معنى أن يتحول العدوان إلى خبر عادي!

بقلم: عوض عبد الفتاح

أن يتحول العدوان الصهيوني المتكرّر على الأراضي السورية، الذي يقتل جنودا سوريين وإيرانيين، إلى خبر روتيني عادي لا يثير أي انفعال عند المواطن العربي هو نتاج الفشل المتراكم وخطأ السياسة وإدارة الحكم والفشل المريع في التعامل مع الداخل ومع العدو الخارجي.

كما أن يتقبل المجتمع الاستيطاني الصهيوني، بأريحيّة، هذه الإستراتيجية العدوانية المنهجية التي امتدّت إلى تنفيذ هجمات على المنشآت النووية على الأرض الإيرانية دون الاكتراث بالعواقب، لا تعكس عدوانية هذا المجتمع فحسب، بل، أيضًا، وهو الأخطر، الصلف غير المحدود النّابع من الثقة بعدم قدرة الجانب المعتدى عليه على الرد واستعداده لبلع الإهانات اليومية.

وتساءل الكثيرون منذ زمن طويل كيف أن الأنظمة “قادرة” على التعامل بـ”عقلانية” مع العدو وعنفه وغير قادرة على نفس التعامل مع شعوبها.

إن الأنظمة الفاشلة لم تستوعب أن الفشل في التعامل مع المواطن، هو المقدمة التي مهدت للهزيمة، أو الهزائم أمام العدو الخارجي.

لم يعد المواطن يفرق بين مصدر القتل والفتك به، لدرجة أن أجزاء من الشعب ارتمت في أحضان عدوها الخارجي. وقبل اندلاع الثورات العربية، هل ننسى كيف أن فدائيين فلسسطينين، هربوا من مذابح أيلول الأسود عام 1970 أنفسهم للعدو الإسرائيلي، على الحدود الأردنية هروبا من بطش النظام آنذاك!

ومع ذلك، فإن ما تقوم به إسرائيل من عدوانٍ مستمرٍ ومتكررٍ، سواء في سورية أو في إيران، يجب أن ينظر إليه باعتباره جزءًا من استراتيجية الهيمنة والاستعمار في المنطقة. فهي، بعدوانها، تفترض أنها تضرب كل ما يمكن أن يشكل تهديدًا لهيمنتها واستعمارها الاستيطاني المباشر لفلسطين والجولان العربي السوري. ولا تُقْدِم على هذه الاستراتيجيّة العدوانيّة إلا لخدمة مصالحها، مثلها القوى الخارجية التي عبثت بالثورات العربية وحرفها عن مسارها.

المواطن العادي أو المتعلم المستقطب لا يدرك حقائق هامة في ما يجري. فحتى فترة قريبة، ظن هذا المواطن أن روسيا-بوتين مثلا، هي جزء من معسكر المقاومة، منهم شيوعيون تتحكم بهم الدروشة ظنّوا أنّهم في عصر الاتحاد السوفييتي وهلّلوا لبوتين ولم يستوعبوا أن روسيا منذ الانهيار الكبير باتت جزءا من النظام الرأسمالي العالمي، وما تقوم به في سورية من تجربة أسلحة القتل على الشعب السوري، هو جزء من الصراع بين الهمجيات الرأسمالية على مناطق النفوذ ومختبر لتسويق السلاح الروسي. وهو ما ظنه، أيضا، الكثير مما يسمى بالمعارضة السورية، أن الأنظمة الخليجية التي تدخلت في الثورة السورية كان هدفها خدمة الثورة وليس تخريبها.

وبعض من تحمس للتدخل الروسي، في البدايات، اكتشف متأخرًا العلاقة الوثيقة بين روسيا وإسرائيل التي تجلّت في التفاهمات بخصوص استمرار الغارات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في الأرض السورية.

