توصل أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي، مساء الأحد، إلى اتفاق مبدئي يهدف إلى إنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، بعد أكثر من خمسة أسابيع من الشلل السياسي الذي عطّل عمل المؤسسات الفيدرالية وأثّر سلباً على الاقتصاد الوطني.
وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات المغلقة إن ما لا يقل عن ثمانية أعضاء ديمقراطيين وافقوا على دعم تسوية تم التوصل إليها مع البيت الأبيض والجمهوريين في مجلس الشيوخ، وهو عدد كافٍ لتمرير الخطة وإرسالها إلى مجلس النواب. وكان من المتوقع إجراء تصويت إجرائي في المجلس في وقت متأخر من مساء الأحد.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لدى عودته إلى البيت الأبيض مساء الأحد، إن المفاوضات اقتربت من تحقيق اختراق ينهي الأزمة، مضيفاً: “يبدو أننا أصبحنا قريبين جداً من إنهاء الإغلاق… ستعرفون ذلك قريباً جداً”.
ويقضي الاتفاق بإعادة فتح الدوائر الفيدرالية وتمويلها حتى نهاية كانون الثاني/يناير، مع إلغاء قرارات التسريح المؤقت للموظفين الفيدراليين وضمان حصولهم على رواتبهم المتأخرة.
لكن التسوية تضمنت تنازلاً من الجانب الديمقراطي بشأن الاعتمادات الضريبية للرعاية الصحية، التي كانت محور الخلاف الرئيس بين الحزبين. فبينما طالب الديمقراطيون بتمديد هذه الاعتمادات التي تنتهي بنهاية العام، لم يتضمن الاتفاق سوى تعهد بإجراء تصويت حولها في موعد أقصاه منتصف كانون الأول/ديسمبر المقبل، من دون أي ضمانات بتمديدها.
وقد أثار هذا البند اعتراض عدد من النواب الديمقراطيين، إذ أعلن زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز رفضه للاتفاق، قائلاً في بيان: “سنقاتل ضد مشروع القانون الجمهوري في مجلس النواب، لأنه لا يحمي الاعتمادات الضريبية للرعاية الصحية التي تعتمد عليها ملايين الأسر الأميركية”. وأضاف: “بسبب رفض الجمهوريين معالجة أزمة الرعاية الصحية التي تسببوا بها، سيتحمل الأميركيون العاديون ارتفاعاً هائلاً في تكاليفهم”.
وجاء هذا التطور في اليوم الأربعين للإغلاق الحكومي، بعد تحذيرات من إدارة ترمب من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تباطؤ حاد في حركة الطيران وانكماش اقتصادي. وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن تأثير الإغلاق “يزداد سوءاً يوماً بعد يوم”، مشيراً إلى أن تعطّل الرحلات الجوية وتوقف المساعدات الغذائية للأسر ذات الدخل المنخفض يهددان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وكانت الحكومة الأميركية قد أغلقت أبوابها في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، إثر فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق بشأن موازنة السنة المالية الجديدة، ما أدى إلى تعطيل عمل مئات آلاف الموظفين الفيدراليين وإجبار آخرين على العمل من دون أجر.
وقد تفاقمت تداعيات الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة، مع توقف صرف مخصصات برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) منذ الأول من تشرين الثاني، وهو ما أثر في أكثر من 40 مليون أميركي يعتمدون على قسائم الطعام. كما أمرت إدارة الطيران الفيدرالية، الجمعة الماضي، بتقليص عدد الرحلات الجوية تدريجياً بنسبة تصل إلى 10 في المئة بحلول 14 تشرين الثاني/نوفمبر إذا استمر الجمود.
وكان الجمهوريون يدفعون نحو تمرير قرار تمويل مؤقت (Continuing Resolution) يبقي الإنفاق عند مستوياته الحالية، بينما اشترط الديمقراطيون تضمين هذا القرار تمديداً للاعتمادات الضريبية للرعاية الصحية.
وفي سلسلة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، هاجم الرئيس ترمب شركات التأمين الصحي ورفض فكرة تمديد تلك الاعتمادات، مقترحاً بدلاً من ذلك صرف مبالغ مباشرة للأميركيين، قائلاً: “ادفعوا المال للناس، وليس لشركات التأمين!”
ويعكس الاتفاق المؤقت هشاشة التوازن السياسي في واشنطن، حيث يسعى كل من الحزبين إلى تجنب تحميله مسؤولية استمرار الإغلاق في ظل تزايد الضغوط الشعبية والاقتصادية. فبينما أراد الجمهوريون، بقيادة ترمب، الظهور بمظهر المنقذ الذي أعاد فتح الحكومة، حاول الديمقراطيون التخفيف من خسائرهم السياسية عبر انتزاع تعهد بإعادة مناقشة قضية الاعتمادات الصحية لاحقاً، ما يجعل الاتفاق خطوة تكتيكية أكثر منه تسوية نهائية.
كما يُظهر مسار الأزمة كيف تحولت قضايا التمويل الفيدرالي والرعاية الصحية إلى أدوات صراع انتخابي مبكر قبل عام من انتخابات 2026، إذ يسعى الطرفان إلى تثبيت سردية سياسية مختلفة أمام الناخب الأميركي: الجمهوريون يدّعون أنهم يحاربون “الهدر والبيروقراطية”، فيما يقدم الديمقراطيون أنفسهم كمدافعين عن العدالة الاجتماعية. ومن ثم، فإن إنهاء الإغلاق لا يعني بالضرورة انتهاء الأزمة، بل ربما يكون مقدمة لجولة جديدة من الصراع حول أولويات الإنفاق ودور الدولة في الاقتصاد













