كثيرة هي المفارقات في حياة الفلسطينيين، فهم من دولة «غير عضو» في الأمم المتحدة، وبصفة مراقب، ولديهم سُلطة لا سلطة لها، كما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مرة، ووطنهم فصلته إسرائيل إلى نصفين، فأبعدت قطاع غزة عن الضفة الغربية، عدا عن حالة العداء البعيدة عن المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وكل هذا في الظاهر فقط، أما في تفاصيل الحياة اليومية، فالمفارقات أكثر بكثير مما يعتقد البعض، بسبب التداخل الرهيب لدولة الاحتلال في حياة الفلسطينيين.
قبل يومين، كانت هناك حلقة نقاش ضيقة، نظمتها مؤسسة مسارات، في مدينة رام الله في الضفة الغربية، لعدد من الشخصيات الفلسطينية، وكان الضيف الرئيسي في هذه الحلقة، الدكتور صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين وعضو اللجنتين المركزية لحركة فتح والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية..
ولأنها حلقة نقاش ضيقة، تحدث فيها الدكتور عريقات بكل صراحة، حيث قال أمام الجميع «آمل أن أرجع إلى حياتي المحترمة في يوم ما»، وهذه العبارة قيلت خارج سياق جلسة النقاش، وتعبر عن مفارقة حقيقية، اذ أكد أحد الحضور أن الرجل أمضى نحو ربع قرن في العمل السياسي، ليكتشف أخيراً، أن السياسة ليست المجال المحترم الذي يعمل فيه، وأن ما قاله عريقات ينم عن صدق واقتناع، ولربما صرح عريقات بذلك، لضيق أو معاناة حقيقية يعيشها الرجل.
كما تحدث الدكتور عريقات، عن المشروع الفلسطيني العربي، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والمتوقع عرضه على مجلس الأمن الدولي خلال أيام، حيث يعتقد عريقات أنه «من الصعب أن تصوت الولايات المتحدة بـ«الفيتو» على مشروع القرار العربي المطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عامين».
وبرر صائب صائب عريقات وجهة نظره هذه، بأن الولايات المتحدة، ستضع في حسبانها، أن شركاءها في الحرب على داعش، هم العرب والمسلمون، وبالتالي سيكون قرارها صعباً للغاية، أمام هذه الحسابات.
وفي الجلسة الضيقة ذاتها التي عقدت في مؤسسة مسارات في رام الله، تطرق الدكتور عريقات، إلى مفارقة أخرى، وهي كيفية سفر الرئيس عباس إلى خارج البلاد، وتحديداً إلى الأردن البوابة الرئيسية للفلسطينيين في الضفة الغربية إلى العالم، فقال إن «أبو مازن عندما يريد الذهاب إلى عمان، عليه أن يطلب إذناً من مقر الارتباط العسكري الإسرائيلي في معسكر»بيت إيل» القريب من رام الله، مع تحديد عدد السيارات والاشخاص»، وأضاف عريقات «ما عاد فينا نواصل، ولا بد من تحديد العلاقة مع إسرائيل».
وبعيداً عن الجلسة، لكن وفي مفارقة أخرى، قال وزير الزراعة السابق المهندس وليد عساف، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي جلت عن عشرة آلاف دونم في منطقة العين البيضا في الاغوار، وكان مطلوباً مئة الف شيكل لحراثتها ومن ثم زراعتها، وأكد الوزير أنه تمت مناشدة كل الجهات المعنية لتأمين المبلغ ومنها الرئاسة، لكن لا حياة لمن تنادي، الأمر الذي جعل المستوطنين، يتنبهون لها، فقاموا بحراثتها وزراعتها، وبخلنا نحن الفلسطينيين «بعشرة شواكل» مقابل كل دونم.
ورغم أن هذه مفارقات فعلاً، إلا أنها من واقع الحال الذي يعيشه الفلسطينيون، ولا يعرفه الكثير من أبناء الوطن العربي، ففلسطين والحياة فيها، شكلت استثناء بالفعل، بكل ما يتعلق بالقضية، أو بالشعب، أو بالحياة اليومية التي ينغصها الاحتلال الإسرائيلي.
– See more at: http://www.panoramafm.ps/?page=details&newsid=25815&cat=19#sthash.TMRZN75S.0LWj79ks.dpuf nizagara en ligne.