لا تزال الإدارة الأمريكية عازمة على عقد مؤتمر “المنامة” الاقتصادي، في العاصمة البحرينية، الثلاثاء، لبحث إمكانية تنفيذ استثمارات بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، في قطاع غزة والضفة الغربية ودول عربية مجاورة، رغم الرفض الفلسطيني الحازم حيال ذلك، في ظل غياب الشق السياسي للقضية الفلسطينية، وأي أفق عادل للحل من الجانب الأمريكي.
المؤتمر الذي سيبحث تنفيذ نحو 127 مشروعا في غزة والضفة، لن تحضره أي جهة فلسطينية رسمية كانت أو شعبية، كونهم يعتبرون أنه يأتي في إطار الرشوة الاقتصادية، لمقايضة الحقوق والثوابت الفلسطينية، والمساومة على الأرض، بالمال.
آراء المحللين السياسيين، تباينت حيال انعكاس موجة الرفض الفلسطينية تلك، على تنفيذ مخرجات المؤتمر، أو على طرح تفاصيل “صفقة القرن”؛ الشق السياسي منها، لاحقا.
البعض منهم اعتبر أن ذلك الرفض كفيل بأن يُعرقل تنفيذ المخرجات، وقد يؤدي لاحقا إلى فشل الصفقة؛ في حين أن البعض الآخر اعتقد أنه، رغم الرفض الفلسطيني، إلا أن هناك إمكانية لتنفيذ المخرجات من خلال سياسات أحادية الجانب عبر “مؤسسات دولية”.
وينعقد مؤتمر المنامة في العاصمة البحرينية يومي 25 و26 يونيو/حزيران الجاري، تحت عنوان “ورشة الازدهار من أجل السلام”، وذلك في أول إجراء عملي لخطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”.
**أثر الرفض الفلسطيني
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، وديع أبو نصار، يرى أن الرفض الفلسطيني أثّر بشكل كبير على موقف الدول العربية من المشاركة في المؤتمر.
وقال أبو نصار، خلال حديثه لوكالة “الأناضول”، بناء على ذلك الرفض تهربت عدد من الدول العربية من المشاركة في المؤتمر، أو لجأت إلى تخفيض مستوى التمثيل فيه.
وأضاف:” مثلا لبنان والعراق أعلنتا رفضهما للمشاركة قبل توجيه دعوة لهما، وذلك تساوقا مع الرفض الفلسطيني، في حين أن الأردن ومصر أعلنتا خفض مستوى التمثيل في المؤتمر”.
كما أثّر هذا الموقف، على المشاركة الإسرائيلية والتي ستتمثل بقطاع الأعمال، دون وجود مشاركة سياسية (رسمية)، بحسب أبو نصار.
واستكمل قائلاً:” إسرائيل كانت تتمنى أن يكون هناك مشاركة لشخصيات سياسية، لكن الإدارة الأمريكية لم توجه دعوة أي شخصية سياسية، وذلك لعدم إعطاء ذريعة لتوجيه التهمة لإسرائيل، أنها تسعى لتطبيع مجاني للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي”.
**صعوبة التنفيذ
ووصف أبو نصار، الخطة الأمريكية للتسوية بـ”صفقة الوهم”، وذلك السببين، الأول أن أي رغبة للإدارة الأمريكية بتحسين الوضع الاقتصادي الفلسطيني، يجب أن تنطلق من الضفة الغربية، وليس من المنامة وغيرها.
وقال في ذلك الصدد:” من المفترض لو أنهم معنيون بتحسين الوضع، أن يطالبوا إسرائيل برفع قيودها المفروضة على الفلسطينيين فيما يتعلق بالتنقل وحركة البضائع، فالأمر لا يحتاج إلى مؤتمرات”.
وأما السبب الثاني، وفق أبو نصار، فهو اعتقاده بصعوبة إمكانية توفير “الكم الهائل من الأموال والذي اقترحته الخطة الاقتصادية”.
واستكمل:” هذه أرقام وهمية، الدول العربية حتى الغني منها، لديها همومها لا يمكنها أن تقدم هذه الأموال، أمريكا تبيع الوهم”.
واستبعد أبو نصار نجاح الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطة السلام، في حال تم عقد المؤتمر بنجاح، وذلك لذات الأسباب، إلى جانب عدم وجود تعاون إسرائيلي على الأرض.
والسبت، قالت “القناة 11” التابعة لهيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، إن إسرائيل قد ترفض مشاريع يفترض تنفيذها في الضفة وغزة، ضمن ما أعلنه البيت الأبيض، في الشق الاقتصادي من “صفقة القرن”
واعتبر أبو نصار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رافض للصفقة، لكنه لا يعلن ذلك كي لا يصطدم مع الإدارة الأمريكية، ويختبئ برفضه خلف القيادة الفلسطينية.
**مصيره الفشل
الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، اعتبر حالة “الرفض والسخط الفلسطينية، تجاه مؤتمر المنامة”، بمثابة الرفض “لصفقة القرن” بشكل عام.
وتوقّع إبراهيم أن يعرقل الرفض الفلسطيني لمؤتمر المنامة، طرح “صفقة القرن” أو يؤجلها ويتسبب بإفشالها.
وأوضح أن أي “حل اقتصادي، لن يؤدي لحل سياسي يضمن حقوق الفلسطينيين سيكون مرفوضا من جانبهم”.
واستكمل:” خطة السلام الاقتصادية هي إنكار فعلي لحق اللاجئين، والحق بالأرض وإقامة الدولة”.
وذكر أن أي خطة دون “مرجعية من الأمم المتحدة، وضمان حق تقرير المصير للفلسطينيين، ويضمن حل بناء على مشروع حل الدولتين”، سيكون مصيرها الفشل.
وأضاف:” ما يشمله المؤتمر الاقتصادي، لا يغري الفلسطينيين ولم يشجعهم على المشاركة ورفضوها”.
**سياسات أحادية الجانب
لكن الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، يرى أن الرفض الفلسطيني لصفقة القرن، ومؤتمر المنامة، لن يكون لهما انعكاسا كبيرا على التوجه الأمريكي في تنفيذ الخطة.
وقال عوكل أنه في حال رغبت الإدارة الأمريكية بتنفيذ الخطة الاقتصادية، ستتمكن من ذلك من خلال فرض سياسات ووقائع على الأرض من جهة واحدة.
واستكمل قائلاً:” كما فعلوا بموضوع القدس واللاجئين، وكما يحضرون أنفسهم لمصادرة أراض بالضفة الغربية… الشق الاقتصادي من الصفقة سيستمر بنفس الوجهة، بسياسات أحادية الجانب”.
وأشار إلى أن آليات تنفيذ تلك الخطة “قد تحدث عبر مؤسسات دولية مثلا، كي لا تترك ذريعة للرفض”.
وأضاف:” حينما تأتي مؤسسة دولية وتقرر على سبيل المثال إنشاء محطة تحلية للمياه، هل سيرفض الفلسطينيون حينها؟ أستبعد ذلك”.
** الخطة مستمرة
وفي ذات السياق، ومتفقا مع عوكل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، أن الرفض الفلسطيني على المستويين الشعبي والرسمي، لن يثنيا الإدارة الأمريكية أو الحكومات العربية عن عقد مؤتمر البحرين.
ويقول لـ”الأناضول”:” للأسف يبدو أن هناك تجاوز عربي واضح للموقف الرسمي الفلسطيني والشعبي من ذلك المؤتمر، وعلى ما يبدو أن الإدارة الأمريكية ماضية في خطتها لتصفية الحقوق الفلسطينية”.
ويرى أن الإدارة الأمريكية قادرة على تنفيذ المشاريع الاقتصادية حتى لو لم يبد الفلسطينيون تعاونا معهم، سواء من خلال دول عربية أو مشاريع استثمارية، أو مؤسسات دولية.
وأضاف:” أعتقد إنه أمر مشكوك فيه، أن تقف القيادة الفلسطينية الفصائلية أو الرسمية في غزة أو الضفة، في وجه مشاريع تحاول -كما يقول أمريكا- التحسين من حياة الفلسطينيين”.
و”صفقة القرن” خطة سلام أعدتها إدارة ترامب، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة إسرائيل، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.