إسرائيل لا تفعل ذلك لأن النظام الإيراني ساهم في قمع الغضب الشعبي السوري بل لأنّ هذا الوجود الإيراني، في نظرها، يهدد الاستقرار على الحدود السورية – الفلسطينية، المستمرّ منذ حوالي خمسين عاما. وبالفعل، تشكّل إيران جزءا من معادلة التهديد للهيمنة الصهيونية وهو من المفترض أن يكون مفيدًا للصراع ضد نظام الاستعمار الكولونيالي في فلسطين والمنطقة العربية. لكن المواطن العربي – العروبي، والوطني الديمقراطي، واليساري الديمقراطي- يتساءل هل يجب أن تدفع الشعوب العربية مقابل ذلك كل هذا الثمن الباهظ من القتل وتمزيق المجتمعات، اجتماعيًا ومذهبيًا، كما هو الحال في العراق وسورية؟ هل يجب أن تتواصل طريقة التعامل مع مقومات القوة وعوامل النهضة الشاملة، وشروط التحرر بطريقة مجتزأة، قوامها فصل التحرر عن البناء الداخلي، والديمقراطية والتنمية الشعبية؟

ليست المنطقة العربية متخلّفة وخارجة عن سياق التطور بسبب الاستعمار فقط، بل بسبب تحوّل الكثير من النخب التي حكمت الدول العربية إلى مافيات استبداديّة دموية، سواء الجمهورية أو الملكية، بل حتى أن بعض الأنظمة الملكية التي ترتبط بالفلك الأميركي مباشرة كانت أكثر ذكاء من الأنظمة العربية الجمهورية في التعامل مع الناس حين خرجوا إلى الشوارع شاهرين صدورهم العارية من أجل حريتهم وكرامتهم.

بات العالم العربي، أو في غالبه، مستقطبًا ليس بين قطب عربي تقدمي وقطب عربي رجعي كما كان في حقبة عبد الناصر، بل بين دولتين غير عربيتين، هما تركيا وإيران، وبين قطب سني وشيعي، ولكل منهما مشروعه الإقليمي. ليس لدينا قطب عروبي حديث وديمقراطي يقوده قوميون عرب، بل باتت شرائح ممن هم محسوبون على هذا التيار، مرتبطة بالقطب الإيراني وتنظر له دون أدنى نقد حتى تجاه سياساتها المذهبية في العراق. لا بعد عروبيًا في خطاب “محور المقاومة” بل مصالح جيواستراتيجية، ما يعزز الانقسامين العمودي والأفقي في المنطقة العربية ويكرّس حكم المافيات.

من المفترض أن تكون علاقة الأمّة العربية مع كل من إيران وتركيا علاقة تنسيق وتعاون وتحالف في عملية تحقيق التنمية والاستقلال والديمقراطيّة والحريّات، وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني وعلى المستوى القومي العربي.

وربّما يطرح المواطن العربي تساؤلًا كيف لإيران وتركيا أن ترتبطا بعملية تنسيق وثيقة وعلاقات اقتصادية رغم أجندتيهما المتضاربتين في سورية والعراق، في حين يغيب هذا التنسيق مع الوطن العربي.

يعيش الوطن العربي فترة حكم الثورات المضادة، التي عادت وأحكمت السّيطرة على الشعوب بصورة أكثر وحشية، غير أنّ حراك الشعوب العربية لم يخمد ولا يزال يمرّ بمخاض صعب في ما تبدو عملية طويلة ومعقدة ومكلفة من تحرير العقل والانتظام نحو الغايات النهائية.

قد تتواصل المناوشات العسكرية بين الحين والآخر مع دولة الاستعمار عبر الحدود، غير أنّ حسم الصراع نحو التحرر العدالة في فلسطين، سيمرّ حتما من خلال تفكيك أنظمة الاستبداد الدموي والتابعة، وحين تستعاد كرامة الإنسان العربي في دولته. تلك بعض الملاحظات التي تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار خاصّة نحن الفلسطينيين، الذين رضي بعضنا أن يكون في خانة الاستقطاب والثنائيّات القاتلة.

عن “عرب ٤٨”

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …