بقلم طلعت الصفدي:
يولد في غزة … يتردد في البداية حتى يرى نور الشمس ،ورائحة الوطن … يترعرع في الحضن الدافئ لوالديه في اسرته الصغيرة ،الخلية الاولى للمجتمع الفلسطيني ،وتحت حماية العائلة والسلطة القانونية والشعب الفلسطيني ،يتشبث بأرض الاباء والأجداد ،فلسطين التاريخية التي استولى عليها المهاجرون والغاصبون ،والمستوطنون الغرباء ،تحت فتاوى ومزامير توراتية وتلمودية ،ودساتير اخرى ،ينفذون ارادة الرب كما يزعمون ،ويزورون ارادته ،بوصية عودتهم لأرض الميعاد ،يغلفونها بأهداف دينية ،وفي حقيقتها أهداف سياسية عنصرية ،هم في خدمة الرأسمالية ،والغرب الاستعماري بزعامة الولايات المتحدة الامريكية ،وبدعم المحافظين القدامى والجدد.
الطفل الفلسطيني ابن الأرض الكنعانية ،يدرك قوانين الحياة والتطور ،يولد ،يترعرع ،وفي المرحلة الأولى لطفولته يزحف على بطنه الى الوراء ،خطوة الى الخلف وخطوتان الى الأمام ،وما بين السقوط مرة ،والوقوف مرات ،ينتصب وقوفا وقوفا ،مرفوع الهامة يمشي ،تحكمه غريزة البقاء والصمود والتحدي ،يشتد عوده ،ينام الفلسطيني ويصحو على حب الوطن ،وما بين الفرح والأمل يرسم الآباء خارطة المستقبل لأبنائهم . ينشغل بعض الغزيين عن عدوهم المركزي الاسرائيلي للحظة ،لترتيب أوضاعهم المعيشية الصعبة في ظل واقع مرير ،الانقسام القبيح ،الحصار الظالم ،غزة سجن كبير ،فصل غزة عن الضفة الغربية والقدس والأهل في 48 ،الأسرى في معتقلات الاحتلال يخوضون معركة الامعاء الخاوية ضد قانون الاعتقال الاداري الجائر ،تحسين شروط اعتقالهم ،ومن أجل اعتبارهم أسرى حرب بعد الاعتراف بدولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة ،وغلاة المستوطنين يقتحمون المسجد الاقصى ،والمقدسات المسيحية ،يسعون لتهويد القدس عاصمة دولة فلسطين ،يمارسون الارهاب اليومي ،يستولون على الارض يقيمون المستوطنات ،يعتدون على المزارعين اصحاب الارض الاصليين ،والانفصال عن البعد العربي والدولي ينهش اللحم والعظم الفلسطيني ،التدخل في الاوضاع والصراعات الداخلية للأقطار العربية ،والصفقات المالية ،والتحالفات والتكتلات الاقليمية على حساب القضية الفلسطينية وممثلها الشرعي الوحيد ،أوراق الحل في يد امريكا ،فشل المفاوضات جراء التعنت الاسرائيلي ،تراكم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني ،غياب التوحد في مواجهة الاحتلال وسياسته العدوانية ،وسياسة الهاء شعبنا بقضاياه وصراعاته الداخلية ،في حين كان الاحتلال يخطط سياسيا وعسكريا ،يتربص للانقضاض على شعبنا ،وفي مقدمتهم الأطفال والشباب ،باعتبارهم وعد المستقبل للخلاص من الاحتلال ،وإعادة الحقوق الوطنية المشروعة ،ولم الشمل الفلسطيني .
وبعد أن توفرت البيئة العربية والدولية ،الحاضنة للعدوان الاجرامي ،وكعادته لا يفتش عن ذرائع ،ومبررات ،حانت ساعة الصفر ،فانقض عزرائيل الصهيوني على الضفة الغربية ،ثم تشتد الهجمة الشرسة على قطاع غزة ،تتساقط قذائف الموت الحاقدة على الاسرة ،والعائلة والبيت في لحظات احتضان الاب لأبنائه ،يتحول شعاع الأمل والمستقبل الى جحيم ،جسد الأطفال البض الى أشلاء ،جثثهم متفحمة ،لا يفرق الأب بين طفله وطفلته ،رؤوس بالكاد تمسك بالجسد ،أطراف متقطعة على جدران البيت ،وأسلحة الابادة الجماعية تلاحق الاطفال في الشوارع والمدارس والمساجد وعلى اسطح الابراج السكنية ،وعلى الارصفة والطرقات وشلال الدماء الزكية ترسم خارطة فلسطين وحدودها بكل اللغات العربية والعبرية واللاتينية ،وخلي السلاح السلاح صاحي ،وفي الجو والبر والبحر هستيريا ،وضحكات لاغتصاب الارواح من الاجساد الحية ،وقهقهات ،ورقصات على صور الضحايا ،يتلذذون دون ضمير وبسادية مطلقة على وقع الصراخ والعويل والدخان والغبار المشع بأسلحة الدمار الفتاكة ،فهل انتصر الجنون على العقل ،وسيطرت البهيمية والوحشية والبربرية على عقولهم ،فتحولوا لمسخ ووحوش وآكلي لحم البشر ،هل أعمت بصيرتهم التعبئة الشوفينية ،والحقد الاعمى على الحب الانساني ،في اية اكاديمية عسكرية وسياسية تعلموا ،كيف يسلخون جلد الضحية ،ويقتلون السلام ،وأغصان الزيتون ؟؟ جئتكم بأوراق الزيتون في يد ،وباليد الاخرى البندقية ،فلا تسقطوا اوراق الزيتون ؟؟ وين الملايين ،والشعب العربي وين ؟؟؟!!!
في غزة توقف منطق ارسطو وأفلاطون ،ولغة العقل الانساني ،وتعطلت نواميس الحياة ،وبدلا من ان يدفن الابناء آباؤهم لكبرهم وتقدمهم في العمر ،وشيخوختهم المليئة بالتجربة والخبرة الكفاحية ،يدفن الاباء ابنائهم دون نظرة وداع ،يدفن المسنون الصبايا ،ينقطع نسل البعض ،تمسح اسر بأكملها من السجل المدني ،فلا وريث ولا صديق ،إلا دموع الاحبة والجيران ،وقراءة الفاتحة والترحم عليهم ،وتحصي وزارة الاسكان ما تحصيه فهذا لن يغير في الأمر شيئا ،فعدد الشهداء والجرحى من الاطفال والنسوة ،تبقى وثائق ادانة للقادة السياسيين والعسكريين المحتلين ،وملاحقتهم ومحاكمتهم كمجرمي حرب ،وإدانتهم دوليا ،في انتظار توقيع دولة فلسطين على ميثاق روما دون ايادي مرتعشة ومترددة ،وسيحوم العار على كل المشاركين والداعمين للمجازر . وحتى الآن لا أحد يعرف المفقودين تحت ركام البيوت والأنقاض ،من المعتقلين الذين وقعوا في الاسر ،ومع ذلك يبقى الأمل في انقاذ الابناء ،وعودة المعتقلين . تتسابق وسائل الاعلام والفضائيات الفلسطينية والعربية على شريطها المتحرك والعاجل عن تصاعد مسلسل سقوط الشهداء والجرحى اليومي ،ونسوا في زحمة الكارثة ،ان الشهداء هم ابناء أسر مناضلة ،وعائلات فلسطينية عريقة ،ينتمون ليس لغزة برغم مكان الميلاد ،بل ليافا وحيفا وصفد واللد والمجدل وجولس والمسمية ،والرملة وعكا وبئر السبع وبربره وبرير ،ينتمون لكل مدينة وبلدة وقرية وخابية وشجرة وذكرى وتاريخ ومعركة وانتفاضة ….الخ الشهداء هم قاطرات التاريخ ،ومشاعل الخلود ،هم ابناء عائلات ،لهم تواريخ ميلاد ،وأماكن ميلاد ،وإباؤهم يروون لهم حكايات المناضلين ،والشهداء منذ بدء تشكل الكون ،وبدء الحياة على ظهر الأرض ،ما قبل الانبياء وما بعدهم ،ابراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ،ففلسطين من مهدها هي ام البلاد والشعوب والأمم ،وغزة لن تكون مخصيه مهما اورثها التاريخ والحضارة الموقع الاستراتيجي ،بل ستبقى منبعا للأطفال الثوار ،فالغضب الساطع آت ،وبلاد العرب أوطاني ،ومقابل 1913 شهيدا 4500 مولودا ثائرا في الشهر الماضي ،لن يغفروا ولن ينسوا جرائم المحتلين ومجازرهم precision peptides letrozole.