forzest review. سلط المركز المسيحي للاعلام على الهجرة المستمرة في صفوف المسيحيين الفلسطينيين من الاراضي الفلسطينية وهذه المرة من مدينة بيت ساحور، اذ يعيش فيها نحو احد عشر الف مواطن بينهم ثمانية الاف من المسيحيين.
وركز التقرير على عائلة عيسى بنورة حيث عانى المنزل من الهجرة منذ عقود طويلة وبدأت بهجرة الاب البالغ من العمر نحو ثمانين عاما والذي يوضح بانه وبعد الاحتلال الاسرائيلي لما تبقى من ارض فلسطين عام 1967 اضطر للنزوح الى الاردن بحثا عن لقمة العيش بعد ان ضاقت به السبل وباخوته الثلاثة اذ ان الاوضاع الاقتصادية قد تدهورت بشكل كبير ولكنه وبعد عدة سنوات من الهجران عاد الى مسقط راسه مدينة بيت ساحور ويقول بهذا الصدد “انه لا يوجد أي بديل لمسقط الراس فحليب بلادنا الذي رضعناه وتعبنا في هذه البلاد يجب ان نعود اليها”.
الا ان شبح نزيف الهجرة لم يغادر هذا البيت فهجرت احدى بناتها الى امريكا لتصبح الحياة صعبه ليصبح البيت خاويا وتقول الوالدة بهذا الصدد ان الحياة تصبح صعبة داخل المنزل حين يهجر اهله.
ولكن تيار الهجرة لا يستكين ويكاد يجرف الجيل الثالث من العائلة. فنجل سعاد إبنة هذه العائلة طرق أبواب الهجرة، لكن والدته حالت دون ذلك لأن آلام الفراق التي خلّفها غياب والدها ما تزال ماثلة في ذهنها وجاثمة على صدرها وقالت بهذا الصدد تقول سعاد انه وحين قدم نجلها اوراق الهجرة الى القنصلية السويدية وقفت في وجهه بقوة وقلت له هنا افضل حتى لوعشنا على الخبز والزعتر حيث بلادنا اولى بنا ونجت في ثنيه عن الهجرة.
الناطق بلسان كنيسة الروم الارثوذكس عيسى مصلح اكد ان شبح الحجرة خطير للغاية موجها مناشدته لكافة دول العالم ان لا يمنحوا الفلسطينيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص فيز السفر لان الهجرة لا تستهدف فقط الوجود المسيحي بل الوجود الفلسطيني برمته.
الدكتور وليد الشوملي وهو محاضر جامعي ومدير المركز الفلسطيني للدراسات وحوار الحضارات نوه في مقال له ان عدد المسيحيين الفلسطينيين في الوطن والشتات يبلغ نحو (أربعمائة ألف) نسمة حيث يشكلون 6.5.% من العدد الإجمالي للشعب الفلسطيني. ويبلغ عدد المسيحيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حاليا حوالي 60000 حيث يشكلون ما نسبته 2.1% من مجموع السكان الفلسطيني في تلك المناطق والذي يقدر بحوالي 2.8 مليون نسمة. أما عدد الفلسطينيين المسيحيين داخل إسرائيل الآن فإنه يبلغ حوالي 120000 نسمة من أصل 1.2 مليون تقريبا يعيشون داخل الخط الأخضر، وبالتالي فهم يمثلون حوالي 10% من السكان العرب داخل الخط الأخضر. وبناء على ذلك يصل العدد الإجمالي للمسيحيين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، ومناطق الخط الاخضر إلى حوالي 175000 حيث يمثلون بذلك ما نسبته 1.9% من مجموع السكان العرب واليهود على أرض فلسطين التاريخية.
وهناك حوالي 56% من المسيحيين الفلسطينيين يعيشون في الشتات. وهذا ناجم عن الهجرة الأولى من فلسطين في العام 1948 حيث شكلت نسبة اللاجئين المسيحيين 35% من مجموع المسيحيين في أراضي فلسطين ما قبل 1948، ثم الهجرات المتعاقبة لهم خارج الوطن التي تلت ذلك لعدة عوامل
أما في محافظة بيت لحم التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 170000 نسمة فإنه يبلغ عدد المسيحيين فيها حوالي 30000 نسمة أي ما نسبته حوالي 18% من المجموع الكلي لسكان المحافظة. ويمثل عدد المسيحيين في منطقة بيت لحم تقريبا ضعف عددهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. وهم يتمركزون في المدن الرئيسية للمحافظة وهي بالتحديد مدن بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور، ولا يقطنون بشكل عام في الضواحي أو قرى المحافظة. وهذا التواجد المسيحي داخل المدن آنفة الذكر يمكن فهمه حيث أنهم يسكنون بالقرب من الأماكن المسيحية المقدسة خاصة كنسية المهد في بيت لحم، المكان الذي ولد فيه السيد المسيح، وكنيسة حقل الرعاة في بيت ساحور حيث بشر ملاك الرب الرعاة بميلاده.
ويضيف الشوملي الى ان الكثير من الحرفيين المسيحيين في منطقة بيت لحم يعتمدون على السياحة حيث تستقبل المدينة وفود الحجاج المسيحيين من كافة أنحاء العالم الذين يزورون كنيسة المهد. وبالتالي فإن معظمهم يعملون في صناعة المجسمات ذات الدلالة الدينية والمصنوعة من خشب شجر الزيتون. إلا أن هذه الصناعة أصيبت بانتكاسة كبيرة إثر اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000 بالإضافة إلى الاغلاقات والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة لمحافظة بيت لحم كغيرها من المحافظات الفلسطينية الأخرى وكذلك جدار الفصل العنصري. هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة شكلت إحدى العوامل الرئيسية التي أدت إلى هجرة أو جعل الكثير من المسيحيين بالتفكير بالهجرة إلى الخارج من اجل البحث عن مصادر الرزق وكذلك عن موطن آمن لهم. وقد أصبح نزيف الهجرة هذا مصدر قلق للجميع وللقيادة السياسية الفلسطينية وللمسلمين قبل المسيحيين انسفهم والذين يعون جيدا أهمية الوجود المسيحي في فلسطين والأراضي المقدسة في إضفاء التعددية الدينية والثقافية في منطقة بيت لحم بالإضافة إلى ذلك فإنه ينظر إلى مسيحيي الشرق عامة ومسيحيي فلسطين خاصة على أنهم جسر ثقافي بربط حضارة الشرق بنظيرتها في الغرب حيث مثلوا منذ قرون عديدة رأس الحربة في النهضة الثقافية والفكرية والقومية كنتيجة لتلقيهم العلوم في المدارس التابعة للإرساليات التبشيرية الغربية أثناء الصغر ومن ثم التحاقهم في الجامعات الغربية فيما بعد.
ويرجع الشوملي الاسباب التي تدفع المسيحيين للهجرة الى بالعودة إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية التي جعلت الكثيرين من المسيحيين الحرفيين أن يفقدوا مصدر الرزق الوحيد لعائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك فإن معظمهم ينتمي إلى الطبقة الوسطى وبذلك يكونون اقل تحملا لمشقات ومصاعب الظروف السياسية والاقتصادية من أشقائهم المسلمين خاصة اللاجئين منهم والذين قد تعودوا على قسوة الحياة عليهم. إلى جانب ذلك، فإن انعدام الحرية والأمن الشخصيين كان احد العوامل الرئيسية أيضا وراء هجرتهم، اضافة وجود أقارب لهم كثيرون يعيشون في الخارج خاصة في الأمريكيتين مما شجع الكثير منهم على الهجرة حيث يكونون على يقين أنه سيتم ترتيب أوضاع خاصة لهم عند وصولهم هناك، وأنه لن يبدأوا من نقطة الصفر كما بدأ من سبقوهم إلى المهجر. فالعملية تبدأ بانتقال أو هجرة أحد أفراد الأسرة إلى الخارج طلبا للعلم، أو الرزق، أو المكان الآمن ثم يبدأ باقي إفراد الأسرة اللحاق به.
اما السبب الثالث للهجرة فيعود نظرا لوحدة الدين بينهم وبين اقرانهم في الغرب (علما أن المجتمعات الغربية هي في الأساس علمانية) فإنه يسهل عليهم الاندماج في المجتمعات الغربية أكثر من أشقائهم المسلمين حيث يشعر أولئك بالحاجز الديني يعرقل عملية اندماجهم في تلك المجتمعات رغم طابعها العلماني، الا أنها (أي تلك المجتمعات) من وجهة نظر الكثيرين تنضوي على القيم المسيحية لأسباب تاريخية في علاقة الكنيسة والدولة منذ العصور الوسطى.
وشدد الشوملي الى ان نمو وتزايد الحركات الإسلامية والتطرف الديني بشكل عام عكس سلبا على المسيحيين وشعورهم بالأمان وكذلك بالانتماء. وبدأ يشعر بعض المسيحيين وكأن الصراع في الشرق الأوسط لم يعد على خلفية قومية بل هو إسلامي- يهودي. وبالتالي بدأ ينمو فيهم شعور بالغربة إلى حد ما وأنه لم يعد لهم موقع في خندق هذا الصراع. أضف إلى ذلك أنه تمت في الآونة الأخيرة (وان كانت أحداث فردية غير مسؤولة) اعتداءات من قبل بعض الأفراد المسلمين( وأن لم تكن بدوافع أصولية) على ممتلكات المسيحيين وأراضيهم مما عزز عند المسيحيين شعور بأنهم مستضعفون ولا يستطيعون الدفاع عن ممتلكاتهم. الا أنه نؤكد هنا على التعايش الإسلامي- المسيحي وعلاقة الأخوة الرائعة التي تربط أتباع هاتين الديانتين السماويتين في فلسطين عامة ومحافظة بيت لحم خاصة. وقد أدانت الأوساط الفلسطينية الرسمية والشعبية بشقيها المسلم والمسيحي أدانت بشدة تلك الأعمال الفردية، واللامسؤولة، والخارجة عن أخلاق الشعب الفلسطيني.
وخلص الشوملي إلى ان الهجرة تشكل نزفا قد تكون نتائجه مدمرة على المجتمع الفلسطيني وعلى الوجود الحضاري الثقافي للمسيحيين في هذه البقعة المقدسة في العالم. وقال ” نحن بدورنا ندق ناقوس الخطر لدولنا العربية والإسلامية قبل غيرها من الدول من اجل المساهمة في تثبيت الوجود المسيحي في فلسطين لأنه أيضا مطلب عربي وإسلامي، لا سيما أن السيد المسيح رسول السلام هو الفلسطيني الأول”.