قالت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها اليوم الجمعة، إن القادة الليبيين تجنبوا، لوقت طويل، العقاب على ما تسببوا به من كوارث لشعبهم، وآخرها كارثة درنة.
وأوضحت الصحيفة أن كارثة الفيضان تشير إلى الجرائم الأخرى وفشل الحاكمين في ليبيا، ولم يعد الناس يطيقون الوضع، “فاض الكيل”. وأضافت أن إحصاء الآلاف من ضحايا فيضان درنة، لا يساعدنا على الإمساك بحجم خسارتهم.
وقال الصحافي علي جوهر، لبودكاست “غارديانز توداي إن فوكس”، إن “هؤلاء الناس ليسوا أرقاما، فهم بشر لديهم أسماء”. ولا تريد السلطات الليبية من الناس التركيز على الضحايا أو الذين ماتوا.
ويقول علماء البيئة، إن زيادة معدلات الحرارة العالمية جعلت من الرياح الغزيرة التي ضربت ليبيا محتملة بنسبة 50 مرة. إلا أن انهيار السدّين قرب درنة، والفشل بإجلاء الناس ضاعف من الكارثة، ويريد الناجون معرفة سبب تجاهل التحذيرات عن وضع السدّين، وماذا حدث لملايين الدولارات التي خُصصت لصيانتهما.
وفي يوم الثلاثاء، وبعد احتجاجات غاضبة من المواطنين، منعت السلطات الليبية الصحافيين الأجانب من دخول المدينة، فيما انتشرت تقارير عن اعتقال صحافيين محليين، كما قُطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت عن المدينة المنكوبة.
وعلقت الصحيفة: “هذا بلد بحكومتين متنافستين، فتحالف الميليشيات الذي يقوده أمير الحرب خليفة حفتر، يتنافس مع الحكومة المعترف بها دوليا في غرب ليبيا. ومن يحكمون، لا يهمهم سوى الثروة والسلطة، بدون أي اهتمام بحياة 7 ملايين ليبي يئنون من سنوات الديكتاتورية والثورة والحرب الأهلية والانسداد السياسي. فالحكومات العاجزة، القاسية والفاسدة، لا تستطيع عمل أي شيء، وتعتمد على الآخرين حتى على أشبال فرق الكشافة لكي تمارس واجباتها، في وقت تقوم بتكميم وقمع المجتمع المدني”.
ويخشى الكثيرون الآن من استغلال القيادات السياسية للأزمة لإثراء أنفسهم وتأخير الانتخابات. وقام حفتر بترسيخ قوته، وابنه صدام مسؤول عن عمليات الرد على الكارثة. وسينسق المجتمع الدولي مع رجل قامت قواته بأخذ “كميات كبيرة” من المال والفضة التي تعود للبنك المركزي، بحسب خبراء الأمم المتحدة، وهي مسؤولة عن “كاتالوغ” من الفظائع، بما فيها جرائم حرب، وفق منظمة أمنستي إنترناشونال.
ويشعر الليبيون في داخل البلد وخارجه بأن صبرهم قد نفد، ويريدون من المجتمع الدولي القيام بتحقيق في الكارثة والرد عليها، ودور السلطات فيها. فأي تحقيق محلي سيحاول البحث عن “كبش فداء” ولن يتعاون المسؤولون مع المحققين الدوليين. إلا أن النخب السياسية في ليبيا، ظلت تتمتع وخلال العقد الماضي بحصانة من العقاب، ولم تكن بحاجة لأن تبرر فشلها وجرائمها.
وركزت كارثة درنة الضوء على سلوك النخب السياسية. فالتحقيق سيكشف عن تحركاتهم وتقاعسهم ويقدم معلومات ضرورية لليبيين، وربما يلعب دورا في منع كوارث بالمستقبل.
وكشفت ورقة نشرها مركز البحث “تشاتام هاوس” في لندن، وتركز على ليبيا والعراق ولبنان، أن صناع السياسة الدوليين “غلّبوا الاستقرار على المحاسبة، وأدت التسويات أو المقايضات مع النخب، لإطالة أمد الأنظمة السياسية التي نفعت هذه النخب على حساب المواطنين”.
وناقش معدو الورقة، رناد منصور وتيم إيتون والدكتورة لينا الخطيب، بأن الصفقات هذه خفّضت مستوى العنف المباشر، ولكنها تجاهلت أشكال العنف، وفشلت في تحسين حياة الناس، بل زادت من الفساد وفشلت في التنمية البشرية.
وقال معدو الورقة إن المحاسبة يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ في عمليات التوصل إلى تسويات. وتجاهلت القيادات الليبية هذا حتى الآن.