاوتت صورة الفلسطيني بين ثنائية العجز والانبعاث في تلك الرحلة؟
وتقف الدراسة بالتحليل والنقد على ثلاث روايات : رجال في الشمس 1963م، رواية ما تبقى لكم 1968م، أم سعد 1969. وتستعين الدراسة بكتاب رضوى عاشور ” الطريق إلى الخيمة الأخرى ” .

المحور الأول: الرحلة ” رحلة الفلسطيني ما بين 1948-1967م” بين البحث عن الخلاص الفردي والخلاص الجماعي.
رحلة الفلسطينيّ في رواية ” رجال في الشمس ” التي صدرت عام 1963م، رحلة مرتبطة بحلم الخلاص لشعب عانى الهجرة وعاينها بأم عينيه الدامعتين بعد عام 1948م.
فأبطالها ” أبو قيس” المزارع الفلسطينيّ الذي طرد من أرضه، و” أسعد” الشاب الذي يهرب من الاضطهاد السياسي ويصبح مدينا لعمّه متعهدا للارتباط بابنة عمه مقابل دينه وسداده، و”مروان” الطفل الذي يقوم بهمة الانفاق على أسرته التيتخلّ عنها الأب بعد زواجه من أخرى، كلّهم أبطال وقعوا في ” ورطة ” كما قال غسان كنفاني، أزمة دفعتهم إلى رحلة عبر الصحراء للوصول على الكويت الدوحة المأمولة.
إذن هي:
– رحلة في الصحراء تبدأ بحلم الخلاص الفردي وتنتهي بالإحباط ومزيد من العذابات التي نالت الأجساد والأرواح معا.
– رحلة في صحراء الكويت بعيدة عن الوطن فلسطين تعني الموت والهلاك.
– رحلة في الصحراء عبر خزان الوقود يرمز للخنوع والصمت فالفلسطينيون في تلك الرحلة لم يدقوا جدران الخزان.

أما الرحلة في رواية ” ماتبقى لكم ” 1968م؛ هي رحلة جَسّدها بطل الرواية “حامد” في عبوره في صحراء النقب متّجها إلى الأردن تجاه أمه، هروبا من الماضي وانفلاتا من اليأس والعار جرّاء موقفه السلبيّ من أخته مريم العانس التي تزوجت بـ” زكريا” النتن.

ارتبطت الرحلة بدوالّ جديدة مغايرة، تقول رضوى عاشور ” رحلة حامد تاركًا غزة قاصدًا أمّه عبر الصحراء هي الخطوة الأولى على طريق الانفلات من سجن الماضي المتمثل في الساعة – النّــعش”.
إذن؛ هي رحلة البداية التي استشرفت الثورة ودعت إليها، تمثلت بالآتي:

-رحلة في صحراء النقب تمثل رحلة البداية والثورة وبداية الوعي الفلسطيني للتمرّد.
-رحلة في الصحراء ولكنها هنا تبدو صحراء متعاطفة مع البطل، تساعده على الخلاص الجماعي والثورة، والصحراء هنا يحبها حامد.
– رحلة في الصحراء لكنها تخرق جدار الصمت الماضي المتمثل في الساعة المثبتة أمام السرير، وحامد هنا الذي يصنع الحاضر.
إن اختلاف دوالّ الرحلة وأبعادها المكانية والزمانية توحي بثنائية واضحة ما بين الروايتين لتدل على ثنائية كبرى في صورة الرحلة بين عام 48 و67م، من حيث وجهتها ونهايتها، فإن تمثلت الأولى بدوال ثلاثة” الخلاص الفردي، والصمت، والهلاك” فإن رحلة الفلسطيني بعد نكسة 67م اختلفت وجهتها وازداد فيها وعي الفلسطيني بقضيته وانقشعت عنه غيمة الذهول، وقد تمثلت بدوال مغايرة تبدت في ” الخلاص الجماعي، والتمرد، والحياة”؟
وهذه الخطاطة الآتية تمثل تلك الثنائية بين الرحلتين:
ثنائية رحلة الفلسطينيّ ما بين 48م-67م:
ما تبقى لكم
بعد نكسة 1967
حامد / مريم رجال في الشمس
بعد نكبة 1948
أبو قيس / مروان / أسعد رواية
صحراء النّقب-المتعاطفة
الفلسطيني المُحب للصحراء صحراء الكويت-القاسية
الفلسطيني الغريب المتعب رحلة الفلسطيني
رحلة للخلاص الجماعي، وتُعلن الثورة والتمرد. رحلة تبدأ بالخلاص الفردي، وتنتهي بالإحباط والفشل.
الصحراء -البداية
المرتبطة بمواجهة الحياة الصحراء -النهاية
المرتبطة بالموت والهلاك

المحور الثاني:صورة الفلسطيني ما بين عام 48م-67م بين العجز والانبعاث.
تكشف الدراسات ومنها دراسة رضوى عاشور عن صورة الفلسطيني المتدرجة، والتي تطورت مواقفها بتغير واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي، من خلا تتبعها للصورة في الروايات الثلاث: رجال في الشمس63م، ما تبقى لكم68، أم سعد69 م.
أولا-رواية رجال في الشمس ارتبط موضوعها بالهجرة بعد عام 1948م، حيث تقدم صورة الفلسطينيّ الذي يبحث عن حلول ذاتية وخلاص فردي بمواجهة الهزيمة بصمت.
كما تقدم صورة للفلسطيني العاجز الذي يموت دون ان يرفض واقعه أو يرفض حلولا في الخمسينيات.
وهنا يطلق غسان كنفاني صرخة في وجه الفلسطيني العاجز المستسلم على لسان أبي الخيزران ” لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ هذه آخر كلمات الرواية التي بدورها تحمل رسالة كاتبها عليكم أن تدقوا جدران الخزان، اصرخوا، افعلوا ..

ثانيا-رواية ما تبقى لكم عام 1966م، ينطلق الفلسطيني من نقطة العجز مع الموت إلى المحاولة والانبعاث في مواجهة الموت.
تقول رضوى عاشور: ” رواية ما تبقى لكم البدايات، فمواجهة حامد للصحراء بداية، وقتل مريم لزكريا بداية “. وهنا يمثل حامد ومريم بداية التمرد وبدأ الفلسطيني مرحلة جديدة تتسم بالمقاومة.

ثالثا-رواية أم سعد عام 1969 ما بعد النكسة، تمثل جيلا جديدا من الجيل المقاوم الذي يحمل السلاح ويقاوم.
هذه الرواية عقدت مفارقة بين جيل قديم” أبو سعد ” شهد المأساة وشُرد عن دياره ولكنه استسلم وأسلم نفسه للملذات واللهو وشرب الخمر؛ هروبا من واقعه وعجزه أمامه،وجيل جديد ولد في المخيم حمل الأعباء والهموم ” سعد وسعيد” وقد حملا على عاتقهما عبء الهزيمة وبدأت الشخصيتان بالثورة، و”أم سعد” المرأة الفلسطينية الكادحة الفقيرة تقاوم حياة اجتماعية وأخرى سياسية، تحول مخيمات اللجوء من مخيم تشرد واستسلام إلى مخيم ثورة شعبية وإعداد للمقاومة وتقديم فلذات أكبادها ” سعد وسعيد” زادا للثورة.
وهذه الخطاطة تمثل تدرج صورة الفلسطيني من العجز إلى التمرد إلى الثورة:
أم سعد
1968 ما تبقى لكم
1966 رجال في الشمس
1948 رواية
أم سعد
سعد وسعيد حامد / مريم أبو قيس / مروان / أسعد صورة الفلسطيني
الفلسطيني الثائر
الذي يبدأ بالثورة ويقاتل الفلسطيني المتمرد

الذي ينطلق من نقطة العجز إلى الانبعاث. (لماذا لم تدقوا جدران الخزان)

الفلسطيني العاجز لا يحتجّ على واقعه.
(خيمة عن خيمة تفرق)
الفلسطيني الجيل الجديد الذي يحول خيمة اللجوء إلى خيمة للثورة. الفلسطيني الذي يهرب من الماضي ويتمرد عليه. الفلسطيني الذي يعيش الماضي يبحث عن الخلاص الفردي.

المحور الثالث: صورة القيادة الرسمية أو الشّعبية.
وبالنظر إلى رموز الأبطال في روايات غسان كنفاني وخاصة في روايتي: ” رجال في الشمس ” ورواية ” أم سعد”نجد:
أولا – رواية رجال في الشمس : قدمت تصورا لتلك الرموز؛ فأبو الخيزران يرمز للقيادة التي تعد بتوصيل رفاقه إلى الدوحة المأمولة” الكويت”، وتعويضهم ع فقد الوطن، ولكنه إنسان عاجز فقد ذكوريته في حرب خاضها، فكان رمزا للقيادة-العربية أو الفلسطينية- التي لا تفي بوعودها، وتتنصل من مسؤولياتها فيما تعهدت به، بل تخون لتلقي بالجثث المتعفنة بعد سرقتها إلى مزبلة التاريخ، هي قيادة خاسرة مهزومة عفنة، هي القيادة التي قصّرت أثناء النكبة وبعدها مباشرة عن الاضطلاع بدورها فالمفاتيح بيد الراحلين المهجرين، وأحلام العودة بدت سحابة صيف .
ترى رضوى عاشور: ” قد تكون الإشارة هنا أيضا إلى القيادة العربية والملوك والرؤساء أبان فترة 48م”، ثم تتابع القول:” تبقى شخصية –أبو الخيزران-شخصية نشفق عليها بقدر ما ندينها، ووصف غسان كنفاني لها في هذه الصورة يجعل من الصعب علينا أن نختصر وجوده إلى إشارة سياسية أحادية الجانب “.

ثانيا-رواية أم سعد، قدم غسان كنفاني الرواية بالحديث عن أم سعد المرأة الحقيقية، هي المدرسة والشعب، التي تلد الثوار ” سعد وسعيد” وتحرض على الثورة.
أم سعد القيادة الثورية الشعبية الكادحة التي تقدم الكفاح من أجل النهوض والثورة، فهي تجاوزت الهزيمة قدمت التضحيات الاجتماعية والسياسية وقدمت أبناءها للثورة.
وأم سعد في بداية الرواية تغرس عرق دالية ناشف غداة الهزيمة، لنراه يزهر بعد حين وتنهي الرواية بأنه يثمر.. إنه يثمر، وهي دلالة على إرادة القيادة الشعبية الثورية التي تحول المنفى إلى مخيم للثورة ، فكانت ترى رضوى عاشور في عبارة ” خيمة عن خيمة تفرق” ثنائية اللجوء والثورة ، فهناك خيمتان خيمة لجوء وخيمة ثورة وإعداد.
وهذه الخطاطة تقدم صورة القيادة من خلال الروايتين: رجال في الشمس وأم سعد.
أم سعد
1969 رجال في الشمس
1948 رواية
أم سعد
الشعب – المدرسة
القيادة الثورية الشعبية الكادحة
تثور على الأنماط الثقافية والاجتماعية السائدة
أبو الخيزران
العاجز الذي فقد ذكورته
رمز لقيادة الشعب التي لا تفي بوعودها ومسؤولياتها
* القيادة الشعبية التي تجاوزت الهزيمة وحملت السلاح وقدمت التضحيات أرواح أبنائها.
*تحض على الثورة:
تزرع عرق الدالية الناشف في بداية الرواية وفي نهايتها تثمر. القيادة العربية في عام 1948قادت الشعب إلى الهلاك بموت الأبطال الثلاثة في خزان الصمت.

هكذا تبقى الرحلة الفلسطينية في أعمال غسان وثيقة تكشف عن الماضي وتمثل رؤية استشرافية للحاضر والمستقبل.