طليب تقدّم مشروع قرار في الكونغرس يحمّل إسرائيل مسؤولية الإبادة الجماعية في غزة

15 نوفمبر 2025آخر تحديث :
House Clerk Cheryl Johnson presides as voting continues for new speaker at the US Capitol in Washington, DC, on January 5, 2023. The US House of Representatives plunged deeper into crisis Thursday as Republican favorite Kevin McCarthy failed again to win the speakership -- entrenching a three-day standoff that has paralyzed the lower chamber of Congress. (Photo by MANDEL NGAN / AFP)

في خطوة تُعدّ من أكثر التحركات جرأة داخل الكونغرس الأميركي منذ اندلاع الحرب على غزة، قدّمت النائبة الأميركية (الفلسطينية الأصل) رشيدة طليب، ممثلة الدائرة الثانية عشرة في ولاية ميشيغان، مشروع قرار جديد يحمل الرقم H.Res.876، يطالب بالاعتراف الرسمي بأن الحكومة الإسرائيلية ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، داعيةً الإدارة الأميركية إلى اتخاذ “إجراءات فورية وملموسة” انسجامًا مع التزامات الولايات المتحدة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

وقالت طليب في بيان صادر عن مكتبها إن ما يجري في غزة “ليس صراعًا عابرًا، بل عملية إبادة مستمرة”، مؤكدة أن إعلان وقف إطلاق النار قبل أشهر “لم يوقف قتل الفلسطينيين، ولم يضع حدًا للانتهاكات اليومية”. وأضافت: “الإفلات من العقاب يشجع على ارتكاب المزيد من الفظائع. وبينما يستمر دعم حكومتنا غير المشروط، تُطفأ حياة الأطفال الفلسطينيين بقنابل ورصاص يحمل ختم ‘صُنع في الولايات المتحدة'”.

ويحظى مشروع القرار بدعم عشرين عضوًا في الكونغرس، معظمهم من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، بينهم أسماء بارزة مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، إلهان عمر، جمال باومان، جريج كسار، وأيانا بريسلي، في خطوة تعكس اتساع دائرة الأصوات التي تطالب بإعادة تقييم الدور الأميركي في الحرب وما تُتهم إسرائيل بارتكابه خلالها.

استناد إلى تقارير أممية ومنظمات حقوقية

يستند مشروع القرار إلى ما وصفته طليب بـ”توافق عالمي متزايد” حول توصيف ما جرى ويجري في غزة، مستشهدًا بتقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، وكذلك بمواقف الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، وعدد كبير من المنظمات الحقوقية مثل العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش, أطباء بلا حدود, مركز الميزان، بتسيلم, و”الشبكة لمنع الإبادة”.

وتؤكد هذه الهيئات أن الانتهاكات لم تكن مجرد “أخطاء حرب”، بل اتخذت نمطًا ممنهجًا يشمل القتل واسع النطاق، التجويع القسري، التهجير، وتدمير البنية المدنية، ما يرقى إلى مستوى “نية الإبادة” وفق معايير القانون الدولي.

مطالب المشروع: وقف التسليح والمساءلة الدولية

يدعو مشروع القرار الإدارة الأميركية إلى احترام التزاماتها القانونية من خلال:

·       وقف تحويل السلاح والمعدات العسكرية ذات الصلة إلى إسرائيل؛

·       التحقيق مع أفراد أو شركات أميركية يُشتبه بتورطهم في تسهيل انتهاكات ترقى إلى الإبادة؛

·       الالتزام بأوامر محكمة العدل الدولية والتحقيقات التي يجريها الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية؛

·       فرض عقوبات محددة تستهدف المتورطين، أفرادًا أو مؤسسات.

ويرى مراقبون أن هذه المطالب، وإن كانت رمزية من الناحية التشريعية بسبب غياب الأغلبية الداعمة لها داخل الكونغرس، فإنها تسجّل تحولًا مهمًا في الخطاب السياسي الأميركي، وتُظهر أن ملفات حقوق الإنسان والقانون الدولي بدأت تحتل مساحة أكبر في الجدل الداخلي حول علاقة واشنطن بإسرائيل.

مواقف داعمة من أكاديميين ومنظمات حقوقية

ووصفت البروفيسورة نورة عريقات، استاذة القانون في جامعة رَتغرز (بولاية نيوجيرزي) القرار بأنه “محاولة لإعادة الاعتبار للنظام القانوني الدولي من الداخل الأميركي”، معتبرة أن فشل الولايات المتحدة في الاعتراف بما يجري في غزة على حقيقته “يمهّد لعالم أكثر عنفًا وانهيارًا للمعايير التي يفترض أنها تضبط سلوك الدول”.

من جهتها، أكدت إليزابيث رغَيبي من العفو الدولية الولايات المتحدة في تصريح أن بلادها “ملزمة قانونيًا، وليس سياسيًا فقط”، بمنع جريمة الإبادة والتحقيق فيها، مضيفة أن القرار “خطوة ضرورية لوقف التواطؤ الأميركي”.

أما منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام – الجناح السياسي، فاعتبرت أن الولايات المتحدة “شاركت بصورة مباشرة في ما يجري”، وأن مشروع طليب “يمثّل صرخة سياسية لكبح هذا التواطؤ”، مشيرة إلى أن غالبية الأميركيين باتوا يطالبون بوقف الدعم العسكري.

دلالات سياسية أبعد من المشهد التشريعي

وعلى الرغم من أن فرص تمرير القرار داخل الكونغرس تبقى شبه معدومة، إلا أن المشروع يحمل أهمية سياسية على مستويات عدة، مثل: إعادة تعريف الخطاب داخل الحزب الديمقراطي؛ توسيع إطار النقاش العام حول مسؤولية واشنطن في الحرب؛ تثبيت سردية قانونية لمرحلة المحاسبة، وخلق ضغط أخلاقي وإعلامي على الإدارة الأميركية.

كما يمثل مشروع القرار الذي قدّمته طليب تحديًا مباشرًا للبنية السياسية الأميركية التي لطالما تجنبت توصيف الانتهاكات الإسرائيلية بلغة القانون الدولي. أهميته لا تكمن فقط في مضمونه، بل في قدرته على كشف التحولات داخل الرأي العام الأميركي، وخاصة داخل الجناح التقدمي. كما يشير إلى أن ملف غزة بات اختبارًا لمصداقية الولايات المتحدة كدولة تدّعي حماية منظومة حقوق الإنسان، ويضعها أمام سؤال جوهري: هل يمكنها الاستمرار في دور الحليف غير المشروط لإسرائيل دون كلفة سياسية وأخلاقية؟