التطبيع وجسوره الفلسطينية والعربية

بقلم: راسم عبيدات

في الحديث عن التطبيع، والذي يعني إقامة علاقات طبيعية في ظروف غير طبيعية مع دولة الاحتلال- سياسية، اقتصادية، أمنية، استخبارية، ثقافية، تجارية، فنية ورياضية…الخ، مع استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية. وهنا لا بد لنا من القول بأن التطبيع ما بين دولة الاحتلال والنظام الرسمي العربي دُشن بشكل فعلي بعد اتفاقية “كامب ديفيد” التي وقعها المغدور السادات مع دولة الاحتلال في 17 أيلول 1978، والتي جرى فيها استدخال ثقافة الهزيمة، حيث قال السادات بأن حرب تشرين 1973 آخر الحروب مع دولة الاحتلال، وبان اوراق الحل 99% منها بيد امريكا. وعلى الرغم من توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، لكن التطبيع بقي في إطاره الرسمي السياسي، ولم يستطع ان يحقق اختراقات جدية على المستوى الشعبي الاجتماعي، وكل فرد له موقع في مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية، مثل فنانين، محامين، كتاب وصحافيين وغيرهم، كان يجري علاقات أو لقاءات تطبيعية مع دولة الإحتلال، كان يجرم ويطرد من المؤسسة او النقابة المنتمي اليها، وما ينطبق على اتفاقية “كامب ديفيد” المصرية، ينطبق على اتفاقية وادي عربة الأردنية مع دولة الإحتلال الموقعة في 26 أيلول 1994، حيث بقي التطبيع في إطاره الفوقي السياسي، ولم ينفذ الى المستوى الشعبي المجتمعي، ولكن مع توقيع اتفاقية أوسلو الكارثة في أيلول 1994 ، كان أوسلو الكارثة بمثابة القاطرة للتطبيع العربي الرسمي العلني مع دولة الاحتلال، حيث شكلت السلطة الفلسطينية “بلدوزر” التطبيع مع الاحتلال، ونجح الاحتلال في نقل التطبيع الى المستويات الشعبية والمجتمعية، أنشطة وفعاليات مشتركة ولقاءات تطبيعية بين العديد من المؤسسات والشخصيات الفلسطينية مع مؤسسات وشخصيات اسرائيلية، والتي كان يُغلفها من يقومون عليها بالمصالح الفلسطينية العليا للشعب الفلسطيني، وهي مجرد مشاريع استثمارية وفوائد خاصة سياسية، اقتصادية، مالية للقائمين عليها، ومساهمة مجانية لاختراق الوعي الشعبي الفلسطيني” وكيه” و” تطويعه”، وكان البعض يعتقد بانه “جهبذ” زمانه، وأنه لا يحق لأحد مراجعته او مساءلته او انتقاده على مثل هذه الأفعال والأنشطة والفعاليات التطبيعية، هذه الأنشطة والفعاليات واللقاءات التطبيعية، والتي وصلت حد تشكيل ما يسمى بلجنة التواصل والحوار مع المجتمع الإسرائيلي، وجد فيه النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن ضالته، وبأنها تشكل له جسر المرور، لكي ينتقل بعلاقاته التطبيعية مع دولة الاحتلال من الإطار السري الى الإطار العلني، وهو” المندلق” والمتشوق للعلاقات التطبيعية مع دولة الإحتلال، ولنجد بعد قدوم الإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة بقيادة ترامب، والمشاركة في العدوان على شعبنا الفلسطيني بشكل مباشر لتصفية قضيته الوطنية بكل ركائزها، عبر ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية وما يتفرع عنها من ضم وتهويد، بأن العديد من دول النظام الرسمي العربي، جزء من المخطط والمشروع الأمريكي لتصفية حقوق شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، عبر المشاركة في احتضان واعلان الشقين الاقتصادي والسياسي لصفقة القرن الأمريكية (البحرين احتضان الورشة المالية التي رعتها امريكا في المنامة حزيران 25 و26 / 2019) وحضور سفراء دول الإمارات وعُمان والبحرين لإعلان الشق السياسي من صفقة القرن في واشنطن الى جانب رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو والرئيس الأمريكي المتصهين ترامب في 28 /1/ 2020، ومن بعد ذلك كثفت أمريكا واسرائيل من ضغوطهما على دول النظام الرسمي العربي لنقل علاقاتها التطبيعية من الجانب السري الى الجانب العلني، حيث جرت عدة لقاءات تطبيعية بين رئيس وزراء الاحتلال وعدد من قادة النظام الرسمي العربي، منها اللقاء التطبيعي مع رئيس ما يسمى بالمجلس العسكري الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في مدينة عنتيبة الأوغندية في 5/ 2/ 2020، والمقال الذي كتبه السفير الإماراتي يوسف العتيبة في جريدة “يديعوت احرنوت” الإسرائيلية، والذي دعا فيه الى تطبيع العلاقات بشكل علني مع اسرائيل، واقامة علاقات تجارية واقتصادية معها، واعتبار وجودها مكونا طبيعيا من مكونات جغرافيا المنطقة، والقول بأن تطبيع العلاقات معها سيؤجل او يلغي ضم الأراضي الفلسطينية، كلمة حق يراد بها باطل، لتبرير والتخفيف من حدة السقوط الإماراتي الإستراتيجي والسياسي والأخلاقي في حضن دولة الإحتلال، وكل ذلك كان الإرهاصات والمقدمات على ان التطبيع العلني لدول النظام الرسمي العربي مع دولة الاحتلال قادم وبأسرع مما نتوقع، هذا التطبيع الذي بدأته مشيخة الإمارات العربية في الرابع من آب الماضي، والتي ستصدق على اتفاقيتها التطبيعية مع دولة الاحتلال بشكل نهائي في الثالث عشر من أيلول الحالي في واشنطن، ذكرى مرور ستة وعشرين عاماً على كارثة أوسلو… والتطبيع العربي للنظام الرسمي العربي يتدحرج ويتوسع، فالبحرين والسعودية فتحتا مجالهما الجوي أمام الطيران الإسرائيلي المدني من أجل استخدامه للمرور، وسيكون ذلك مقدمة أمام سلاح الجوي الإسرائيلي لاستخدامهما…. ومشيخة البحرين” العروبية” رفضت ان يوضع بند التطبيع الإماراتي على جدول اعمال جامعة الدول العربية الذي سيعقد في التاسع من الشهر الحالي على مستوى وزراء الخارجية العرب في دورة عادية، بعد رفض ابو الغيط أمين عام تلك الجامعة طلب فلسطين بعقد جلسة طارئة لاتخاذ موقف من التطبيع الإماراتي مع دولة الإحتلال…التطبيع العربي والذي يقول ترامب المستفيد الأول منه في حملته الانتخابية، والذي تهمه مصالح اسرائيل قبل مصالح امريكا، بأن هناك العديد من الدول العربية تسأل الإدارة الأمريكية متى سيأتي دورها في التطبيع، تصوروا الى أين وصلت الخيانة وحالة الانهيار للنظام الرسمي العربي؟؟؟!! …المهم هذا “الإندلاق” التطبيعي العربي سيشكل جسر التطبيع الإقليمي والدولي مع دولة الاحتلال، فما دامت دول عربية وإسلامية تطبع علاقاتها مع دولة الإحتلال بتشريع وموافقة من ما يسمى بجامعة الدول العربية ومنظمة دول التعاون الإسلامي، فالدول الأخرى لن تكون ملكية أكثر من الملك… وهذا جعل كلا من جمهوريتي صربيا وكوسوفو المولودتين من رحم الإتحاد اليوغسلافي الذي فككه الأمريكان، بعد محادثات زعيميهما التطبيعية للعلاقات بينهما في واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي الجمعة 4 /9 / 2020 تعلنان بانهما بصدد تطبيع علاقاتهما بإسرائيل، وصربيا مطبعة لعلاقاتها مع دولة الاحتلال سابقاً، ولكنها تعهدت بنقل سفارتها من تل ابيب الى القدس حتى تموز/2021 ، في حين دولة كوسوفو ذات الأغلبية المسلمة تستعجل تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال ونقل سفارتها الى القدس. العرب، امريكا واسرائيل تنظران اليهم على انهما رعاع وقطعان بشرية وخارج البشرية العاقلة، وفي هذا الصدد يظن كوشنر ونتنياهو أن العرب قطيع من “البغال”، لا يفهمون ولا يعرفون ولا يبحثون ولا يدرسون، ونتنياهو يضيف الى ذلك (كما تحدث عن العلاقات مع الامارات)، ان العرب لا عقول لهم “فقد أعلن أن العقل اليهودي والمال الاماراتي سيمكنان المنطقة من التقدم”.

علينا ان نفهم جيداً كعرب، بأن الأمريكان يستخدمون آلات ضخمة لفرم الثقافة.. ومطاحن لعقول البشر .. من اجل اسرائيل، وأختم بما قاله الكاتب العربي السوري الكبير بأن أمريكا “تقوم يعملية تعديل الثقافات والشعوب والأديان .. فتصبح ثقافات الشعوب لا تشبهها وأديانها لا تشبه أديان أجدادها .. وتتم إعادة تشكيل الشعوب وخفق ثقافاتها كما يخفق البيض لصناعة حلوى امريكية .. ويصبح ما كنا نراه في أفلام الخيال العلمي حقيقة من أن الضحايا يؤخذون الى مراكز تعديل الافكار والسلوك وتوضع خوذات على رؤوسهم ويتعرضون لصعقات الكترونية يتم فيها نقل مخزون الذاكرة من راس الى آخر .. فيصبح الفأر كلبا والقط دجاجة .. أما كيف ذلك فانه عبر مراكز أبحاث ضخمة .. تدرس كل ما لدينا في الثقافة من كتب تفسير الاحلام والامثال الشعبية الى أشعار نزار قباني .. ومن حكايا الجدات وقصص عنترة والزير الى أشعار المتنبي ..

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …